عقائد الإسلامیة جلد 4

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

عقائد الإسلامیة - جلد 4

علی الکورانی؛ مصحح: السید علی السیستانی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید




الفصل الثاني

التوسل الى الله في مصادر السنيين



1 ـ تعليم النبي صلى الله عليه وآله التوسل به الى الله تعالى


روى الترمذي : 5 | 229 برقم 3649 :


حدثنا محمود بن غيلان ، أخبرنا عثمان بن عمر ، أخبرنا شعبة ، عن أبي جعفر ،
عن عمارة بن خزيمة بن ثابت ، عن عثمان بن حنيف : أن رجلاً ضرير البصر أتى النبي
صلى الله عليه وسلم فقال : أدع الله أن يعافيني.

قال : إن شئت دعوت ، وإن شئت صبرت فهو خير لك.

قال : فادعه.

قال فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويدعوه بهذا الدعاء : اللهم إني أسألك
وأتوجه اليك بنبيك محمد نبي الرحمة. يا محمد إني توجهت بك الى ربي في
حاجتي هذه لتقضى لي ، اللهم فشفعه في.

هذا حديث حسن صحيح غريب ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث أبي
جعفر ، وهو غير الخطمي. انتهى.

[290]

ورواه ابن ماجة في : 1 | 441 ، وقال : قال أبو اسحاق هذا حديث صحيح. انتهى.

ورواه أحمد : 4 | 138 ،

بروايتين.


ورواه الحاكم في المستدرك : 1 | 313 ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين
ولم يخرجاه. انتهى.

ورواه في : 1 | 519 ، بسندين آخرين ، وقال بعدهما : هذا حديث صحيح الاسناد ولم
يخرجاه.

ورواه في : 1 | 526 ، وقال : تابعه شبيب بن سعيد الحبطي عن روح بن القاسم زيادات
في المتن والاسناد والقول...

وقال أيضاً : هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه ، وإنما قدمت حديث عون
بن عمارة لأن من رسمنا أن نقدم العالي من الأسانيد.

ورواه الطبراني في كتاب الدعاء | 320 ، وما بعدها بعدة طرق ، وكذا في المعجم الكبير :
9| 31 ، والصغير : 1 | 183 ، وصححه.

ورواه في مجمع الزوائد : 2 | 279 ، وقال :

قلت : روى الترمذي وابن ماجة طرفاً من آخره خالياً عن القصة ، وقد قال الطبراني عقبه :
والحديث صحيح ، بعد ذكر طرقه التي روى بها.

ورواه في كنز العمال : 2 | 181 ، و6 | 521 ( ت ، هـ ، ك ، عن عثمان بن حنيف ). ( حم ت :
حسن صحيح غريب هك وابن السني عن عثمان بن حنيف ) ورواه ابن خزيمة في صحيحه : 2
| 225 وروى الطبراني تطبيق عثمان بن حنيف للحديث بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله كما سيأتي.

وفي السنن الكبرى للنسائي : 6 | 168 :


أخبرنا محمد بن معمر قال ، حدثنا حبان قال ، حدثنا حماد قال ، أخبرنا جعفر عن
عمارة بن خزيمة ، عن عثمان بن حنيف أن رجلاً أعمي أتى النبي صلى الله صلى الله
عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني رجل أعمى ، فادع الله أن يشفيني ، قال بل أدعك ،
قال : أدع الله لي مرتين أو ثلاثاً.

[291]

قال : توضأ ثم صل ركعتين ثم قل : اللهم إني أسألك وأتوجه اليك بنبيي محمد
نبي الرحمة ، يا محمد إني أتوجه بك الى الله أن يقضي حاجتي ، أو حاجتي الى
فلان ، أو حاجتي في كذا وكذا. اللهم شفع في نبيي وشفعني في نفسي. انتهى.

ثم رواه النسائي بروايتين أخريتين.



2 ـ توسل عمر بن الخطاب بالعباس عم النبي صلى الله عليه وآله


روى الحاكم في المستدرك : 3 | 334 :


أخبرنا أبو زكريا يحيى بن محمد العنبري ، ثنا الحسن بن علي بن نصر ، ثنا الزبير بن
بكار ، حدثني ساعدة بن عبيد الله المزني ، عن داود بن عطاء المدني ، عن زيد بن
أسلم ، عن ابن عمر أنه قال : استسقى عمر بن الخطاب عام الرمادة بالعباس بن عبد
المطلب فقال : اللهم هذا عم نبيك العباس نتوجه اليك به فاسقنا ، فما برحوا حتى
سقاهم الله. قال فخطب عمر الناس فقال :

أيها الناس إن رسول الله كان يرى للعباس مايرى الولد لوالده ، يعظمه ويفخمه
ويبر قسمه ، فاقتدوا أيها الناس برسول الله في عمه العباس ، واتخذوه وسيلة الى الله
عز وجل فيما نزل بكم ! انتهى. وروته عامة مصادرهم.



3 ـ توسل الناس في المحشر واستشفاعهم بالنبي صلى الله عليه وآله


روى ذلك البخاري في عدة مواضع ، في صحيحه : 5 | 147 :


عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

يجتمع المؤمنون يوم القيامة فيقولون لو استشفعنا الى ربنا فيأتون آدم فيقولون
أنت أبو الناس خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كل شيء ، فاشفع
لنا عند ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا. فيقول : لست هناكم ، ويذكر ذنبه فيستحي
ائتوا نوحاً فإنه أول رسول بعثه الله الى أهل الأرض ، فيأتونه فيقول لست هناكم...

[292]

ائتوا ابراهيم... ائتوا موسى... ائتوا عيسى... ائتوا محمداً عبداً غفر الله له ماتقدم من
ذنبه وما تأخر ، فيأتوني فأنطلق حتى أستأذن... الخ.

ونحوه بتفاوت في : 7 |203 ، و: 8 | 172 و183 ، وروته عامة مصادرهم.



4 ـ ما ورد عندهم من الدعاء للنبي صلى الله عليه وآله بالوسيلة


قال البخاري في صحيحه : 1 | 152 :


عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من قال حين يسمع
النداء : اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة
وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته.. حلَّت له شفاعتي يوم القيامة.

ورواه البخاري في : 5 | 228 ، وابن ماجة : 1 | 239 ، وأبو داود : 1| 129 ، والنسائي : 2
| 27 ، والترمذي : 1| 136 ، والبيهقي في السنن : 1 | 410 ، والهيثمي في الزوائد : 1 | 333
و : 10 | 112 ، وفي كنز العمال : 2 | 80 و : 7 | 698 و703... وغيرها.

هذه هي صيغة البخاري ، التي لم يرو في صحيحه غيرها ، وهي تريد الايحاء بأن
الدعاء بالوسيلة دعاءٌ مستقل يستحب أن يدعو به المسلمون عند سماع الأذان ، ولا
علاقة لها بصيغة الصلاة على النبي ، ولا علاقة لها بآله !!

وقد تبع البخاري محدثون آخرون كما رأيت ، ثم تبعهم الفقهاء فأفتوا بهذا الدعاء
فصار سنةً للسنيين في عملهم ومساجدهم !

ولكن وردت لهذا الدعاء صيغةٌ أخرى صحيحةٌ عندهم أيضاً ، تقول إن هذا
الدعاء جزءٌ من صيغة الصلاة على النبي التي علمها للمسلمين ، وأمرهم أن يصلوا
على آله معه ، وأن يختموها بالدعاء له بالوسيلة !!

وفي بعضها أن الدعاء بالوسيلة مقدمةٌ للصلاة عليه وآله !

فلماذا صار دعاء الوسيلة عندهم دعاءً مستقلاً للرسول وحده ، بدون آله !!

السبب عندهم : أن الصلاة على آل النبي معه والدعاء لهم معه ، أمرٌ ثقيلٌ على

[293]

الخلافة القرشية ، التي فرضت عليهم العزل السياسي والاجتماعي والاقتصادي ،
لذلك اختار الرواة بدله الدعاء للنبي بالوسيلة ، وجعلوه أمراً مستقلاً خاصاً بالنبي
دون آله ، مماشاةً للخلافة القرشية !!

والطريف أنهم رووه عن جابر بن عبد الله الأنصاري رحمه الله ، المعروف بأحاديثه
القوية في وجوب ولاية أهل البيت عليهم السلام ، حتى أنهم رووا عنه أنه كان في زمن معاوية
يتوكأ على عصاه ويدور في سكك المدينة ويبلغ المسلمين ما قاله النبي صلى الله عليه وآله في
من أبغض عليا وأهل البيت النبوي الطاهرين !

ويلاحظ أن الذي رواه عن جابر عند البخاري هو محمد بن المنكدر ، المبغض
لأهل البيت عليهم السلام !!

ولك أن تقارن بين رواية البخاري ، وبين رواية مسلم وغيره لهذا الدعاء !!

قال مسلم في صحيحه : 2 | 4 :


عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : إذا
سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ، ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاةً صلى الله
عليه بها عشراً ، ثم سلوا الله لي الوسيلة ، فإنها منزلةٌ في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من
عباد الله ، وأرجو أن أكون أنا هو ، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة !

ورواه النسائي : 2 | 25 ، وأبو داود : 1 | 128 ، والترمذي : 5 | 247 ، والبيهقي سننه : 1
| 409 ، والهيثمي في مجمع الزوائد : 1 | 332.

ورواه أحمد : 2 | 167 ، ونحوه في : 2 | 265 ، وقال ( من صلى عليَّ ليس في
البخاري ) !!

وأفتى به النووي في المجموع : 3 | 116 :

وقدمه في تلخيص الحبير : 3 |203 ، على رواية البخاري فقال :


( قوله ) من المحبوبات أن يصلي المؤذن وسامعه على النبي صلى الله عليه
وسلم بعد الأذان ويقول : اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً

[294]

الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة وابعثه المقام المحمود الذي وعدته. أخرجه
مسلم وغيره من حديث عبد الله بن عمرو أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول :
إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ، ثم صلوا عليَّ ، الحديث.

وأخرج البخاري وأصحاب السنن من حديث جابر مرفوعاً من قال حين يسمع
النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة.. الحديث ، لكن ليس فيه والدرجة الرفيعة.
انتهى.

وقال السيوطي في الدر المنثور : 5 | 219 :


وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قلنا يا رسول الله قد عرفنا كيف
السلام عليك ، فكيف نصلي عليك ؟

قال قولوا : اللهم صل على محمد ، وأبلغه درجة الوسيلة من الجنة. اللهم اجعل
في المصطفين محبته ، وفي المقربين مودته ، وفي عليين ذكره وداره ، والسلام عليك
ورحمة الله وبركاته.

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على ابراهيم وعلى آل
ابراهيم ، إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد. انتهى.

فقد نصت هذه الأحاديث الصحيحة عندهم على أن الدعاء له صلى الله عليه وآله بالوسيلة إنما
هو جزءٌ من صيغة الصلاة الشرعية عليه ، صلى الله عليه وعليهم ، فهل يعقل أن يكون
أمر باضافة آله معه في الصلاة عليه ، ثم أفرد نفسه عنهم في الدعاء !!

وبذلك يترحج أن يكون أصل النص النبوي لهذا الدعاء ما روته مصادرنا ، وفيه
ذكر أهل بيته معه ، كما سيأتي.


ماهي الوسيلة التي ورد الدعاء بها للنبي صلى الله عليه وآله ؟

ذكرت بعض المصادر السنية أنها درجةٌ ومنزلةٌ في الجنة ، تكون لشخص واحد
من الخلق ، ولذا طلب من المسلمين أن يدعوا له ليكون هو ذلك الشخص.

[295]

ولكن ذلك يشبه كلام التوراة ، فكأن درجة الوسيلة موضوع قرعة أو مسابقة بين
الأنبياء ولم يعلم صاحبها بعد ! فالرسول لله صلى الله عليه وآله يرجو أمته أن يدعوا له أن تكون له !

قال مسلم في صحيحه : 2 | 4 :


عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : إذا
سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ، ثم صلوا عليَّ فانه من صلى عليَّ صلاة صلى الله
عليه بها عشرآ ، ثم سلوا الله لي الوسيلة ، فإنها منزلة في الجنة لاتنبغي إلا لعبد من
عباد الله ، وأرجو أن أكون أنا هو ، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة ! انتهى.

ورواه أبو داود : 1| 128 ، والترمذي : 5 |247 ، والبيهقي في السنن : 1 | 409 وأحمد :
2 | 167 و168 ، وفي : 2 | 265 و365 ، عن أبي هريرة ، والترمذي : 5 | 46 2 ، عن كعب
عن أبي هريرة. وفي مجمع الزوائد : 1 | 332 ، عن أبي سعيد الخدري ، وأبى هريرة ، وفي كنز
العمال : 2| 79 و134 و : 7 | 698 و700 و : 14| 400 و : 1|489 و494 و497 ، وفردوس
الأخبار : 5 | 147


بينما روت أحاديث أهل البيت عليهم السلام أن أمر الوسيلة مفروغٌ عنه ، وهي أعلى مساكن
الفردوس ، وأنها للنبي وآله ، الى جانب مساكن ابراهيم وآله صلى الله عليهم.

ووافقتها بعض مصادر السنيين :

فقد روى ابن مردويه كما في كنز العمال :

12| 103 و : 13 | 639 :

عن النبي صلى الله عليه وآله قال : في الجنة درجة تدعى الوسيلة ، فإذا سألتم الله فسلوا لي
الوسيلة.

قالوا : يا رسول الله ، من يسكن معك فيها ؟

قال : علي وفاطمة والحسن والحسين. انتهى.

وهذه هي الصيغة المعقولة لحديث الوسيلة والدعاء بها للنبي صلى الله عليه وآله.. ولكن ذلك
ليس في مصلحة الخلافة القرشية !! ولذا تركوا هذه الصيغة ورووا غيرها !!

[296]



أحاديث تفسر الوسيلة في مصادرنا


قال الصدوق في معاني الأخبار | 116 :


116 ـ حدثنا أبي رضي الله عنه قال : حدثنا سعد بن عبدالله قال : حدثنا أحمد بن محمد
بن عيسى قال : حدثنا العباس بن معروف ، عن عبدالله بن المغيرة قال : حدثنا
أبوحفص العبدي قال : حدثنا أبو هارون العبدي ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال
رسول الله صلى الله عليه وآله : إذا سألتم الله لي فسلوه الوسيلة.

فسألنا النبي صلى الله عليه وآله عن الوسيلة ؟

فقال : هي درجتي في الجنة ، وهي ألف مرقاة ، ما بين المرقاة الى المرقاة حضر
الفرس الجواد شهراً ، وهي ما بين مرقاة جوهر الى مرقاة زبرجد ، الى مرقاة ياقوت ،
الى مرقاة ذهب ، الى مرقاة فضة.

فيؤتى بها يوم القيامة حتى تنصب مع درجة النبيين ، فهي في درجة النبيين كالقمر
بين الكواكب ، فلا يبقى يومئذ نبي ولا صديق ولا شهيد إلا قال طوبى لمن كانت هذه
الدرجة درجته. فيأتي النداء من عند الله عز وجل يسمع النبيين وجميع الخلق : هذه
درجة محمد.

فأقبل أنا يومئذ متزراً بريطة من نور ، عليّ تاج الملك ، واكليل الكرامة ، وعلي بن أبي
طالب أمامي ، وبيده لوائي وهو لواء الحمد ، مكتوب عليه ( لا الَه إلا الله ، المفلحون هم
الفائزون بالله ). فإذا مررنا بالنبيين قالوا : هذان ملكان مقربان لم نعرفهما ولم نرهما. وإذا
مررنا بالملائكة قالوا : نبيين مرسلين ، حتى أعلو الدرجة وعلي يتبعني ، حتى إذا صرت
في أعلى درجة منها وعلي أسفل مني بدرجة ، فلا يبقى يومئذ نبي ولا صديق ولا شهيد
إلا قال : طوبى لهذين العبدين ما أكرمهما على الله تعالى !

فيأتي النداء من قبل الله عز وجل يسمع النبيين والصديقين والشهداء والمؤمنين :
هذا حبيبي محمد وهذا وليي علي ، طوبى لمن أحبه ، وويل لمن أبغضه وكذب عليه
. فلا يبقى يومئذ أحدٌ أحبك يا علي إلا استروح الى هذا الكلام ، وابياضَّ وجهه

[297]

وفرح قلبه ، ولا يبقى أحدٌ ممن عاداك أو نصب لك حرباً أوجحد لك حقاً ، إلا اسود
وجهه واضطربت قدماه.

فبينا أنا كذلك إذا ملكان قد أقبلا إليّ ، أما أحدهما فرضوان خازن الجنة ، وأما
الآخر فمالك خازن النار ، فيدنو رضوان فيقول : السلام عليك يا أحمد.

فأقول : السلام عليك أيها الملك ، من أنت ؟ فما أحسن وجهك الطيب وأطيب
ريحك !

فيقول : أنا رضوان خازن الجنة ، وهذه مفاتيح الجنة بعث بها اليك رب العزة
فخذها يا أحمد.

فأقول : قد قبلت ذلك من ربي ، فله الحمد على ما فضلني به ، ادفعها الى أخي
علي بن أبي طالب ، فيدفع الى علي.

ثم يرجع رضوان فيدنو مالك فيقول : السلام عليك يا أحمد.

فأقول : عليك السلام أيها الملك ، فما أقبح وجهك وأنكر رؤيتك ، من أنت ؟!

فيقول : أنا مالك خازن النار ، وهذه مقاليد النار بعث بها اليك رب العزة فخذها يا
أحمد.

فأقول : قد قبلت ذلك من ربي ، فله الحمد على ما فضلني به ، ادفعها الى أخي
علي بن أبي طالب ، فيدفعها اليه ثم يرجع مالك.

فيقبل علي ومعه مفاتيح الجنة ومقاليد النار ، حتى يقف بحجزة جهنم وقد تطاير
شررها وعلا زفيرها واشتد حرها ، وعلي آخذٌ بزمامها فيقول له جهنم : جزني يا علي
فقد أطفأ نورك لهبي ، فيقول لها علي : قري يا جهنم : خذي هذا واتركي هذا ! خذي
عدوي واتركي وليي.

فَلَجهنم يومئذٍ أشد مطاوعة لعلي من غلام أحدكم لصاحبه ، فإن شاء يذهبها يمنة
، وإن شاء يذهبها يسرة ، ولجهنم يومئذٍ أشد مطاوعة لعلي فيما يأمرها به من جميع
الخلائق. انتهى.

[298]

ورواه في روضة الواعظين | 113 ، وبشارة المصطفى | 21 ، وتفسير القمي : 2 | 324 ،

وفي آخره ( وذلك أن علياً يومئذٍ قسيم الجنة والنار )

وفي بصائر الدرجات | 416 :



خطبة الوسيلة من كتاب الكافي

روى الكليني رحمه الله خطبة عظيمة خطبها أمير المؤمنين عليه السلام ، تسمى خطبة الوسيلة
، تتضمن تفصيلات عن درجة الوسيلة في الجنة لمحمد وآله صلى الله عليه وعليهم.

ونظراً لأهميتها وفوائدها أوردنا منها أكثر من محل الشاهد.

قال رحمه الله في الكافي : 8 | 18 :


خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام ، وهي خطبة الوسيلة :

محمد بن علي بن معمر ، عن محمد بن علي بن عكاية التميمي ، عن الحسين بن
النضر الفهري ، عن أبي عمرو الأوزاعي ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر بن يزيد قال :
دخلت على أبي جعفر فقلت : يا بن رسول الله قد أرمضني اختلاف الشيعة في
مذاهبها !

فقال : يا جابر ألم أقفك على معنى اختلافهم من أين اختلفوا ، ومن أي جهة
تفرقوا ؟ قلت : بلى يا ابن رسول الله.

قال : فلا تختلف إذا اختلفوا يا جابر ، إن الجاحد لصاحب الزمان كالجاحد لرسول
الله صلى الله عليه وآله في أيامه ، يا جابر إسمع وع.

قلت : إذا شئت.

قال : اسمع وع وبلغ حيث انتهت بك راحلتك : إن أمير المؤمنين خطب الناس
بالمدينة بعد سبعة أيام من وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله ، وذلك حين فرغ من جمع القرآن ،
وتأليفه فقال :

الحمد لله الذي منع الأوهام أن تنال إلا وجوده ، وحجب العقول أن تتخيل ذاته ،
لامتناعها من الشبه والتشاكل ، بل هو الذي لا يتفاوت في ذاته ، ولا يتبعض بتجزئة

[299]

العدد في كماله ، فارق الأشياء لا على اختلاف الأماكن ، ويكون فيها لا على وجه
الممازجة ، وعلمها لا بأداة ، لا يكون العلم إلا بها ، وليس بينه وبين معلومه علمٌ غيره
به كان عالماً بمعلومه.

إن قيل كانَ ، فعلى تأويل أزلية الوجود ، وإن قيل لم يزل ، فعلى تأويل نفي العدم.

فسبحانه وتعالى عن قول من عبد سواه ، واتخذ إلَها غيره علواً كبيرا.

نحمده بالحمد الذي ارتضاه من خلقه ، وأوجب قبوله على نفسه ، وأشهد أن لا الَه
إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، شهادتان ترفعان القول
وتضاعفان العمل ، خف ميزان ترفعان منه ، وثقل ميزان توضعان فيه ، وبهما الفوز
بالجنة والنجاة من النار ، والجواز على الصراط ، وبالشهادة تدخلون الجنة وبالصلاة
تنالون الرحمة.

أكثروا من الصلاة على نبيكم : إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين
آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما.

أيها الناس : إنه لا شرف أعلى من الإسلام ، ولا كرم أعز من التقوى ، ولا معقل
أحرز من الورع ، ولا شفيع أنجع من التوبة ، ولا لباس أجمل من العافية ، ولا وقاية أمنع
من السلامة ، ولا مال أذهب بالفاقة من الرضى بالقناعة ، ولا كنز أغنى من القنوع ومن
أقتصر على بلغة الكفاف فقد انتظم الراحة ، وتبوء خفض الدعة.

والرغبة مفتاح التعب ، والاحتكار مطية النصب ، والحسد آفة الدين ، والحرص داع
الى التقحم في الذنوب ، وهو داع للحرمان ، والبغي سائق الى الحين ، والشره جامع
لمساوي العيوب.

رب طمع خائب وأمل كاذب ، ورجاء يؤدي الى الحرمان ، وتجارة تؤول الى
الخسران.

ألا ومن تورط في الأمور غير ناظر في العواقب ، فقد تعرض لمفضحات النوائب ،
وبئست القلادة قلادة الذنب للمؤمن.

[300]

أيها الناس : إنه لا كنز أنفع من العلم ، ولا عز أرفع من الحلم ، ولا حسب أبلغ من
الأدب ، ولا نصب أوضع من الغضب ، ولا جمال أزين من العقل ، ولا سوءة أسوأ من
الكذ ب ، ولا حافظ أحفظ من الصمت ، ولا غائب أقرب من الموت.

أيها الناس : إنه من نظر في عيب نفسه اشتغل عن عيب غيره ، ومن رضي برزق
الله لم يأسف على ما في يد غيره ، ومن سل سيف البغي قتل به ، ومن حفر لأخيه بئراً
وقع فيها ، ومن هتك حجاب غيره انكشفت عورات بيته ، ومن نسي زلته استعظم زلل
غيره ، ومن أعجب برأيه ضل ، ومن استغنى بعقله زل ، ومن تكبر على الناس ذل ،
ومن سفه على الناس شتم ، ومن خالط الأنذال حقر ، ومن حمل ما لا يطيق عجز.

أيها الناس : إنه لا مال أعود من العقل ، ولا فقر أشد من الجهل ، ولا واعظ أبلغ من
النصح ، ولا عقل كالتدبير ، ولا عبادة كالتفكر ، ولا مظاهرة أوثق من المشاورة ، ولا
وحشة أشد من العجب ، ولا ورع كالكف عن المحارم ، ولا حلم كالصبر والصمت.

أيها الناس : في الانسان عشر خصال يظهرها لسانه : شاهدٌ يخبر عن الضمير ،
حاكمٌ يفصل بين الخطاب ، وناطقٌ يرد به الجواب ، وشافعٌ يدرك به الحاجة ، وواصفٌ
يعرف به الأشياء ، وأميرٌ يأمر بالحسن ، وواعظٌ ينهى عن القبيح ، ومعزٌ تسكن به
الأحزان ، وحاضرٌ تجلى به الضغائن ، ومونقٌ تلتذ به الأسماع.

أيها الناس : إنه لا خير في الصمت عن الحكم ، كما أنه لا خير في القول بالجهل.
واعلموا أيها الناس إنه من لم يملك لسانه يندم ، ومن لا يعلم يجهل ، ومن لا يتحلم لا
يحلم ، ومن لا يرتدع لا يعقل ، ومن لا يعقل يهن ، ومن يهن لا يوقر ، ومن لا يوقر يتوبخ
، ومن يكتسب مالاً من غير حقه يصرفه في غير أجره ، ومن لا يدع وهو محمود يدع
وهو مذموم ، ومن لم يعط قاعداً منع قائماً ، ومن يطلب العز بغير حق يذل ، ومن
يغلب بالجور يغلب ، ومن عاند الحق لزمه الوهن ، ومن تفقه وقر ، ومن تكبر حقر ،
ومن لا يحسن لا يحمد.

[301]

أيها الناس : إن المنية قبل الدنية ، والتجلد قبل التبلد ، والحساب قبل العقاب
والقبر خير من الفقر ، وغض البصر خير من كثير من النظر ، والدهر يومٌ لك ويوم عليك
، فإذا كان لك فلا تبطر ، وإذا كان عليك فاصبر ، فبكليهما تمتحن.

أيها الناس : أعجب ما في الانسان قلبه ، وله موادُّ من الحكمة ، وأضدادٌ من خلافها
، فإن سنح له الرجاء أذله الطمع ، وإن هاج به الطمع أهلكه الحرص ، وإن ملكه اليأس
قتله الأسف ، وإن عرض له الغضب اشتد به الغيظ ، وإن أسعد بالرضى نسي التحفظ ،
وإن ناله الخوف شغله الحذر ، وإن اتسع له الأمن استلبته الغرة ، وإن جددت له نعمة
أخذته العزة ، وإن أفاد مالا أطغاه الغنى ، وإن عضته فاقة شغله البلاء وإن أصابته
مصيبة فضحه الجزع ، وإن أجهده الجوع قعد به الضعف ، وإن أفرط في الشبع كظته
البطنة.. فكل تقصير به مضر ، وكل إفراط له مفسد.

أيها الناس : إنه من فل ذل ، ومن جاد ساد ، ومن كثر ماله رأس ، ومن كثر حلمه نبل
، ومن أفكر في ذات الله تزندق ، ومن أكثر من شيء عرف به ، ومن كثر مزاحه استخف
به ، ومن كثر ضحكه ذهبت هيبته ، فسد حسب من ليس له أدب ، إن أفضل الفعال
صيانة العرض بالمال ، ليس من جالس الجاهل بذي معقول ، من جالس الجاهل
فليستعد لقيل وقال ، لن ينجو من الموت غني بماله ولا فقير لإقلاله.

أيها الناس : لو أن الموت يشترى لاشتراه من أهل الدنيا الكريم الأبلج ، واللئيم
الملهوج.

أيها الناس : إن للقلوب شواهد تجري الأنفس عن مدرجة أهل التفريط وفطنة
الفهم. للمواعظ ما يدعو النفس الى الحذر من الخطر ، وللقلوب خواطر للهوى ،
والعقول تزجر وتنهى ، وفي التجارب علم مستأنف ، والاعتبار يقود الى الرشاد ،
وكفاك أدباً لنفسك ما تكرهه لغيرك ، وعليك لأخيك المؤمن مثل الذي لك عليه ، لقد
خاطر من استغنى برأيه ، والتدبر قبل العمل ، فإنه يؤمنك من الندم ، ومن استقبل
وجوه الآراء عرف مواقع الخطأ ، ومن أمسك عن الفضول عدلت رأيه العقول ، ومن

[302]

حصن شهوته فقد صان قدره ، ومن أمسك لسانه أمنه قومه ونال حاجته ، وفي تقلب
الأحوال علم جواهر الرجال ، والأيام توضح لك السرائر الكامنة ، وليس في البرق
الخاطف مستمتع لمن يخوض في الظلمة ، ومن عرف بالحكمة لحظته العيون بالوقار
والهيبة ، وأشرف الغنى ترك المنى ، والصبر جنة من الفاقة ، والحرص علامة الفقر ،
والبخل جلباب المسكنة ، والمودة قرابة مستفادة ، ووصول معدم خير من جاف مكثر
، والموعظة كهف لمن وعاها ، ومن أطلق طرفه كثر أسفه ، وقد أوجب الدهر شكره
على من نال سؤله ، وقل ما ينصفك اللسان في نشر قبيح أو إحسان ، ومن ضاق خلقه
مله أهله ، ومن نال استطال ، وقل ما تصدقك الأمنية ، والتواضع يكسوك المهابة ، وفي
سعة الأخلاق كنوز الأرزاق.

كم من عاكف على ذنبه في آخر أيام عمره ، ومن كساه الحياء ثوبه خفي على
الناس عيبه ، وانح القصد من القول فإن من تحرى القصد خفت عليه المؤن ، وفي
خلاف النفس رشدك ، من عرف الأيام لم يغفل عن الاستعداد.

ألا وإن مع كل جرعة شرقاً وإن في كل أكلة غصصاً ، لا تنال نعمة إلا بزوال أخرى
ولكل ذي رمق قوت ، ولكل حبة آكل ، وأنت قوت الموت.

أعلموا أيها الناس أنه من مشى على وجه الأرض فإنه يصير الى بطنها ، والليل
والنهار يتنازعان في هدم الأعمار.

يا أيها الناس : كفر النعمة لؤم ، وصحبة الجاهل شؤم ، إن من الكرم لين الكلام ومن
العبادة إظهار اللسان وإفشاء السلام. إياك والخديعة فإنها من خلق اللئيم ، ليس كل
طالب يصيب ، ولا كل غائب يؤوب. لا ترغب فيمن زهد فيك. رب بعيد هو أقرب
من قريب. سل عن الرفيق قبل الطريق ، وعن الجار قبل الدار.

ألا ومن أسرع في المسير أدركه المقيل. أستر عورة أخيك كما تعلمها فيك. اغتفر
زلة صديقك ليوم يركبك عدوك.

من غضب على من لا يقدر على ضره ، طال حزنه وعذب نفسه. من خاف ربه

[303]

كف ظلمه ، ومن لم يزغ في كلامه أظهر فخره ، ومن لم يعرف الخير من الشر فهو
بمنزلة البهيمة.

إن من الفساد إضاعة الزاد. ما أصغر المصيبة مع عظم الفاقة غداً هيهات هيهات.
وما تناكرتم إلا لما فيكم من المعاصي والذنوب ، فما أقرب الراحة من التعب والبؤس
من النعيم ، وما شرٌ بشر بعده الجنة ، وما خيرٌ بخير بعده النار. كل نعيم دون الجنة
محقور ، وكل بلاء دون النار عافية ، وعند تصحيح الضمائر تبدو الكبائر.

تصفية العمل أشد من العمل ، وتخليص النية من الفساد أشد على العاملين من
طول الجهاد. هيهات لو لا التقى لكنت أدهى العرب.

**

أيها الناس : إن الله تعالى وعد نبيه محمداً صلى الله عليه وآله الوسيلة ووعده الحق ، ولن يخلف
الله وعده.

ألا وإن الوسيلة على درج الجنة وذروةُ ذوائب الزلفة ، ونهاية غاية الأمنية ، لها ألف
مرقاة ، ما بين المرقاة الى المرقاة حضر الفرس الجواد مائة عام. وما بين مرقاة درة الى
مرقاة جوهرة ، الى مرقاة زبرجدة ، الى مرقاة لؤلؤة ، الى مرقاة ياقوته ، الى مرقاة زمردة ،
الى مرقاة مرجانة ، الى مرقاة كافور ، الى مرقاة عنبر ، الى مرقاة يلنجوج ، الى مرقاة
ذهب ، الى مرقاة غمام ، الى مرقاة هواء ، الى مرقاة نور !!

قد أنافت على كل الجنان ، ورسول الله صلى الله عليه وآله يومئذ قاعدٌ عليها ، مرتد بريطتين ،
ريطة من رحمة الله وريطة من نور الله ، عليه تاج النبوة واكليل الرسالة ، قد أشرق بنوره
الموقف ، وأنا يومئذ على الدرجة الرفيعة وهي دون درجته ، وعليَّ ريطتان ، ريطة من
أرجوان النور ، وريطة من كافور.

والرسل والأنبياء ، قد وقفوا على المراقي ، وأعلام الأزمنة وحجج الدهور ، عن
أيماننا وقد تجللهم حلل النور والكرامة ، لا يرانا ملكٌ مقربٌ ولا نبي مرسل إلا بهت
بأنوارنا وعجب من ضيائنا وجلالتنا.

[304]

وعن يمين الوسيلة عن يمين الرسول صلى الله عليه وآله غمامةٌ بسطة البصر ، يأتي منها النداء :

يا أهل الموقف طوبى لمن أحب الوصي وآمن بالنبي الاٌمي العربي ، ومن كفر
فالنار موعده !

وعن يسار الوسيلة عن يسار الرسول صلى الله عليه وآله ظلةٌ يأتي منها النداء :

يا أهل الموقف طوبى لمن أحب الوصي وآمن بالنبي الأمي ، والذي له الملك
الأعلى لا فاز أحد ولا نال الروح والجنة إلا من لقي خالقه بالاخلاص لهما والاقتداء
بنجومهما. فأيقنوا يا أهل ولاية الله ببياض وجوهكم ، وشرف مقعدكم ، وكرم مآبكم
وبفوزكم اليوم على سرر متقابلين. ويا أهل الانحراف والصدود عن الله عز ذكره
ورسوله وصراطه وأعلام الأزمنة ، أيقنوا بسواد وجوهكم وغضب ربكم جزاءً بما
كنتم تعملون.

وما من رسول خلفَ ولا نبي مضى إلا وقد كان مخبراً أمته بالمرسل الوارد من
بعده ، ومبشراً برسول الله صلى الله عليه وآله ، وموصياً قومه باتباعه ومحله عند قومه ، ليعرفوه
بصفته وليتبعوه على شريعته ، ولئلا يضلوا فيه من بعده ، فيكون من هلك أو ضل بعد
وقوع الاعذار والانذار عن بينة وتعيين حجة ، فكانت الأمم في رجاء من الرسل
وورود من الأنبياء.

ولئن أصيبت بفقد نبي بعد نبي ، على عظم مصائبهم وفجائعها بهم فقد كانت
على سعة من الأمل ، ولا مصيبة عظمت ولا رزية جلت كالمصيبة برسول الله صلى الله عليه وآله ،
لأن الله ختم به الانذار والاعذار ، وقطع به الاحتجاج والعذر بينه وبين خلقه ، وجعله
بابه الذي بينه وبين عباده ، ومهيمنه الذي لا يقبل إلا به ، ولا قربة اليه إلا بطاعته ، وقال
: في محكم كتابه : من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم
حفيظا. فقرن طاعته بطاعته ، ومعصيته بمعصيته ، فكان ذلك دليلاً على ما فوض اليه
، وشاهداً له على من اتبعه وعصاه ، وبين ذلك في غير موضع من الكتاب العظيم
فقال تبارك وتعالى في التحريض على اتباعه ، والترغيب في تصديقه والقبول لدعوته
: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم.

[305]

فاتباعه صلى الله عليه وآله محبة الله ، ورضاه غفران الذنوب ، وكمال الفوز ، ووجوب الجنة.

وفي التولي عنه والاعراض محادة الله وغضبه وسخطه ، والبعد منه مسكن النار
وذلك قوله : ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده ، يعني الجحود به والعصيان له.
فإن الله تبارك اسمه امتحن بي عباده ، وقتل بيدي أضداده ، وأفنى بسيفي جحاده ،
وجعلني زلفة للمؤمنين ، وحياض موت على الجبارين ، وسيفه على المجرمين ، وشد
بي أزر رسوله ، وأكرمنى بنصره ، وشرفني بعلمه ، وحباني بأحكامه ، واختصني
بوصيته ، واصطفاني بخلافته في أمته ، فقال صلى الله عليه وآله وقد حشد المهاجرون والأنصار
وانغصت بهم المحافل : أيها الناس إن علياً مني كهارون من موسى إلا أنه لا نبي
بعدي ، فعقل المؤمنون عن الله نطق الرسول ، إذ عرفوني أني لست بأخيه لأبيه وأمه ،
كما كان هارون أخا موسى لأبيه وأمه ، ولا كنت نبياً فاقتضى نبوة ، ولكن كان ذلك منه
استخلافاً لي ، كما استخلف موسى هارون ، حيث يقول : أخلفني في قومي وأصلح ،
ولا تتبع سبيل المفسدين ، وقوله صلى الله عليه وآله حين تكلمت طائفة فقالت : نحن موالي رسول
الله ، فخرج رسول الله الى حجة الوادع ، ثم صار الى غدير خم فأمر فأصلح له شبه
المنبر ، ثم علاه وأخذ بعضدي حتى رئي بياض إبطيه رافعاً صوته قائلاً في محفله :
من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.

فكانت على ولايتي ولاية الله ، وعلى عداوتي عداوة الله. وأنزل الله عز وجل في
ذلك اليوم : اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام
دينا. فكانت ولايتي كمال الدين ورضا الرب جل ذكره ، وأنزل الله تبارك وتعالى
اختصاصاً لي وتكرماً نحلنيه ، وإعظاماً وتفضيلاً من رسول الله صلى الله عليه وآله منحنيه ، وهو قوله
تعالى منحنيه وهو قوله تعالى : ثم ردوا الى الله موليهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع
الحاسبين. في مناقب لو ذكرتها لعظم بها الارتفاع فطال لها الاستماع.

ولئن تقمصها دوني...

إن القوم لم يزالوا عباد أصنام وسدنة أوثان ، يقيمون لها المناسك ، وينصبون لها
العتائر ، ويتخذون لها القربان ، ويجعلون لها البحيرة والوصيلة والسائبة والحام ،

[306]

ويستقسمون بالأزلام ، عامهين عن الله عز ذكره ، حائرين عن الرشاد ، مهطعين الى
العباد ، وقد استحوذ عليهم الشيطان ، وغمرتهم سوداء الجاهلية ، ورضعوها جهالة
وانفطموها ضلالة ، فأخرجنا الله اليهم رحمة وأطلعنا عليهم رأفة ، وأسفر بنا عن
الحجب نوراً لمن اقتبسه ، وفضلاً لمن اتبعه ، وتأييداً لمن صدقه ، فتبوؤوا العز بعد
الذلة ، والكثرة بعد القلة ، وهابتهم القلوب والأبصار ، وأذعنت لهم الجبابرة وطوائفها
وصاروا أهل نعمة مذكورة ، وكرامة ميسورة ، وأمن بعد خوف ، وجمع بعد كوف ،
وأضاءت بنا مفاخر معد بن عدنان ، وأولجناهم باب الهدى ، وأدخلناهم دار السلام
وأشملناهم ثوب الايمان ، وفلجوا بنا في العالمين ، وأبدت لهم أيام الرسول آثار
الصالحين ، من حام مجاهد ، ومصل قانت ، ومعتكف زاهد ، يظهرون الأمانة ، ويأتون
المثابة.

حتى إذا دعا الله عز وجل نبيه ورفعه اليه ، لم يك ذلك بعده إلا كلمحة من خفقة ،
أو وميض من برقة ، الى أن رجعوا على الأعقاب ، وانتكصوا على الأدبار ، وطلبوا
بالأوتار ، وأظهروا الكتائب ، وردموا الباب ، وفلوا الديار ، وغيروا آثار رسول الله ،
ورغبوا عن أحكامه ، وبعدوا من أنواره ، واستبدلوا بمستخلفه بديلا ، اتخذوه وكانوا
ظالمين ، وزعموا أن من اختاروا من آل أبي قحافة أولى بمقام رسول الله ممن اختار
رسول الله لمقامه ، وأن مهاجر آل أبي قحافة خيرٌ من المهاجري والأنصاري الرباني
ناموس هاشم بن عبد مناف.

ألا وإن أول شهادة زور وقعت في الإسلام شهادتهم أن صاحبهم مستخلف رسول
الله صلى الله عليه وآله ، فلما كان من أمر سعد بن عبادة ما كان ، رجعوا عن ذلك وقالوا : إن رسول الله
صلى الله عليه وآله مضى ولم يستخلف ، فكان رسول الله الطيب المبارك أول مشهود عليه بالزور في
الإسلام ، وعن قليل يجدون غب ما أسسه الأولون.

ولئن كانوا في مندوحة من المهل ، وشفاء من الأجل وسعة من المنقلب ،
واستدراج من الغرور ، وسكون من الحال ، وإدراك من الأمل ، فقد أمهل الله عز وجل
شداد بن عاد ، وثمود بن عبود ، وبلعم بن باعور ، وأسبغ عليهم نعمه ظاهرة وباطنة ،

[307]

وأمدهم بالأموال والأعمار ، وأتتهم الأرض ببركاتها ليذكروا آلاء الله ، وليعرفوا الاهابة
له ، والانابة اليه ، ولينتهوا عن الاستكبار ، فلما بلغوا المدة ، واستتموا الأكلة أخذهم الله
عز وجل واصطلمهم ، فمنهم من حصب ، ومنهم من أخذته الصيحة ، ومنهم من
أحرقته الظلة ، ومنهم من أودته الرجفة ، ومنهم من أردته الخسفة : وما كان الله
ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون.

ألا وإن لكل أجل كتاباً ، فاذا بلغ الكتاب أجله لو كشف لك عما هوى اليه الظالمون ،
وآل اليه الأخسرون ، لهربت الى الله عز وجل مما هم عليه مقيمون ، واليه صائرون.

ألا وإني فيكم أيها الناس كهارون في آل فرعون ، وكباب حطة في بني إسرائيل ،
وكسفينة نوح في قوم نوح. إني النبأ العظيم ، والصديق الأكبر ، وعن قليل ستعلمون ما
توعدون وهل هي إلا كلعقة الآكل ومذقة الشارب ، وخفقة الوسنان ، ثم تلزمهم المعرات
خزياً في الدنيا ، ويوم القيامة يردون الى أشد العذاب ، وما الله بغافل عما يعملون.

فما جزاء من تنكب محجته ، وأنكر حجته ، وخالف هداته ، وحاد عن نوره ، واقتحم
في ظلمه ، واستبدل بالماء السراب ، وبالنعيم العذاب ، وبالفوز الشقاء ، وبالسراء الضراء ،
وبالسعة الضنك ، إلا جزاء اقترافه وسوء خلافه ، فليوقنوا بالوعد على حقيقته ،
وليستيقنوا بما يوعدون : يوم تأتي الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج. إنا نحن نحيي
ونميت والينا المصير. يوم تشقق الأرض عنهم سراعاً...الى آخر السورة.



العلاقة بين التوسل والاستشفاع وبين درجة الوسيلة في الجنة


لا بد أن يكون اسم ( الوسيلة ) لتلك المنطقة والدرجة العالية من الجنة ، بسبب
أنها مسكن أقرب المخلوقات وسيلةً الى الله تعالى.

وبذلك تكون الشفاعة التي يعطاها النبي صلى الله عليه وآله ، نوعاً من الوسيلة ، التي استحقها
لأنه أقرب الناس الى الله صلى الله عليه وآله ، واستحق معها مسكن الفردوس والوسيلة ، أعلى
مراتب الجنة.

**


/ 21