إن الهيمنة على الكرة بأسرها، وتعميم الشريعة للعالم أجمع، يتطلبان الكفاءة والمقدرة اللتين لا تكونان في العادة لبشر مهما كان له من العلم والقدرة، وقوة الفكر والمزاج، وإعتدال الطبايع.
إن الرسالة إصلاح للبشر وتسوية في الحقوق وعدل في الأمة ومن يرتدي هذه الحلة السماوية فلا يعدو أن يكون أهلاً للنهوض بهذه الأعباء الباهضة، وكيف يتبعث الله إنساناً بذلك العبء الثقيل، ولا يجعل فيه تلك القوى الجسيمة.
فلو كانت له السيطرة على أقصى البلاد التي لا تصل رسله إليها إلا بالشهور أو السنين، ولا تصل صرختهم إليه من ولاته ودعاته وجباته إلا بذلك الزمن البعيد، فكيف يكون عدله شاملاً وأمنه مستتباً، وفي يوم فيه عامله جائر وجابيه خائف وقاضيه ظالم، ولا تصله أخبارهم إليه ولا نجدته لهم ولا رفع الظلم عنهم والإنتصاف لهم من اولئك الخونة الجائرين إلا بعد إعلامه بالشأن، وإيقافه على الحال، وهو يتطلب ذلك الأمد الأبعد.