عاشوراء بین الصلح الحسنی و الکید السفیانی نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

عاشوراء بین الصلح الحسنی و الکید السفیانی - نسخه متنی

السید جعفر مرتضی العاملی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


جيش الإمام عليه السلام:

وإذا كانت الأمور تسير باتجاه تكريس النصر العسكري لصالح معاوية، حين استطاع أن يخرج الألوف الكثيرة من جيش الإمام الحسن عليه السلام، من دائرة الصراع المسلح، من خلال شراء ضمائر قادتهم، وكان من بينهم أقرب الناس إلى الإمام، وواليه على اليمن، وابن عم النبي صلى الله عليه وآله، وهو عبيد الله بن العباس(18) الذي خان الإمام الحسن عليه السلام، ولحق بمعاوية في ثمانية آلاف، لقاء مئة ألف درهم، كما رواه الفضل بن شاذان في بعض كتبه..(19) أو مليون درهم..(20)

مع أن معاوية قد قتل له طفلين في اليمن، فقد أتي بهما أحد قواده، وهو بسر بن أبي أرطأة، فذبحهما..(21)

هذا فضلاً عمن انحاز إلى معاوية، مع غير عبيد الله، مع العلم بأن جيش الإمام الحسن عليه السلام بأجمعه ربما لم يكن يزيد على العشرين ألفاً..(22) في مقابل ستين ألفاً عند معاوية كما نصت عليه المصادر(23)

وفي بعضها أن معاوية كان في مئة ألف..(24)

ويدل على أن عدة جيش الإمام الحسن عليه السلام لا تزيد على ذلك، أما ما ذكروه من أنه كان ولى كندياً على أربعة آلاف فانحاز إلى معاوية في مئتين منهم، ثم أرسل أحد بني مراد على أربعة آلاف أيضاً، فانحاز إلى معاوية أيضاً، فأعلم الناس بذلك، فادعوا: أنهم مناصحون له، فقال لهم:

«إن معسكري بالتحلية، فوافوني، وإني لأعلم أنكم غادرون بي، ووالله، لا تفون بعهدي، ولتنقضن الميثاق بيني وبينكم»..

ثم إنه أخذ طريق النخيلة فعسكر عشرة أيام، فلم يحضره إلا أربعة آلاف..

وكتب أكثر أهل الكوفة إلى معاوية: بـ:

«أنَّا معك، وإن شئت أخذنا الحسن أسيراً وبعثناه إليك»..(25)

بل لقد قال عليه السلام لحجر بن عدي:

«والله يا حجر، لو أني في ألف رجل، لا والله، إلا ماءتي رجل، لا والله، إلا في سبع نفر لما وسعني تركه»..(26) يعني ترك معاوية الذي جاء في مئة ألف، حسب نص تلك الرواية نفسها..

بل ذكر المرتضى في تنزيه الأنبياء، أنه عليه السلام دعاهم إلى أن يخرجوا إلى معسكرهم بالنخيلة، فلم يجبه منهم أحد..(27)

وبذلك يظهر: أن ما ذكره البعض من أنه قد كان عنده أربعون ألفاً، أو نيف وأربعون ألفاً..(28) فهو ناظر إلى الذين كان الإمام علي عليه السلام قد جهزهم قبل استشهاده لحرب معاوية، كما ألمح إليه، بل صرح به بعضهم..(29)

أما من بقي معه عليه السلام، فهم يرون أن الدنيا التي يحبونها كانت عند معاوية، الذي يرون بينهم وبينه العقبات والحواجز، كما أنهم كانت أهواؤهم وولاءاتهم مختلفة، فمنهم الخوارج، ومنهم ـ وهم الأكثر ـ من يكن الولاء لعمر بن الخطاب، لا للإمام علي عليه السلام..

وذلك لأن عمر هو الذي فتح بلادهم، ووجههم للفتوحات في بلاد فارس، فاستفادوا المال والمناصب وغير ذلك، وهو الذي مصَّر الكوفة والبصرة، بالإضافة إلى أن الكثيرين ما كان يهمهم سوى الحصول على الولايات والمناصب والزعامات، ومنهم من كان يكن الولاء لبني أمية..

وقد رأوا أن الإمام علياً عليه السلام يريد أن يحملهم على المحجة، ويعاملهم بالعدل، وقد جاهد بهم أعداء الله، وضحوا بالأموال والأنفس، وبالعلاقات، وبغير ذلك.. من دون أن يحصلوا على غنائم ولا على سبايا، ولا على مناصب أو مقامات، بل إن الإمام علياً عليه السلام لا يسكت حتى عن وليمة يدعى إليها واليه على البصرة، وهو ابن حنيف، فيكتب إليه رسالة لوم وتقريع، يخلدها التاريخ، كما أنه عليه السلام لم يكن ليفسح لهم المجال لأية مخالفة.. بل هو يعاقب المخالف، وفق أحكام الشرع، والدين..

وهذا أمر لم يعتادوه، بل اعتادوا حياة الإنفلات، والسعي وراء الشهوات، وكانوا يعرفون أن الإمام الحسن عليه السلام، لا يختلف عن أبيه في ذلك، بل هو يسير على نفس الخط..

بل إن هذا الجيش نفسه الذي أعده الإمام الحسن عليه السلام لحرب عدوه، قد اعتدى على نفس قائده، وإمامه، فنهبوا فسطاطه، وأخذوا مطرفه عن عاتقه، وسحبوا البساط الذي يصلي عليه من تحته، وضربوه بالمعول في فخذه، بساباط المدائن، وبقي يتداوى من هذه الضربة أكثر من شهرين..(30)

ورماه أحدهم بسهم، وهو يصلي، فلم يثبت فيه لأنه عليه السلام كان يلبس درعه..(31)

فالجيش الذي يفعل ذلك بقائده وسيده، هل يمكن أن يضحي بالغالي والنفيس امتثالاً لأمر ذلك القائد، ونصرة لقضيته؟!..

وقد قالوا في وصف جيش الإمام الحسن عليه السلام:

«خف معه أخلاط من الناس، بعضهم شيعة له ولأبيه عليهما السلام، وبعضهم محكمة (أي خوارج) يؤثرون قتال معاوية بكل حيلة، وبعضهم أصحاب فتن وطمع في الغنائم، وبعضهم شكاك، وبعضهم أصحاب عصبية، اتبعوا رؤساء قبائلهم، لا يرجعون إلى دين»..(32)

أما معاوية فمعه جيش قوي، متماسك، يلتقي معه في الأهداف، وفي السلوك، وفي الولاء، وقد تربى على يده، وعلى نهجه، وله نفس طموحاته، وعين أهدافه، ويكن له الولاء والحب..

وله أيضاً جانب كبير من أهل العراق وفي جيش الإمام الحسن عليه السلام بالذات، ممن اشترى ضمائرهم أو أنهم من أنصاره، والموالين له مباشرة، أو يلتقون معه في الأهداف، أو في المطامع، أو في الولاء والانتساب لغير أهل البيت..

التحرك نحو الحرب:

وقد كان الإمام الحسن عليه السلام يعلم بكل هذه الحقائق، ولكن كان لا بد له، بعد أن سار معاوية إليه بجيشه، من أن يتحرك للدفاع وللتصدي، لكي تتجسد الحقائق واقعاً حياً وملموساً، وليرى الناس بأم أعينهم حقيقة جيش الإمام في تركيبته وفي ممارساته لكل أحد، ولكي يمكن أن يخضع معاوية لشرائطه، أو على الأقل أن يقبل بأن يفاوضه عليها، ويحقق أعظم الأهداف رغم أنه في أضعف جيش، وفي مواجهته معاوية الداهية، وهو في أقوى جيش، وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على أن الإمام عليه السلام قد حقق معجزة كبرى في مجال السياسة كما هو واضح..

خيار السلم:

وأما خيار السلم، فهو أيضاً على نحوين:

أحدهما: أن يستسلم الإمام الحسن عليه السلام لمعاوية، ويقول له: افعل ما تشاء، فإنني قد انسحبت من ساحة الصراع..

فهذا السلام هو عين الهزيمة، وهو سوف يعطي الشرعية لكل ممارسات وجرائم وجنايات معاوية.. وهو أعظم خطراً من الهزيمة العسكرية ثم الإبادة..

الثاني: السلام القائم على شروط، وهو عقد الهدنة المسمى بالصلح، فإنه ليس فيه تضحية لا بالأنفس، ولا بالأموال، ولا تنشأ عنه أي من سلبيات الحرب الكثيرة.

كما أنه على صعيد النتائج، لا يعطي أي مبرر لأولئك الطغاة، والمجرمين، للعدوان على حياة القيادة، أو على حياة أي من الرموز المؤثرة والفاعلة في الحياة الدينية أو السياسية..

وهو أيضاً يحفظ الشيعة من تسهيل استئصالهم وإبادتهم، حين يزين المجرمون لأنفسهم وللبسطاء من الناس: أن جرائمهم هذه لا بد منها، لأنهم إنما يقتلون عدوهم الذي حاربهم، وأراد قتلهم.

ولعلك تقول:

لقد رأينا أن الشيعة لم يسلموا بعد الصلح، من ظلم معاوية وبني أمية، حيث تتبعهم زياد بن أبيه، وغيره من ولاة معاوية، تحت كل حجر ومدر، وألحقوا بهم أكبر الأذى..

ونقول في مجال التوضيح والتصحيح:

إنه كان ظلماً مفضوحاً، فاقداً لأي مبرر، ولا يمكن أن يتسبب بأي تضليل أو شبهة..

لأن هذه الخسائر في السلم قد جاءت على سبيل نكث العهد، ونقض العقد، فهي إذن لم تكن بلا ثمن، بل صار ثمن دم الشيعي هو اكتشاف الناس للخائن والغادر، ووعيهم لحقيقة هؤلاء الظالمين، ووضوح بطلان دعاواهم، وفضح مكائدهم، وإدراك أنهم غادرون، ظالمون، ناكثون للعهود، وأنهم ليسوا أهلاً لما يدعونه من إمامة وخلافة..

وهذا معناه: أن الصورة ستصبح أكثر نقاء، ووضوحاً للأجيال الآتية، وفي هذا الوضوح يحفظ الدين من غائلة تراكم الشبهات والأباطيل، ويحفظ المسلمون من التضليل.. وبذلك يفضح أمر الطرف الآخر، ويسلب أية شرعية لما يدّعيه، وتسقط جميع تصرفاته عن الاعتبار، ويظهر زيف ادعاءاته، وبوار ممارساته، وعوار أهدافه..

كما أن ذلك يسقط شرعية كل ما يدعيه الغاصبون الذين يأتون بعد معاوية، ممن يرتكزون في شرعيتهم إليه، ويعتمدون فيها عليه..

فاتضح: أنه لولا هذا السلم المتمثل بعقد الهدنة «الصلح» لبقي أعداء أهل البيت يبثون شبهاتهم، ويشيعون أضاليلهم، وأباطيلهم، التي تتهدد إيمان الناس، واعتقادهم على مر الدهور والعصور.

واتضح أيضاً: أن ما يحصل عليه الإمام الحسن عليه السلام عن طريق السلم يستحيل أن يحصل عليه في الحرب، حتى لو انتصر فيها..

ولعلك تقول:

لماذا حارب الإمام علي عليه السلام معاوية، ولم يسع إلى مصالحته؟!

ونقول في الجواب:

إن من الضروري التنبيه إلى أن هذا لم يكن يمكن حصوله في حرب معاوية للإمام علي عليه السلام، فإن الإمام علياً عليه السلام كان يملك القدرة على الحرب، فلا مبرر للصلح بنظر الناس، بل إن السعي إليه يوجب الشبهة لدى الناس في أن يكون معاوية محقاً فيما يدعيه، وبذلك تصبح خيانة معاوية مبررة عند الكثيرين من الجهال، والبسطاء، حتى لو بادر إلى قتل الإمام علي عليه السلام نفسه، لأنه سيكون قادراً على التمويه على الناس في أمر اتهام الإمام علي عليه السلام بدم عثمان، وكفى ذلك مبرراً لنفض العهد، والإقدام على جريمة قتله عليه السلام.. بدافع من إحنه البدرية، وأحقاده الأحدية..

ولكن قتل الإمام الحسن عليه السلام، ليس له مبرر ما دام أن الحسنين قد دافعا عن عثمان حين هوجم وقتل، كما أوضحناه في كتابنا: الحياة السياسية للإمام الحسن عليه السلام..

حسابات معاوية في صلحه:

وإذا رجعنا إلى حسابات معاوية لأمر الصلح، فإنه وإن كان يرى نفسه في موقع القوة، ويرى أن انتصاره العسكري سيكون سهلاً وميسوراً، بملاحظة واقع الجيشين، ولكنه كان يعلم أيضاً: أن هذا الانتصار إذا انتهى باستشهاد الإمامين الحسنين عليهما السلام، وبني هاشم، فإنه يحمل معه احتمالات حدوث مفاجآت غير محسوبة(33) هو في غنى عن معاناة الخوف والحذر منها، وسوف تنغص تلك المفاجآت المحتملة عليه لذة العيش، إذا كانت تتحرك في دائرة انتقال الملك إلى ولده يزيد لعنه الله، وبني أمية، فإن الأيام قد تتمخض عن تقلبات لم يحسب لها هو ولا غيره حساباً، وقد لا يستطيع من يأتي بعده من بني أبيه معالجتها بما يحفظ له النتائج الطيبة التي يتوخاها..

ولأجل ذلك، فقد آثر أن يعطي الإمام الحسن عليه السلام ما يريد، معتمداً على ما بيَّته من نوايا الغدر والخيانة له، ونكث عهده ونقض عقده، وإبطال كل ما كان شرطه له.. وقد أفصح هو نفسه عن نواياه هذه بجلاء حينما أعلن بعد توقيعه على وثيقة الصلح يقول:

«ألا إن كل شيء أعطيته الحسن بن علي تحت قدمي هاتين، لا أفي به»..(34)

وهذا ما صرح به عدد من المؤرخين أيضاً..(35)

معاوية يظهر على حقيقته:

ولكن من الواضح: أن هذا الغدر والخيانة، ليس فقط لا يخل بالبنية الفكرية والاعتقادية، بل هو يحصِّن هذه البنية، ويزيدها قوة ومناعة، من حيث إنه يمثل الدليل الحي لسقوط الدعاوى الكاذبة، بأن لبني أمية الحق في امتلاك قيادة الأمة فإن الخائن والغادر، والكاذب لا يمكن أن يكون أهلاً لشيء من ذلك.

وليكن هذا الانطباع الناشئ عن المعاينة، بمثابة صمام الأمان حتى لا تتعرض الحقيقة بعد هذا للتزوير، وليكن هو الحافظ لها من التشكيك، والتلاعب وخداع الناس فيها..

وبذلك يصبح للفكر السياسي والديني قوته، ورسوخه، وأصالته، ليؤمن ـ بعد هذا ـ من آمن عن بينة، وليكفر من كفر عن بينة..

الوفاء والخيانة لشروط الصلح:

وبعدما تقدم نقول: إن الإمام الحسن عليه السلام قد استطاع بعقد الهدنة الذي أبرمه مع معاوية أن يحفظ للشيعة المخلصين حقهم في الحياة، وأصبح أي تعامل غير إنساني معهم يمثل دليلاً على سقوط أطروحة وادعاءات مناوئي أهل البيت عليهم السلام، لأنه سوف يكون عدواناً غادراً ومفضوحاً. لا يمكن تبريره بأي منطق كان، حتى بمنطق أهل الجاهلية، ومن لا يؤمن بدين..

كما أنه عدوان يدركه الناس كلهم، كبيرهم، وصغيرهم، وعالمهم وجاهلهم، والذكي والغبي، والقريب والبعيد.. من حيث أن البشر كلهم يدركون أن الحياة الإنسانية لا يمكن أن تستمر إذا لم يتم الالتزام بالعهود والمواثيق، فمن لا يلتزم بها، فإنه يصادم البداهة، ولا بد من إدانته، لأنه بنظر الناس جميعاً يعبث بسلامة الحياة الإنسانية، وهو ما لا يمكن السماح ولا الرضا به، في أي من الظروف والأحوال.

وبذلك يصبح الوفاء والخيانة للعهود، هو المفتاح الذي إذا حركه الإنسان، وعرف الخائن والوفي، فإنه يعرف بذلك المحق من المبطل، والمصلح من المفسد، وقد استطاع الإمام الحسن أن يوجد هذا المفتاح، وأن يجعله في متناول يد كل إنسان عاش معه، أو يأتي بعده..

الفصل الثالث

شروط الصلح

تجعل يزيد لعنه الله هو الباغي..

شروط الهدنة:

إن الشروط التي وقَّع عليها معاوية قد جاءت على غاية من الأهمية والخطورة..

وهي شروط كثيرة، لم يستطع التاريخ أن يفصح لنا إلا عن بعض منها، غير أنه قد أشار التاريخ إلى كثرة هذه الشروط حين صرح بأن معاوية قد أرسل إلى الإمام الحسن عليه السلام، وثيقة ضمن له فيها شروطاً، ولكن الإمام الحسن عليه السلام قد شرط عليه أضعاف ذلك..(36)

والذي أفصح لنا عنه التاريخ من هذه الشروط، مهم جداً، ولعل ما لم يصل إلينا مما سعى الأمويون إلى طمسه وإغفاله.. كان هو الأهم، والأكثر حساسية..

بعض شروط الصلح:

ومن جملة شروط معاهدة الهدنة التي كانت بين معاوية والإمام الحسن عليه السلام، هو: أن الإمام الحسن عليه السلام يسلم الأمر(37) لمعاوية على أن يكون له الأمر من بعده، فإن حدث به حدث، فللحسين..(38)

ومما يدل على ثبوت هذا الشرط: أن الإمام الحسين عليه السلام قد قال لابن الزبير، بمجرد ورود الخبر بموت معاوية:

«إني لا أبايع أبداً، لأن الأمر إنما كان لي من بعد أخي الحسن، فصنع معاوية ما صنع، وحلف لأخي الحسن: أنه لا يجعل الخلافة لأحد من بعده من ولده، وأن يردها إلي إن كنت حياً، فإن كان معاوية قد خرج من دنياه ولم يف لي، ولا لأخي الحسن بما كان ضمن، فقد والله أتانا ما لا قوام لنا به»..(39)

كما أن من شروط تلك الهدنة:

أن لا يسمي الإمام الحسن عليه السلام معاوية: أمير المؤمنين..(40)

وأن لا يقيم عنده شهادة..(41)

وأن يعمل معاوية بكتاب الله وسنة رسوله..(42)

وزاد بعضهم: سنة الخلفاء الراشدين المهتدين، وبعضهم زاد: سنة الخلفاء الصالحين..(43)

وليس لمعاوية أن يعهد لأحد من بعده..(44)

وهناك شروط أخرى مثل:

أن يترك سب [الإمام] علي [عليه السلام] ولا يذكره إلا بخير..

واستثناء مال بيت مال الكوفة، فلا يسلم إلى معاوية.

وعلى معاوية أن يحمل إلى [الإمام] الحسين [عليه السلام] في كل عام ألفي ألف درهم.

وأن يفضل بني هاشم في العطاء والصلات على بني عبد شمس..

وأن يفرق في أولاد من قتل مع علي عليه السلام في الجمل وصفين، ألف ألف درهم..(45)

وأن يجعل ذلك من خراج دارابجرد..

وفي نص آخر: أن يكون له خراج دارابجرد..(46)

وأن الناس آمنون حيث كانوا، أسودهم وأحمرهم..

وأن يحتمل هفوات الناس.

وأن لا يتبع أحداً بما مضى.

وأن لا يأخذ أهل العراق بإحنة..

وعلى أمان أصحاب [الإمام] علي [عليه السلام] أينما كانوا.

وأن لا ينال أحداً من شيعة الإمام علي عليه السلام بمكروه.

وأن يكون أصحاب علي وشيعته آمنين على أنفسهم، وأموالهم، ونسائهم، وأولادهم..

وأن يوصل لكل ذي حق حقه.

وأن لا يبغي للحسن وللحسين، ولا لأحد من أهل بيت رسول الله غائلة.

وأن لا يخيف أحداً في أفق من الآفاق..(47)

وهناك شروط أخرى تفهم بالمراجعة إلى المصادر..

الشروط.. وسياسة سحب الذرائع:

وعلى كل حال.. فإن إلقاء نظرة على هذه الشروط تعطينا أنها قد ركزت على سحب جميع الذرائع من معاوية والأمويين، وإسقاط كل أطروحتهم، وسلبهم أية شرعية يمكن أن يدعيها أي فريق بشري حتى لو كان من أهل الجاهلية، أو غير مسلم، حتى من لا يدين بأي دين، ولا يعترف حتى بوجود الله سبحانه..

وذلك لأن علاقات البشر ببعضهم، تقوم على احترام العهود والمواثيق فيما بينهم، ولولا ذلك لاختلت الحياة، ولأكل الناس بعضهم بعضاً.. فأي إقدام على نقض العهود من طرف واحد مرفوض شرعاً وعرفاً، ومدان عند جميع المجتمعات الإنسانية، بل لا بد أن يصنف هو في عداد الخيانة للعهود والمواثيق، وهو ليس فقط مرفوضاً شرعاً، بل مما لا يرضاه جميع عقلاء البشر، وتأباه مختلف المجتمعات الإنسانية، حتى المجتمع الجاهلي.

والذي نلاحظه هنا:

1 ـ إنه شَرَطَ أن يكون خراج دارابجرد للإمام عليه السلام يدل على أنه عليه السلام، لا يرى معاوية إماماً، من حيث إن هذه المنطقة إنما فتحت صلحاً..(48) ولم تفتح عنوة. وما كان كذلك، فهو للإمام..

أما سائر البلاد، فقد فتحت عنوة، وما كان كذلك فهو يقسم بين المقاتلة الفاتحين. فإذا تعدى معاوية على حقوق الناس، وظلمهم، فإن على الناس أن يطالبوا بحقوقهم، وأن لا يرضوا بهذا الظلم.

أما ما يرجع إلى الإمام فإنما هو حق له من حيث هو إمام.

وبذلك يكون عليه السلام، قد أفهم من يريد أن يفهم: أن هذه الهدنة قد تضمنت سلب معاوية كل ما يدعيه لنفسه من مقامات، وبينت أن الإمام الحق إنما هادنه في دائرة محدودة جداً، ولكنه سلب عنه كل شرعية فيها.. كما سيتضح..

2 ـ أنه شرط عليه أن لا يسميه بأمير المؤمنين، وقد سجل هو قبوله بذلك بخط يده، طائعاً مختاراً، مع أن هذا إعلان صريح بأنه عليه السلام لا يرى شرعية ما يدعيه معاوية لنفسه، وأن تسمِّيه بأمير المؤمنين ما هو إلا توثب شخصي منه على أمر لا حق له فيه، وأن ما يسفكه من أجل ذلك من دماء بريئة ما هو إلا إقدام على ارتكاب الجرائم، والموبقات والعظائم.

ولنفترض جدلاً.. أن محبيه، قد نسوا ما سفكه معاوية من دماء بريئة من أجل الحصول على هذا الأمر، وتذرعوا باحتمال واه وسخيف، وهو أن معاوية إنما أعطى هذا الشرط للإمام الحسن عليه السلام على سبيل التكرم والسماحة، وسعة الصدر، بهدف إدخال السرور على قلبه عليه الصلاة والسلام، لا لأنه قد قبل واعترف بأن هذا المقام ليس له..

فيأتي الشرط الثاني ليبين بوار هذا الاحتمال، ويقول:

3 ـ إن الأمر بعد معاوية للحسن، ثم للحسين عليهما السلام..

فالقضية إذن ليست قضية مجاملات، ولا هي نزاع حول التفوه بألفاظ المدح والثناء، أو النطق بالألقاب، أو السكوت عنها.. بل القضية قضية إحقاق الحق، وإرجاعه إلى أهله.. وهو الحق الذي غير اغتصابه من أهله مجرى التاريخ.

فلا يصح أن يقال: إن معاوية جعل الأمر لهما عليهما السلام، من بعده على سبيل التنازل عن حق هو له، إرفاقاً بهما، وتقرباً لرسول الله صلى الله عليه وآله، فإذا بدا له بعد ذلك أن يسترجع هذا العطاء، حين رأى المصلحة في ذلك، فإنما يسترجع حقه..

نعم، لا يصح أن يقال هذا، لأنه إنما قال:

إن الأمر من بعده للحسن ثم للحسين.

ولم يقل: إن معاوية قد جعل الأمر لهما عليهما السلام.

وهذا معناه: أن معاوية قد سجل اعترافاً بحقيقة راهنة، لم يكن له بد من الاعتراف بها، وهي التي قررها الله ورسوله، في حديث: «الأئمة بعدي اثنا عشر».. وغيره من الأحاديث الصحيحة الثابتة، بالإضافة إلى حديث: «ابناي هذان إمامان»..(49) وغير ذلك..

وبعبارة أخرى: إن التعبير الوارد لم يكن إن معاوية قد جعل لهما الأمر من بعده لكي يرد احتمال أن يكون قد جعل لهما ما هو حق له.

بل التعبير هو: «إن الأمر بعد معاوية للحسن ثم للحسين» أي أنه قد جاء بصيغة التقرير لحقيقة راهنة، واعتراف بأمر واقع، لا ينفي أن يكون هذا الأمر مجعولاً لهما عليهما السلام من قبل الله، ورسوله، ومعاوية يعترف ويقر بذلك..

ولو أغمضنا النظر أيضاً عن ذلك، وقبلنا باحتمال هو أوهى وأسخف من الاحتمال الذي ذكرناه في الشرط السابق، وهو أن يكون قد أعطاهما ما هو حق له أيضاً، فيصح له التراجع عن هذا العطاء إذا رأى المصلحة في التراجع، فيأتي دور الشرط الآخر لينفي صحة هذا الاحتمال وليؤكد بواره، ويقول:

4 ـ وليس لمعاوية أن يعهد لأحد من بعده.

فهذا الشرط قد بين أن لا حق لمعاوية في هذا الأمر أصلاً.. وهو يدل على أمرين:

أحدهما: أن جعل الأمر من بعده للحسن ثم للحسين، لم يكن من قِبَلِ معاوية، لأنه لا يحق له ذلك..

وهذا يدل على أن ذكر ذلك في وثيقة الهدنة والصلح، قد جاء على سبيل الاعتراف والتقرير لحقيقة ليس لمعاوية فيها حيلة، ولا يملك إلى دفعها سبيلاً..

الثاني: أنه حين نكث معاوية بعهده هذا، وعَهِدَ إلى ولده يزيد لعنه الله، فإنما فعل أمراً قد اعترف هو بعدم مشروعيته، لأنه صدر عمن ليس له الحق في أن يفعله..

والذي يؤكد هذه الحقيقة: أن التعبير في وثيقة العهد هو: «ليس له أن يعهد لأحد..» ولم يقل: «وأن لا يعهد لأحد».

فإن العبارة الثانية قد يحتمل فيها أن يكون قد تعهد بأن لا يفعل ذلك تفضلاً منه، وكرماً..

ولكن العبارة الأولى لا يحتمل فيها ذلك أصلاً..

ولنفترض محالاً، أنه قد جعل ذلك تكرماً منه وتفضلاً وسماحة، ومن خلال سجاحة خلقه!! وسعة صدره!! وحلمه!!.. فإن الشرط التالي يبطل هذا الاحتمال الهجين بنفسه، ويجعله أكثر هجنة، وأشد قباحة. حيث يشترط:

5 ـ أن لا يقيم الحسن عليه السلام عند معاوية شهادة..

ولبيان ذلك نقول:

إن هذا الشرط ليس فقط قد جعل معاوية في موقع الغاصب لمقام لا حق له فيه، وهو مقام خلافة النبوة، وإنما هو بمثابة الدليل القاطع على أنه ليس لمعاوية ولا لبني أمية في هذا الأمر من نصيب وذلك لأنه قد أظهر أن معاوية يفقد أدنى شرائط التصدي لمثل هذا المقام الخطير..

وغني عن القول: أنه لم يكن ليخطر على بال أحد أن يدرج الإمام عليه السلام في صلح بهذه الخطورة، يراد منه حفظ دماء الناس، ويمس مستقبل ومصير الأمة وبه يكون حفظ الدين كله.. فإنه قد لا يحتاج عليه السلام إلى إقامة هذه الشهادة، ولو مرة واحدة في عمره كله، وقد تكون شهادة على حق إنسان في فرس، أو شاة، أو على لطمة، أو نحو ذلك..

فإذا أخذنا هذا البند بنظر الاعتبار، فسنجد أنه يبطل كل ما يدعيه معاوية لنفسه من مقامات، ويبطل معه كل شرعية للحكم الأموي الذي يرتكز إليه في مشروعيته إلى مشروعية..

إنه يبطل ذلك بشكل استدلالي، يبين فيه فقدان معاوية للمؤهلات الأساسية التي تفيد في توهم أن له حقاً في ذلك..

فإذا أقر معاوية على نفسه بفقده لها، فإن ذلك يوفر على أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم الكثير من الجهد، لإقناع الناس، الذين تغرهم المظاهر، وتؤثر عليهم الدعاوى العريضة، فإن وضوح فقدان المؤهلات والمواصفات يمكن أن يفهمه الناس، وأن يدركوا ما يترتب عليه بسهولة، خصوصاً مع إقرار المعني بهذا الأمر بفقدانها بالفعل..

وهكذا كان، فإن معاوية نفسه مؤسس تلك الحكومات قد وقَّع على هذه الوثيقة بمبادرة منه، ومن دون أي إكراه، أو اضطرار، بل هو الذي يختار ذلك، من موضع القوة والاقتدار والإمام الحسن عليه السلام لا حول له ولا قوة يُخاف منها..

وهذا مهم جداً للتأسيس للشأن الديني، والاعتقادي، والسياسي، الذي سوف ترصده الأجيال، وتتوقف ملياً عنده، لتتخذ قرارها فيه..

وبذلك يتم حفظ الحق والحقيقة الواضحة للأجيال الآتية على حالة النقاء والصفاء لا تشوبها أية شائبة، لأن الأباطيل والشبهات سوف تتلاشى، وسوف يساعد نكث معاوية للعهد، وعدم وفائه به على هذا الأمر بما لا مزيد عليه..

وذلك لأن هذا الشرط يعني أحد أمرين، أو كليهما:

أولهما: أن معاوية لا يملك صفة العدالة المشترطة في القاضي، إلى حد أنه يصبح غير مأمون حتى على القضاء، وحتى في مثل هذه الأمور الجزئية والبسيطة. التي تعني أفراداً من الناس..

ومن لا يُؤْمَنُ على مثل هذه الأمور البسيطة، كيف يؤمن على دماء الأمة وأموالها، وأعراضها، وعلى دينها، وأخلاقها، ومستقبلها؟!..

وكيف يكون له مقام رسول الله صلى الله عليه وآله وخلافته، في تعليم الدين، وفي بيان شرائعه، وفي التصدي للشبهات، وحل المعضلات؟!..

والتصدي للقضاء بين الناس، ولقيادة الجيوش، واتخاذ القرارات الخطيرة والحساسة التي تمس مصير الأمة وحياتها ومستقبلها في الصميم..

فضلاً عن أن يتصدى للإجابة على دقائق المسائل الفقهية، والاعتقادية، وغيرها؟!..

وكيف تكون قراراته نافذة في اختيار الإمام، الذي يجلس في مقام الرسول، ويحكم الأمة باسمه صلى الله عليه وآله، لاسيما إذا كان يسوق الأمور باتجاه ولده المعروف بفسقه وفجوره، بعد أن أثبت هو نفسه قبل ولده الذي قتل أئمة الحق، وسفك دماء عشرات الألوف من المسلمين، من أجل الحصول على هذا الأمر، والوصول إليه؟!..

نعم، إنه يريد ليس فقط أن يحتفظ به لنفسه، بل يريد أن يكرسه في ولده يزيد الفاجر المعلن بالفسق والفجور، والقاتل للنفوس المحترمة..

الثاني: أن يكون قد شرط عليه ذلك بسبب جهله بأحكام القضاء. ومن كان جاهلاً حتى بمثل هذه الأمور البسيطة، التي هي من شؤون الحاكم، فهل يكون عالماً بسائر القضايا الحساسة، والمصيرية، والمعقدة، والتي تحتاج إلى المزيد من التعمق في الشريعة، وأحكامها؟!..

وهل يصح تفويضها إليه، وإعطاؤه مقام رسول الله صلى الله عليه وآله، ووظائفه باستثناء الوحي الإلهي.. وهو على هذه الصفة من الجهل بأبسط مسؤوليات النبي صلى الله عليه وآله؟!

وهل يمكن أن يكون الأمين عليها؟! والمصيب في قراراته فيها؟!

ومن كان بهذا المستوى من الجهل، أو عدم الأمانة وقلة الدين كيف يمكن أن يفي بتعهداته بأن يعمل بالكتاب والسنة؟!

وبعد، فإنه إذا كان يمكن أن يدّعي أحد ولو على سبيل المكابرة: أن معاوية قد أعطى الإمام الحسن عليه السلام ما هو حق له في الشرط الأول والثاني والثالث حسبما أوضحناه، وأن ذلك قد كان منه، وفي تلك وسواهما تكرماً وتفضلاً، فإنه لا يتصور ذلك في موضوع اشتراط عدم إقامة الشهادة عنده، لأن ذلك لا يدخل في دائرة التنازل، والسماحة والتكرم، بل هو يمثل القبول بالإهانة والانتقاص لشخصه، من حيث إنه يستبطن الحكم عليه بأنه إما جاهل بأبسط الأحكام، أو أنه بلا دين..

ولكن معاوية قد قبل حتى هذا الشرط، وسجل التاريخ ذلك عليه، وربما كان معتمداً على ما عقد العزم عليه من النكث للعهد، بعد الوصول إلى ما يريد حسبما قلناه..

وبذلك يتضح: أنه عليه السلام قد حفظ الشيعة والمسلمين كلهم، وحفظ التشيع والإسلام كله، وسلب من بني أمية، ومن كل مناوئيه، كل ما يدَّعونه لأنفسهم، وأظهر أنهم طغاة بغاة، يريدون التوسل بالباطل إلى طمس الحق، وإزالة معالمه..

ثم هناك شروط أخرى، كلها تصب في هذا الاتجاه، مثل اشتراطه:

6 ـ أن يجعل للإمام الحسين عليه السلام مليوني درهم في كل عام..

7 ـ أن يكون خراج دارابجرد للإمام الحسن عليه السلام ليفرقها بين يتامى حرب الجمل وصفين، ولم يذكر النهراوان..(50)

ومن شأن هذا الاشتراط: خصوصاً، مع عدم ذكر ايتام النهروان أن يظهر مظلومية أمير المؤمنين عليه السلام في حرب الجمل. ويشير إلى بغي معاوية عليه، وإجرامه في حقه وفي حق الأمة بخروجه عليه في صفين، مما يعني إبطال جهود معاوية للنيل من الإمام علي عليه السلام وإظهار أنه كان ظالماً في حربه له..

وذلك كله يدل دلالة واضحة على: أن بنود الهدنة «الصلح» سواء في ذلك ما ذكرناه منها وشرحناه، أو ما لم نتمكن من شرحه، قد أسقطت شرعية معاوية بصورة مباشرة، وجعلتها ترزح تحت وطأة كل هذه العوامل الناسفة لها..

فهل يمكن بعد هذا كله أن يعطي من لا مشروعية له، مشروعية لغيره؟! ولاسيما لمن كان مثل يزيد لعنه الله؟! الذي كان فسقه وفجوره، وظلمه، كالنار على المنار، وكالشمس في رابعة النهار؟!

لا حق لمعاوية في أن يعهد لأحد:

ونعود فنكرر القول: إنه إذا كان معاوية نفسه قد اعترف بأن الأمر من بعده للحسن ثم للحسين عليهما السلام، وسلب عن نفسه مشروعية كل ما يقدم عليه، حين صرح بأنه ليس له حق بأن يعهد لأحد من بعده، حتى لو مات الإمامان الحسنان عليهما السلام قبله؟!.. وذلك حين قبل بأنه ليس له حق أن يولي أحداً بعده..

فذلك معناه: أن يعترف بأنه لا حق لولده، ولا لغيره في هذا الأمر من بعده.. وأن ما أقدم عليه من جعل الأمر ليزيد لعنه الله هو من السعي الباطل الذي لا يصح ترتيب الأثر عليه في جميع الشرائع والأعراف والإنسانية..

وإذا كانت خلافة يزيد لعنه الله غير شرعية بجميع المقاييس..

أفلا يكون يزيد لعنه الله هو الخارج والباغي على إمام زمانه؟!..

فكيف إذا كان فقدانه للشرعية قد جاء بقرار موقَّعٍ من أبيه؟!.. ولا يحق لأبيه نقض المواثيق؟!.

وكيف إذا كان أبوه متغلباً وغاصباً لنفس هذا الأمر الذي أقر على نفسه بأنه ليس له حق فيه؟!

علماً بأن ذلك الأب لا يملك الشرائط الموضوعية التي تخوله التصدي لأمور كهذه.. ومن الطبيعي أن يكون سعيه لما لا يحق له من السعي الباطل بالسبب الباطل، فإن فاقد الشيء لا يعطيه..

هل بويع يزيد، لعنه الله، حقاً؟!

وقد لفت نظرنا ما ورد في المنشور، من أن يزيد لعنه الله، قد بويع..

ونقول:

إن السؤال هو: كيف يصح القول: إن يزيد لعنه الله قد بويع؟!

مع أنه لا بد من ملاحظة ما يلي:

أولاً: أن البيعة إنما تصح ـ كما يقوله هؤلاء ـ لو كان أهل الحل والعقد هم الذين يقومون بها، فهل بايع أهل الحل والعقد يزيد بن معاوية لعنه الله؟

ولماذا سجل في رسالته لوالي المدينة، فور وفاة أبيه، التأكيد عليه بأن يكره على البيعة جماعة من أهل الشأن، مثل: ابن عمر، وعبد الرحمان بن أبي بكر، وابن الزبير، والإمام الحسين عليه السلام..

ولم يكن أهل المدينة، فضلاً عن أهل الحجاز، وفضلاً عن أهل العراق، قد بايعوه بعد، بل إن أهل العراق قد كتبوا للإمام الحسين عليه السلام معلنين بأنهم ليس عليهم إمام، وأنهم يحبسون أنفسهم على الإمام الحسين عليه السلام، ولم يبايعوا أحداً بعد..(51)

ثانياً: قال الشبراوي الشافعي: وهو يتحدث عن الغزالي، وابن العربي: «فإن كلاهما قد بالغ في تحريم سبه، ولعنه..

لكن كلاهما مردود، لأنه مبني على صحة بيعة يزيد لعنه الله لسبقها، والذي عليه المحققون خلاف ما قالاه»..(52)

ثالثاً: ألم يكن الإمام الحسين عليه السلام، وهو بقية النبوة، هو رأس أهل الحل والعقد؟!.

ولم يكن أحد في زمانه يساويه أو يساميه.

فمتى بايع يزيد لعنه الله؟

أو متى رضي ببيعته؟

ومن هم أهل الحل والعقد في الحجاز وفي العراق، الذين بايعوه، أو رضوا ببيعته؟!..

يزيد لعنه الله.. التقي؟!:

إن كاتب هذا المنشور قد ساق الحديث باتجاه ادعاء أن محمد بن الحنفية قال لابن مطيع: إنه قد لزم يزيد لعنه الله، فوجده متحرياً للسنة، غير تارك للصلاة..

ومن الواضح:

أولاً: إن هذا النص مشبوه، بل لا شك في أنه مفتعل، خصوصاً مع شهرة إعلان الإمام الحسين عليه السلام: بأن يزيد بن معاوية [لعنه الله] شارب للخمر، قاتل للنفس المحترمة، معلن بالفسق؟.

ومع إجماع التاريخ على خلاف هذا الذي ينسبونه إلى ابن الحنفية، وصحة وواقعية ما قاله الإمام الحسين عليه السلام عنه..

فلماذا أهمل كاتب المنشور هذا النص المجمع عليه، وكذلك سائر النصوص المتواترة، والتجأ إلى نص مشبوه، تفوح منه رائحة الافتعال والكذب؟!..

ثانياً: إن النص المشار إليه يقول: أن محمد بن علي بن أبي طالب قد لزم يزيد لعنه الله فوجده متحرياً للسنة..

والسؤال هو:

ألف: متى لزم محمد بن علي بن أبي طالب يزيداً لعنه الله؟ وأين؟ وكيف؟.

فإن من المعلوم: أن الحروب قد بدأت بين الإمام علي عليه السلام، ومعاوية قبل ثلاث وعشرين سنة، أي في الوقت الذي كان فيه يزيد لعنه الله في سن الطفولة، وكان عمره إحدى عشرة سنة..

ب: إن التاريخ مجمع على فسق يزيد لعنه الله، وعلى شربه للخمر، وارتكابه للمنكرات، والموبقات، لم يخرج عن هذا الإجماع إلا ثلة من الشذاذ، أرادوا المكابرة، وتكذيب حقائق التاريخ..(53) جهاراً نهاراً..

فهل نكذب هذا الإجماع، ونأخذ بهذه الرواية الأموية، اليزيدية الشاذة؟!

ج: إن قضية ابن مطيع إنما كانت بعد قتل الإمام الحسين عليه السلام، فكيف استساغ محمد بن الحنفية الدفاع عن يزيد لعنه الله، بعد أن فعل بأخيه الإمام الحسين، وسائر أهل البيت وأصحابهم عليهم السلام، في كربلاء ما فعل؟!..

وهل كان يزيد لعنه الله إلى ذلك الوقت لا يزال متحرياً للسنة؟! غير تارك للصلاة؟!..

وحين اضطر ابن الحنفية إلى الذهاب إلى الشام، وحاول يزيد لعنه الله أن يسترضيه، ويكسب تأييده مقابل ابن الزبير، فهل هو قد جعله في قصره، وأحضره مجالس شربه؟!، أم أنه كان يتظاهر بعكس ذلك؟!..

وهل تظاهره له بالدين، بعد كل ما ارتكبه من جرائم وموبقات، يخدع ابن الحنفية بهذه السرعة، وبهذه البساطة؟!..

/ 7