الفصل الرابع المهمة الكبرى للمهدي المنتظر - حقیقة الاعتقاد بالإمام المهدی المنتظر نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

حقیقة الاعتقاد بالإمام المهدی المنتظر - نسخه متنی

أحمد حسین یعقوب اردنی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

حضر من آل محمد، ولم يبق إلا الحسين، وكان بإمكان جيش الخليفة أن يأسر
الحسين لأنه رجل واحد، ولكن هذا الجيش شن هجوما شاملا على ابن النبي
وقتله شر قتلة وقطعه تقطيعا ونهب رحله، وساق بنات النبي، وبنات عمومته
حفارى أسارى وبعد أن انتهت المعركة بانتصار جيش الخليفة، صلوا الفرائض ولم
ينسوا أبدا بأن يصلوا على محمد وآل محمد، هم نظريا يصلون على محمد
ويقتلون ابنه وأحفاده وأولاد عمومته!! وهم يصلون على آل محمد، ويقتلونهم!!

يصلون عليهم وبعد الانتهاء من الصلاة يستعدون لقتلهم ثم يقتلونهم، وبعد
الانتهاء من القتل يصلون عليهم وهم يعتقدون أنه لا تناقض بين صلاتهم على
النبي وقتلهم لابنه وأحفاده، ولا تناقض بين صلاتهم على آل النبي وقتلهم
لأولئك الآل!!. وقد وقع في هذا التناقض حتى الخلفاء الراشدون، فقد أمر
الخليفة الأول بحرق بيت فاطمة بنت الرسول على من فيه وفيه الحسن والحسين
ابنا رسول الله، وقاد السرية التي تولت مهمة الشروع بحرق بيت فاطمة ولي عهد
الأول والذي أصبح الخليفة الثاني وجمع الحطب تحت إشرافه، وأشعلت فيه
النيران بأمره، وسمع بأذنه فاطمة بنت الرسول وهي تنادي بأعلى صوتها: (يا
أبتي يا رسول الله) ولم يرمش له جفن حتى حقق ما أراد تماما، بعد ذلك عاد ولي
عهد الأول والخليفة الثاني ومعه أركان دولة الخلافة فصلوا على محمد
وآل محمد، مع أنهم قبل قليل قد شرعوا بحرق بيت بنت الرسول عليها وعلى ابنيه
الصغيرين وهم أحب الناس إليه وصفوة آل محمد!! واعتقد الخليفة وولي عهده
وأركان دولته أنه لا تناقض يذكر بين أفعالهم وبين حبهم للنبي وصلاتهم على
محمد وعلى آل محمد!!!

وقد تقتضي مصلحة الخلفاء أو أوهام فيها مصلحة أن يسبوا ويشتموا ويلعنوا
آل محمد، ويلزموا كل فرد من رعاياهم أن يلعن الآل الكرام أو يلعن عميدهم،
وأن يقطعوا عطاء من يحبهم، أو يحكموا بالموت على من يواليهم كما فعل الخلفاء
الأمويون، وخلال هذه المحنة الرهيبة كان الخلفاء الأمويون وأتباعهم يصلون على
النبي وآل النبي، وكانوا يعتقدون أنه لا تناقض يذكر بين أفعالهم بآل محمد
وصلاتهم على محمد وآله!!!.

3 - المؤمنون الصادقون الذين والوا رسول الله، وآله، ورافقوه في عسره
ويسره وبذله له ولدينه النفس والنفيس، وجاهدوا في الله حق جهاده حتى نصر الله
نبيه، وأعز دينه، وقامت دولة النبوة على أكتافهم، هؤلاء المؤمنون الصادقون قد
استبعدوا تماما بعد موت النبي، وحرموا من تولي الوظائف العامة، ومن نشر علوم
النبوة، وعزلوا عزلا تاما عند الناس وأصبحوا موضع شبهة، وصاروا غرباء بالوطن
الذي بنوه حجرا فوق حجر، وأعداء بمقاييس الدولة الجديدة التي بنوا أساسها
بالعرق والدم بحجة موالاتهم لآل محمد!!!

أما الذين قاوموا الرسول، وعادوه قبل الهجرة، وتآمروا على قتله وحصروا
الهاشميين وقاطعوهم، ثم جندوا الجيوش وحاربوا النبي بعد الهجرة، وقادوا جبهة
الشرك، ورموا النبي بكل سهم في كناناتهم حتى أحيط بهم فاستسلموا واضطروا
مكرهين لإعلان إسلامهم، وأخفوا تركة الصراع الهائل والمرير والطويل الذي دار
بينهم وبين رسول الله!

بعد موت النبي مباشرة صاروا هم أركان دولة الخلافة وهم الأمراء، وهم
الأساتذة، وهم أصحاب الأمر والنهي، ومن بيدهم السلطة الفعلية يتصرفون بالجاه
والأموال والنفوذ على الوجه الذي يريدون بلا حسيب ولا رقيب، ويمكنون
لأنفسهم في الأرض تحت سمع وبصر الخليفة الغالب، والمغلوب على أمره،
ولكنه لا يريد الاعتراف بالحقيقة، كان كل واحد من قادة جبهة الشرك السابقين
يتصرف بولايته تصرف المالك بملكه، ويضع البرامج والمناهج التربوية والتعليمية
التي يراها مناسبة، لإحداث التبديل والتغيير، بما يخدمه ويرغم أنوف خصومه
وهم أهل بيت النبوة، وقدامى محاربي الإسلام!! ورموزه وأعلامه الذين حرموا
من تولي الوظائف العامة، واستبعدوا بالكامل!!

وعندما سئل الخليفة الثاني عن هول ما جرى، وعن سر استخدامه للمنافقين
والفجار، وتركه لأولياء الله ورسوله ؟ قال: (إننا نستعين بقوتهم وإثمهم على
أنفسهم وقد وثقنا ذلك!!! فالمنافقون والفجار هم العناصر الوحيدة التي تملك
القوة والقادرة على إدارة ملك الخليفة!!! أما أهل بيت النبوة، والسابقون في
الإيمان، وقدامى المحاربين الذين هزموا بطون قريش وركعوا العرب كلهم فليست.

لديهم القوة لإدارة هذا الملك!!!

أمثلة حية على هذا الانقلاب

لا خلاف بين اثنين بأن أبا سفيان وأولاده هم الذين قادوا جبهة الشرك
وحروبها العدوانية ضد رسول الله وضد دينه الإسلام، وأن أبا سفيان وأولاده
قاوموا رسول الله بكل وسائل المقاومة، وحاربوه بكل فنون القتال، ويوم فتح مكة
أحيط بهم، فاستسلموا واضطروا لإعلان إسلامهم فصاروا طلقاء، بعد موت النبي
مباشرة تولى يزيد بن أبي سفيان قيادة الجيش الزاحف لفتح الشام، ولما مات يزيد
خلفه أخوه معاوية، وترك معاوية واليا لبلاد الشام وهي أخطر ولايات دولة الخلافة
مدة عشرين سنة يحكم كأنه ملك بلا رقيب ولا حسيب ويوطد لنفسه، ثم أصبح
خليفة، وعهد بالخلافة لابنه يزيد، وجاء بعده حفيده معاوية الثاني. فكان التوطيد
لأعداء الله مكافأة سخية على عداوتهم وحربهم لرسول الله!!!

والحكم بن العاص كان من ألد أعداء رسول الله، لعنه رسول الله. (راجع
مجمع الزوائد للهيثمي ج 5 ص 241 وقال رواه أحمد بن حنبل والبزار
والطبراني) وكان هذا معروفا للعامة والخاصة. قال الهيثمي في مجمع الزوائد
ج 5 ص 241 أن عبد الرحمن بن أبي بكر قال لمروان: (إن رسول الله لعن
أباك). وقال ابن عساكر (راجع كنز العمال ج 11 ص 358 والحاكم في مستدركه
ج 4 ص 481) أن عبد الله بن الزبير قال وهو يطوف بالكعبة، ورب هذا البيت
الحرام والبلد الحرام أن الحكم بن العاص وولده ملعونين على لسان محمد صلى الله عليه وآله وسلم،
وفي الدر المنثور قال: أخرج ابن مردويه عن عائشة أنها قالت لمروان: (سمعت
رسول الله يقول لأبيك وجدك أنكم الشجرة الملعونة في القرآن). لقد نفاه
رسول الله لأنه من المرجفين. ومع هذا آلت الخلافة لذرية هذا الملعون يتوارثونها
بينهم، مع أن رسول الله قد حذر المسلمين منه ومن ولده، ومن جملة تحذيرات
الرسول أنه قد قال: (إن هذا، يعني الحكم، سيخالف كتاب الله وسنة نبيه
وسيخرج من صلبه فتن يبلغ دخانها السماء، وبعضكم يومئذ شيعته)، رواه
الدارقطني (راجع كنز العمال ج 11 ص 166 وابن عساكر ج 11 ص 36،.

والطبراني ج 11 ص 167).

وقد تواترت الأنباء عن رسول الله التي تؤكد بأن أشد العرب بغضا لرسول الله
وآله هم بنو أمية، ووقائع التاريخ تؤكد صحة هذه الأنباء فقد ساد الأمويون أعداء
الله، وقاد الهاشميون أولياء الله، ونتيجة الحروب الطاحنة، جرى القتل وتكونت
الأحقاد الأموية. وربما لهذا السبب صار الأمويون بطانة الخلفاء الأول ثم أصبحوا
خلفاء!! فكراهية آل محمد هي الوسيلة العملية للتقدم والوصول إلى السلطة،
وموالاة آل محمد هي معيار وسبب الغربة والعزلة!! إن هذا لأمر عجاب!!

هذا على مستوى الخلافة، أما على مستوى ولايات الأعمال والأقاليم فنأخذ
مثلا عبد الله بن أبي سرح فهو الذي افترى على الله الكذب، وهو عدو الله وعدو
رسوله، لقد أمر الرسول بقتله ولو تعلق بأستار الكعبة، ويوم فتح مكة أمر الرسول
بالبحث عنه وقتله، فلجأ ابن أبي سرح إلى أخيه في الرضاعة عثمان بن عفان،
فغيبه عثمان وأخفاه، وفي يوم من الأيام بعد الفتح بفترة جاء به عثمان إلى
رسول الله فاستاء منه، فصمت رسول الله طويلا، ثم قال نعم فلما انصرف عثمان
قال النبي لمن حوله: ما صمت إلا ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه! فقال رجل
فهلا أومأت إلي يا رسول الله ؟ فقال النبي: إن النبي لا ينبغي أن تكون له خائنة
أعين. (راجع ترجمة ابن أبي سرح في الاستيعاب لابن عبد البر ج 4 ص 378
والإصابة لابن حجر ج 2 ص 309، وأسد الغابة ج 3 ص 173).

وأصبح ابن
أبي سرح طليقا ومن المؤلفة قلوبهم، الذين كان يعطى لهم سهم من الصدقات
لأنهم منافقون وضعاف إيمان وحتى يصرفوا وبعد موت الرسول مباشرة صار
عبد الله بن أبي سرح من أصفياء الخلفاء كما وثقنا، ومن أهل الحل والعقد،
وأسندت إليه إمارة ولاية مصر وهي تاج الولايات الإسلامية، ومر حين من الدهر
كان فيه ابن أبي سرح الرجل الثالث في الدولة الإسلامية، مع أنه الأظلم بنص
القرآن، ومفتر على الله بنص القرآن ومع أنه عدو لله ولرسوله!!

هذا هو فريق القيادة، وهذه هي الكوادر الفنية التي حلت عرى الإسلام
وأسست ورسمت معالم عصر ما بعد النبوة، فوضعت مناهجها التربوية
والتعليمية، وفرضتها على المسلمين قرابة قرن من الزمان، خلطوا خلاله الأوراق.

خلطا عجيبا فبدلوا وعدلوا، ولم يبق من الإسلام إلا كتاب الله وأهل بيت النبوة،
لمواجهة برامج تربوية وتعليمية قد استقرت في النفوس، فألغت دور كتاب الله وما
وصل إلينا من السنة النبوية وعملت على تجميل أفعال تلك الكوادر، وإضفاء طابع
الشرعية والمشروعية على وقائع التاريخ، لقد اختلط الحابل بالنابل فلا تدري أيا
من أي!!! (فلم يبق من القرآن إلا رسمه، ولا من الإسلام إلا اسمه، يسمون به
وهم أبعد الناس عنه، مساجدهم عامرة وهي خراب من الهدى، فقهاء ذلك الزمان
شر فقهاء تحت السماء، منهم خرجت الفتنة وإليهم تعود).

هذا هو وصف رسول الله لواقع الأمة بعد أن حلت عرى الإسلام كلها.

(راجع ثواب الأعمال وعقابها ج 4 ص 301، وجامع الأخبار ص 129 فقرة 88
والبحار ج 52 ص 190، ومنتخب الأثر للرازي ص 472 ف 6 ب 2 ومعجم
الإمام المهدي ج 1 ص 44 - 44)، أنت أمام جاهلية حقيقية أكثر شرا من
الجاهلية الأولى كما ذكر رسول الله. (راجع معجم الإمام المهدي ج 1 ص 44).

وهكذا حدث كما أخبر به رسول الله، واقترفت تلك الكوادر كافة ما حذر
منه! فقال: قال الرسول يوما لأصحابه: (إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود كما بدأ
فطوبى للغرباء، رواه مسلم وابن ماجة والطبراني. (راجع كنز العمال ج 2
ص 177). قال النووي: أي أن الإسلام بدأ في آحاد من الناس وقلة، ثم انتشر
وظهر ثم سيلحقه النقض والاخلال حتى لا يبقى إلا في قلة وآحاد أيضا. (راجع
صحيح مسلم بشرح النووي ج 2 ص 177)..

الفصل الرابع المهمة الكبرى للمهدي المنتظر

بعد انتقال النبي الأعظم إلى جوار ربه، واستيلاء بطون قريش على منصب
الخلافة بالقوة والتغلب، وحيازتها الفعلية للملك الذي تمخضت عنه النبوة،
حدثت تغييرات هائلة وشاملة وجذرية، طالت كل شئ كان النبي قد مسه، فنقلته
من مكان إلى آخر، وعدلت وبدلت فيه، حتى غيرت حقيقته تماما ولم يبق منه إلا
اسمه أو رسمه الإسلامي.

فقد حلت عرى الإسلام كلها سريعا عروة بعد عروة، ورفعت مضامينه
ومفاهيمه الجوهرية من واقع الحياة تماما أو حيدتها!! ولم يبق من الإسلام إلا
اسمه والإطار العام أو الشكل اللازم لبقاء الملك، وتوسيع رقعة المملكة أو
الامبراطورية ولكن باسمه، أما الإسلام الحقيقي بجوهره ومضمونه فقد صار
غريبا، لا يعرفه المجتمع أبدا!! ولا شئ يدل عليه أو يرمز إليه إلا الفئة المؤمنة
القليلة والمتكونة من آل محمد وأهل بيته وقدامى المحاربين المؤمنين الذين قامت
دولة النبوة على أكتافهم، وانتشرت دعوة الإسلام بسيوفهم وألسنتهم، وصحبوا
النبي فأحسنوا الصحبة ووالوه فأخلصوا بالولاء، واستوعبوا ووعوا علوم الإسلام،
فلما مات النبي تمسكوا بالقرآن وبأهل بيت النبوة كما أمروا فنقمت عليهم دولة
الخلافة، وصبت جام غضبها عليهم فعزلتهم مع أهل بيت النبوة، وحرمت عليهم.

تولي الوظائف العامة وكممت أفواههم، وضيقت عليهم معيشتهم، ونفرت الناس
منهم، فأذلوا وعزلوا تماما وصاروا غرباء كغربة الإسلام والإيمان!! وهم من
عناهم النبي بقوله: (فطوبى للغرباء الذين يصلحون إذا فسد الناس). (راجع سنن
الدارمي ج 2 ص 311 - 312 وصحيح مسلم ج 1 ص 130 وصحيح الترمذي
ج 5 ص 18) اسم الإسلام ورسمه، والقرآن الكريم بين دفتين، وأهل بيت
النبوة، والفئة القليلة المؤمنة الغريبة المستضعفة هم جميعا كل ما تبقى من
الإسلام، وعمق الشعور بالإحباط وجذر المصيبة وضاعفها أن دولة الخلافة قد
أجبرت أهل بيت النبوة وآل محمد وقدامى المحاربين وكافة أفراد الفئة المؤمنة
على الجلوس على مقاعد التلاميذ وقصرت دورهم على الاستماع والموافقة، بعد
أن سلمت الإمرة والقيادة ومنصب (الاستاذية والتعليم) إلى القضاء وحديثي العهد
بالإسلام المتأخرين بالقوة وأمرتهم، وأخرت المتقدمين السابقين بالقوة وأجبرتهم
على الاعتراف بأنهم متأخرون بالقوة أيضا!!!

ولم تكتف بذلك إنما خلطت الأوراق خلطا عجيبا!! فلم يعد المراقب
المنصف يدري بالفعل أيا من أي كما قال الرسول وحذر!!

وهكذا اقتصرت مهمة الدين على حراسة تاريخ عصر ما بعد النبوة وإثبات
شرعية وقائعه وظواهره التي تمخضت عنها الحركة السياسية لمسيرة الخلفاء
المتغلبين من بعد النبي!!! وهرولت وراءهم الأكثرية الساحقة من الأمة طمعا
برغيف العيش وبقيا منها على الحياة وتربت هذه الأكثرية تحت قبة الرأي والتأويل
المفضي مباشرة إلى فقه الهوى، ونشأ فقه الهوى بالفعل وصار هو القانون النافذ
في المجتمع، وتمكن هذا الفقه من النفوس، وظهر أو أظهر بصورة الدين
الإسلامي وثوبه، وألقى هذا الفقه أجرانه في ديار الإسلام!! فعليك أن تقبل به
وبتاريخ ما بعد النبوة معا، أو ترفض الدين وهذا التاريخ معا!! فهما وجهان لعملة
واحدة، وكل جيل كان يسلم راية فقه الهوى للجيل الذي يليه، فأشربت قلوب
المسلمين كليات وتفاصيل هذا الفقه بما كسبت أيديهم، وكانت الأجيال كلها
تتحرك تحت أشراف وسطوة الخلفاء المنقلبين الذين صنعوا هذا الفقه ورعوه..

ومنه استمدوا شرعية وجودهم وسلطتهم!!

ومع أن المسلمين يعترفون بأن عرى الإسلام كلها قد حلت عروة بعد عروة،
وأنه لم يبق من الإسلام عروة بدون حل!! وهم يعترفون أيضا بأن الإسلام قد
أخرج من واقع الحياة ومسرحها وصار تاريخا، وهم يقرون أن الإسلام والإيمان
والمسلمين والمؤمنين الصادقين قد صاروا جميعا غرباء، وأن حكم الله قد رفع من
الأرض، وأن الأمة الإسلامية لم تعد أمة وسطا وأنها لم تعد مؤهلة لتكون الشاهدة
على الناس، وكان هذا واضحا للناس جميعا من اللحظة التي أصبح فيها الذين
عادوا الله ورسوله هم الحكام والمعلمون وأجبر أهل بيت النبوة وأولياء الله ورسوله
على أن يكونوا تابعين ومحكومين ومقتصر دورهم على الإصغاء والسكوت أو
مواجهة الموت الزؤام!!

مع أن المسلمين يعرفون كل ذلك معرفة تامة، ويقرون بحدوثه ووقوعه إلا
أنه ليست لأحد من المسلمين الرغبة لمعرفة: من الذي فكك الإسلام، وحل
عراه، وتسبب بإخراجه من واقع الحياة، وجعله والمتمسكين به في حالة غربة
وهو صاحب الدار، ومن الذي مكن أعداء الله والمتأخرين من أن يصبحوا هم
القادة وفرض على أهل بيت النبوة وقدامى المحاربين المؤمنين والفئة المؤمنة
التأخر والذل ؟!!

مع أن معرفة أولئك الذين تسببوا بكل هذه المصائب أمر ضروري!!

وتشخيص لا بد منه لوصف الدواء!!

وإذا رغب المسلمون بمعرفة من الذي فعل بهذه الأمة هذه الأفاعيل،
وتسبب بدمار الإسلام والمسلمين فإن رغبتهم تصطدم مع فقه الهوى الذي أشربته
قلوبهم، وحسب قواعد هذا الفقه، فإن طاعة ومحبة الذين حلوا عرى الإسلام
وجعلوه غريبا واجبة، ومعصيتهم، أو كراهيتهم، أو الخروج عليهم حرام
بالإجماع!!!! فمحبتهم واجبة وهم أموات، والاقتداء بهم دين حتى وإن كانوا
مخطئين!!

وهكذا تصطدم الرغبة بتشخيص الداء ومعرفة الأعداء بفقه الهوى الذي
تمكن من النفوس واستقر فيها بعد 14 قرنا من المداومة على حفظه على ظهر قلب.

والإيمان به وتصطدم مع اللاشعور المسكون بالرعب والخوف من سيوف المتغلبين
وأعوانهم، والخشية من قطع العطاء، والحرمان من الجاه والنفوذ!! فلا شعور الأمة
ما زال تحت سطوة معاوية والخلفاء الأمويين.

لهذا كلما سأل المسلم نفسه التساؤلات التي طرحناها قبل قليل يسيطر على
قلبه وسمعه وعقله عالم لا شعوره المملوء بالرعب والعائش بالفعل تحت سلطة
معاوية وحكمه، عندئذ يلعن هذا المسلم الشيطان ويعود لنفس الدائرة التي سجن
المسلمون فيها أنفسهم طوال التاريخ!!!

فنكون أمام مشكلة حقيقية مستعصية الحل، فلو عاش الناس مليون قرن فلن
يخرجوا من هذه الدائرة التي سجنوا أنفسهم فيها، ولن تفارقهم أشباح الرعب التي
تتحكم بلا شعورهم!! فنحن أمام عقبة كبرى لا يمكن أن يقتحمها إلا نبي أو ولي
مجرب ومدعوم إلهيا، وبما أن محمدا هو رسول الله وخاتم النبيين ولا نبي بعده،
فيكون الولي العارف المجرب المطلع هو القادر على حل مشكلة المسلمين
واجتياز هذه العقبة الكؤود، وإخراجهم من الدائرة التي سجنوا أنفسهم فيها.

وقد اختار الله سبحانه وتعالى عبده محمد بن الحسن ليكون هو المهدي
المنتظر، لحل المشكلة العالمية من عقالها وتجاوز العقبة، وإخراج الناس من
دائرة التقليد الأعمى (إنا وجدنا آباءنا على أمة) إلى دائرة الإبداع الملتزم! وقد
وهب الله تعالى للمهدي المنتظر عمرا طويلا، وقدرة هائلة على التنقل
والاستيعاب، والتخفي، فهو يعيش بين الناس، ويفهم كليات وتفاصيل ما يجري
في العالم وهو ينتظر اكتمال الأسباب وأمر الله له بالظهور والخروج فعندما يخرج
المهدي المنتظر تكون أسباب النجاح قد هيئت تماما، فيقوم المهدي المنتظر
بإعادة الأمور إلى نصابها الشرعي تماما، ويدوس على الخلط بقدمه، ويفرز
الأوراق عن بعضها البعض، ويضع النقاط على الحروف ويسمي الأشياء
بأسمائها، ويقدم الإسلام على حقيقته للعالم، فتزول الغشاوات عن العيون،
والرين عن القلوب، ويشكل المهدي حكومته العالمية من المؤمنين الصادقين
أصحاب القوة والأمانة من رجال العالم ونسائه، وتصبح كل أقاليم العالم (دولة)
ولايات لدولته، ويصبح كل أبناء الجنس البشري رعايا ومواطنين في دولته.

تعاملهم بكل المحبة والاحترام لا فرق بين لون ولون أو بين عرق وعرق، أو بين
قوم وقوم، وتؤول إلى خزينة دولة المهدي كافة موارد العالم الاقتصادية، فيوزعها
بين الناس بالسوية دون أن يميز أحدا عن أحد، لأن الحاجات الأساسية لبني البشر
متشابهة، وخلال عهده تعطي السماء كل بركاتها، وتخرج الأرض كل كنوزها
وخيراتها ويقصم المهدي كل جبار في الأرض. ويتحرر الإنسان من الخوف
والعوز معا، وتتفتح أمام أبناء الجنس البشري أبواب ومنافذ العصر الذهبي الدنيوي
الذي لا يضاهيه عصر في الدنيا، فلا عدوان ولا بغي ولا ظلم، ولا خوف ولا
عوز، ولا مرض ولا قلق...

هذه هي الخطوط العريضة لتوجهات المهدي المنتظر واتجاهاته وهذه هي
المهمة الكبرى التي اختار الله عبده المهدي لإنجازها وهذا هو المهدي الذي طالما
بشر به النبي، ووعد المؤمنين والجنس البشري بالخلاص على يديه، وهذا هو
خاتم الأئمة الذين اختارهم الله لقيادة العالم!.

الباب الثاني

الاعتقاد بالمهدي المنتظر

الفصل الأول الاعتقاد بالمهدي المنتظر

شيوع هذا الاعتقاد وانتشاره

شاع الاعتقاد بحتمية ظهور المنقذ (المهدي) وانتشر في كافة أرجاء
المعمورة، وأخذ أشكالا مختلفة، ولكنها تتعلق بالمآل بذات الفكرة. وسلمت
بفكرة ظهوره كافة التيارات الكبرى في كافة المجتمعات البشرية القديمة.

وأجمعت على حتمية هذا الظهور الطلائع المستنيرة من أتباع الديانات
السماوية الثلاث، وعلى الأخص الديانة الإسلامية، والطلائع المستنيرة من أتباع
الملل الأخرى الشائع بين الناس بأنها غير سماوية.

فعلى الرغم من اختلافهم في المنابت والأصول واختلاف عقائدهم
وتوجهاتهم وأديانهم، ومصادر معارفهم، إلا أنهم قد اتفقوا على حتمية ظهور
المنقذ، وأن هذا المنقذ مختلف ومميز من جميع الوجوه، وآمنوا بقدرته على
الإنقاذ، واعتقدوا بأن عهده هو عهد العدل والكفاية والعزة، تلك هي الفكرة
الرئيسة التي لا خلاف عليها، والتي شاعت وانتشرت على مستوى العالم، وطوال
التاريخ البشري. وتوارثتها الأجيال جيلا بعد جيل.

ويتعذر على أي باحث منصف، في مجال الفكر السياسي العالمي أن
يتجاهل حجم ومدى شيوع هذا الاعتقاد وانتشاره، حيث يجد له موقعا في كافة
العقائد والأديان..

حقيقة هذا الاعتقاد

من العسير على أي باحث موضوعي، بل على أي إنسان سوي الفطرة أن
يتصور ولو للحظة واحدة بأن هذا الإجماع العالمي على الفكرة الرئيسة، قد حدث
جزافا أو أنه وليد وهم أو خرافة أو أسطورة، أو أن هذا الإجماع كان صدفة!! لأن
الثابت بأن هذا الاعتقاد بالفكرة الرئيسة له منابع ومصادر دينية وعقلية وتاريخية
وواقعية تؤكده وتؤيده، وتجمع عليه وتنفي بالضرورة صلة هذه الفكرة الرئيسة
بالوهم أو بالأسطورة أو بالصدفة، ومن الممكن حدوث زيادة أو نقصان أو اختلاط
الاجتهاد بالتفاصيل، أما الفكرة الرئيسة المتمثلة بظهور المهدي المنقذ، فهي فكرة
أصيلة وصحيحة ومتواترة، ويعتقد بها أتباع الديانات السماوية الثلاث، كما يعتقد
بها غيرهم من أتباع الملل الأخرى الشائع بيننا، بأنها غير سماوية، ويعتقد بها
عقلاء وفلاسفة العالم، ويرسلها الجميع إرسال المسلمات، ويعتبرها أتباع كل
عقيدة جزءا لا يتجزء من عقيدتهم، تقرأ معها، وتحسب عليها. تلك هي طبيعة
القوة التي يتمتع بها هذا الاعتقاد.

تعدد أشكال ونماذج هذا الاعتقاد

مع أن كافة العقائد والديانات السماوي منها وغير السماوي قد أجمعت على
حتمية ظهور المهدي المنقذ، وعلى تميز هذا المنقذ، وقدرته الفائقة على الإنقاذ،
وأن عهده الزاهر هو المأمول، إلا أنها اختلفت في التفاصيل، وهذا الاختلاف ناتج
عن وضوح فكرة الظهور أو غموضها في أذهان معتنقيها، فبعضهم يرى بأن مهمة
المهدي تنحصر في إنقاذ هذا المجتمع أو ذاك فهو منقذ خاص لجماعة من الناس
من حيث المبدأ!! بينما يرى البعض الآخر، بأن مهمة المهدي منصبة على إنقاذ
العالم كله إنقاذا شاملا، وإقامة دولة عالمية، تصبح أقاليم العالم كله ولايات لها،
وأبناء الجنس البشري، بمختلف ألوانهم وأعراقهم رعايا لها، وأصحاب القوة
والأمانة من رجال العلم ونسائه هم قادة تلك الدولة وأمرائها. دولة عالمية تحقق
العدل المطلق، والرخاء التام، والاكتفاء الذي لا عوز معه، والسعادة لجميع أبناء
الجنس البشري، ولم نر مثل هذه الرؤيا الشمولية إلا في الإسلام، ربما لأنه آخر
الأديان، ولأنه المرشح بطبيعته ليكون الدين العالمي الأوحد..

وكما اختلفت العقائد والديانات، بحجم ومدى عملية الإنقاذ، اختلفت
أيضا في تحديد من هو المهدي بالفعل ؟ وأين يظهر ؟ ومتى يكون زمن ظهوره ؟

ويكمن سر هذا الاختلاف في أن هذه التساؤلات من تفاصيل الفكرة الرئيسة، وأن
هذه التفاصيل قد خضعت للزيادة والنقصان وللاجتهاد لدى الأغلبية من أتباع
الملل الأخرى، وبالتالي تعدد منابع ومراجع المعلومات التي بنيت تلك التفاصيل
على أساسها، أو لعدم وثوق بعضها. فقد اكتفت الديانة اليهودية، أو ما وصل إلى
علمنا منها على الأقل، بتأكيد الفكرة الرئيسة، والإشارة العامة إلى أصول
المهدي، وأنه من نسل إسماعيل، وأنه أحد اثني عشر عظيما، وأشارت أيضا إلى
الظروف والمخاطر التي أحاطت بولادة هذا المنقذ العظيم، وصرحت بأن الله
تعالى قد غيب هذا المنقذ ليحفظه، ثم يظهر في اللحظة المناسبة، وبالرغم من
إجمال تلك المعلومات، إلا أنها على جانب كبير من الأهمية، كما سنرى. أما
الديانة المسيحية فقد أشارت إلى عهد الظهور، وأبرزت من هذا العهد ظهور السيد
المسيح، فركزت عليه تركيزا خاصا، وأهملت ما سواه.

أما الديانة الإسلامية، وهي أحدث وآخر الديانات السماوية، فقد غطت
نظرية ظهور المهدي تغطية كاملة، فعلى الرغم من المحنة التي تعرض لها الحديث
النبوي، حيث منعت كتابته وروايته مدة طويلة من الزمن، إلا أن ما وصلنا من
الأحاديث النبوية قد وصف المهدي وصفا دقيقا، وحدد علامات ظهوره تحديدا
واضحا، ووصفت مهمته موضوعيا كما سنرى.

وهذا الاختلاف بين العقائد والأديان على التفاصيل بعد الاتفاق على الفكرة
الرئيسة أفرز نماذج وأشكالا متعددة، للاعتقاد بالمهدي المنتظر، أو المنقذ
الأعظم، وسنستعرضها بما أمكن من الإيجاز طمعا باستكمال دائرة البحث.

أشكال هذا الاعتقاد

1 - عند اتباع الملل الأخرى (غير السماوية)

لقد اعتقد الزرادشتيون بفكرة الظهور، واعتقدوا أن المنقذ الذي سيظهر هو
بهرام شاه. واعتقد المجوس بعودة أرشيدو، واعتقد البوذيون بعودة بوذا، واعتقد.

الاسبان بعودة ملكهم روذريق، واعتقد المغول بعودة جنكيز خان، وقد وجد مثل
هذا الاعتقادات عند قدماء المصريين وفي كتب الصينيين القديمة. راجع المهدية
في الإسلام سعيد محمد حسن ص 43، 44 وقائم القيامة للدكتور مصطفى غالب
ص 270 والمهدي المنتظر في الفكر الإسلامي إصدار مركز الرسالة ص 8، 9.

والملفت للانتباه أن أصحاب تلك المعتقدات الآنفة الذكر قد آمنوا بفكرة
ظهور أشخاص كانوا معروفين بعد ما اختفوا في ظروف اكتنفها الغموض. لقد اتفق
أصحاب تلك الاعتقادات على حالات اختفاء لرجال مشهورين جدا، ثم آمنوا
بحتمية عودتهم وظهورهم لغايات الإنقاذ وتحقيق أهداف يتوقف تحقيقها على
وجودهم بالذات!!

2 - عند اليهود والنصارى

لقد آمن اليهود بهذا الاعتقاد (ظهور المهدي) قال كعب الأحبار: مكتوب في
أسفار الأنبياء: (المهدي ما في عمله عيب) قال سعيد أيوب الكاتب المصري
الشهير في ص 370 - 380 من كتابه المسيح الدجال ما نصه: (وأشهد أني وجدت
كذلك في كتب أهل الكتاب، لقد تتبع أهل الكتاب أخبار المهدي كما تتبعوا أخبار
جده محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فأشارت أخبار سفر الرؤيا إلى امرأة يخرج منها اثنا عشر رجلا،
وأشار إلى امرأة أخرى وهي تلد الأخير. وجاء في سفر الرؤيا 12 / 3 (والتنين
وقف أما المرأة الأخيرة حتى تلد ليبتلع ولدها متى ولدت) وجاء في سفر الرؤيا
12 / 5 (واختطف الله ولدها وحفظه أي أن الله قد غيب هذا الطفل). وذكر
سفر الرؤيا أن غيبة هذا الغلام ستكون ألفا ومائتي سنة وهي مدة لها رموزها عند
أهل الكتاب، وقال باركلي عن نسل المرأة عموما: (إن التنين سيعمل حربا شرسة
مع نسل المرأة)، وجاء في سفر الرؤيا 12 / 13 (فغضب التنين على المرأة وذهب
ليصنع حربا مع باقي نسلها الذين يحفظون وصايا الله).

ولا تنطبق أوصاف المرأة الأولى ونسلها إلا على السيدة الزهراء ونسلها
عمداء أهل بيت النبوة الأعلام، فقد طاردتهم السلطة (التنين) طوال التاريخ. أما
المرأة الثانية وطفلها فلا تنطبق أوصافهما إلا على المهدي وأمه، فالمهدي هو حفيد.

الزهراء، وقد ترقب العباسيون ولادته يوما بيوم حتى يقتلوه، لأنهم قد عرفوا أنه
المهدي المنتظر، ولكن الله سبحانه وتعالى نجا الطفل وغيبه بالفعل ليحفظه،
وليهئ الأسباب لإقامة دولته العالمية، ثم يظهره. ويؤيد ما ذهبنا إليه ما جاء بسفر
التكوين 17 / 20
: (وأما إسماعيل فقد سمعت قولك فيه، وها أنا أباركه وأنميه،
وأكثره جدا جدا، ويلد اثني عشر رئيسا، وأجعله أمة عظيمة) ومن المسلم به أن
رسول الله محمد من نسل إسماعيل، وأن عمداء أهل بيت النبوة الاثني عشر هم ذرية
النبي وعصبته، وأنهم أعلام الأمة وورثة علمي النبوة والكتاب، فإذا لم يكن هؤلاء
العمداء هم الرؤساء المعنيون، فمن هم الرؤساء إذن ؟ ومن هو الأولى منهم بالنبي،
أو الأقرب إليه منهم ؟ بل ومن هم ورثته غيرهم ؟ قد يقول قائل ربما كان المقصود من
الاثني عشر رئيسا (الخلفاء) الذين تعاقبوا على رئاسة دولة الخلافة التاريخية،
وحسب تسلسلهم الزمني!! وهذا غير معقول لأن بعضهم قد هدم الكعبة، واستباح
المدينة المنورة أموالا وأعراضا، وأعلن كفره جهارا ونهارا، وبعضهم قد نفذ خطة
لإبادة المؤمنين الصادقين!! فهل يعقل أن يعد الله سبحانه وتعالى برئاسة مثلهم، وأن
يباركهم، ويعتبر رئاستهم منة ونعمة!! وقد يقال أن الاثني عشر هم الصفوة المنتقاة
من الخلفاء التاريخيين!! ولكن ما هو الدليل على ذلك ؟ ومن هم المخول بانتقائهم ؟

ثم إنا لو وزنا الخلفاء التاريخيين بموازين الشرع الحنيف لما صمد منهم ربع هذا
العدد!! وقد يقال بأن الرئيس هو الملك فعلا!! لقد كان النمرود ملكا كان إبراهيم
مواطنا في مملكته!! فمن هو العظيم والرئيس بالمعايير الشرعية هل هو إبراهيم أم
النمرود الطاغية!!! لقد عاصر كل الأنبياء ملوكا بيدهم الحول والطول فهل كان
الملوك هم الرؤساء العظماء، وهل كان الأنبياء عامة!! إن العبرة بالرئاسة هي الأهلية
والمرجعية الشرعية فالأنبياء، والأولياء هم الرؤساء الذين اختارهم الله وفقا لموازين
عدله وفضله، والملوك المتجبرون هم الذين فرضوا أنفسهم على العباد بالغلبة
والقهر فخرجوا وأخرجوا الناس من دائرة الشرعية والمشروعية الإلهية.

وما يعنينا في هذا المقام هو حتمية الصلة بين الرؤساء الاثني عشر من نسل
إسماعيل الذين وعد الله بهم وبين أئمة أهل بيت النبوة الكرام. ويعنينا أيضا هو
النصوص الواردة بالأسفار بأن الله سبحانه وتعالى قد غيب الرئيس الثاني عشر.

ليحفظه ويوطد له، ثم يظهره، وتنطبق تلك الأوصاف انطباقا تاما على العميد
الثاني عشر من عمداء بيت النبوة وهو محمد بن الحسن حفيد النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

وهنالك إشارة في سفر أرميا 46 / 2 - 11 تتحدث عن قائد إسلامي عظيم يقود
جند الله، وينتقم من أعداء الله عند نهر الفرات وهو المكان الذي ذبحت لله فيه
(ذبيحة) ولا تنطبق أوصاف هذا.................... وتتبنى الديانة
المسيحية بالطبع نفس الإشارات الواردة في الأسفار عن المهدي المنتظر، وتؤمن
بفكرة الظهور، ومع أن ظهور المهدي يتزامن ويتكامل مع نزول السيد المسيح إلا
أن اعتقاد المسيحية منصب بالدرجة الأولى والأخيرة على السيد المسيح،
ويتجاهل ما سواه!! واعتقد مسيحيو الأحباش بعودة ملكهم ثيودور كمهدي في
آخر الزمان.

3 - عند بعض فلاسفة اليهود والنصارى في العصر الحديث

قال الفيلسوف الانكليزي (برتراند راسل) إن العالم بانتظار مصلح يوحد
العالم تحت علم واحد وشعار واحد. راجع المهدي للسيد الشهرستاني ص 6
والمهدي المنتظر في الفكر الإسلامي ص 9.

وقال أينشتاين صاحب النظرية النسبية المشهور (إن اليوم الذي يسود العالم
كله الصلح والصفا ويكون الناس متحابين ليس ببعيد). راجع المهدي الموعود
ودفع الشبهات للسيد الشهرستاني ص 7، والمهدي في الفكر الإسلامي ص 9.

وقد بشر به الفيلسوف الانكليزي (برنارد شو) في كتابه الإنسان
والسوبرمان، وعلق عباس محمود العقاد على هذه البشرى
بالقول: (يلوح لنا أن سوبرمان (شو) ليس بالمستحيل، وأن دعوته إليه لا تخلو من
حقيقة ثابتة). راجع برنارد شو لعباس محمود العقاد ص 124 - 125 والمهدي في
الفكر الإسلامي ص 9.

وأنت تلاحظ أن راسل يبرز حاجة العالم للمصلح، وانتظار العالم لذلك
المصلح، بينما يتحدث أينشتاين عن بعض مظاهر عهد ذلك المصلح وبشرى
برنارد شو سندها العقل المستند إلى فكرة عالمية موروثة ومتواترة.

الفصل الثاني المهدي المنتظر في الإسلام

احتل الاعتقاد بالمهدي مكانة بارزة في الإسلام كدين، على صعيدي القرآن
والسنة المطهرة، فقد برزت نظرية الاعتقاد بالمهدي المنتظر بصورتها الكاملة
والواضحة والبعيدة عن التوهم والغموض. حيث أكد دين الإسلام حقيقة وصحة
هذا الاعتقاد العالمي المتواتر، ثم أبرز كلياته وتفاصيله الدقيقة، وأزال ما لحق
بهذا الاعتقاد من نقص وزيادة وتوهم واجتهاد، وأبقى على الحقائق النقية القادرة
على الوقوف في كل زمان، ووضع تحت تصرف عشاق الحقائق المجردة نظرية
متكاملة واضحة تغطي بالكامل كل ما يتعلق بالاعتقاد بالمهدي المنتظر، فما من
سؤال في هذا المجال إلا وتجد له في الإسلام جوابا مستندا إلى القرآن الكريم أو
السنة المطهرة. وقد قدم الإسلام هذه النظرية كجزء لا يتجزأ من النظام السياسي
الذي أنزله الله على عبده ومصطفاه محمد صلى الله عليه وآله وسلم. فالمهدي المنتظر عند شيعة أهل
بيت النبوة هو الإمام الثاني عشر من الأئمة أو القادة الشرعيين الذين اختارهم الله
سبحانه وتعالى وأعلنهم النبي كقادة للأمة، ويجمع أهل السنة (شيعة الخلفاء) على
صحة وتواتر قول رسول الله بأن الأئمة أو الخلفاء أو الأمراء أو النقباء أو القادة
العظام من بعده اثنا عشر، وأخالهم بالضرورة يعتبرون المهدي المنتظر أحدهم. ثم
إن أهل بيت النبوة وهم أحد الثقلين ومن والاهم قد أجمعوا على أن الاعتقاد
بالمهدي الموعود المنتظر هو جزء لا يتجزأ من دين الإسلام، ثم أن الخلفاء
التاريخيين ومن والاهم قد أجمعوا أيضا على أن الاعتقاد بالمهدي المنتظر هو جزء
من عموم المعتقدات الإسلامية المنبثقة عن القرآن الكريم والسنة المطهرة والتي
أجمعت الأمة على صحتها. فإن المنكر لهذا الاعتقاد هو بحكم المنكر لما هو.

ثابت من الدين، وقد ألف المتقي الهندي (ت 975 ه) صاحب كتاب كنز العمال
كتابا عنوانه (البرهان في علامات مهدي آخر الزمان) أورد فيه فتاوي المذاهب
الأربعة في زمانهم وهم ابن حجر الهيثمي الشافعي وأحمد أبي السرور بن الصبا
الحنفي، ومحمد بن محمد الخطابي المالكي، ويحيى بن محمد الحنبلي، وقال:

(إن هؤلاء هم علماء أهل مكة وفقهاء الإسلام على المذاهب الأربعة، ومن راجع
فتاواهم علم علم اليقين أنهم متفقون على تواتر أحاديث المهدي، وأن منكرها
يجب أن ينال جزاءه، وصرحوا بوجوب ضربه وتأديبه وإهانته حتى يرجع إلى الحق
رغم أنفه، - على حد تعبيرهم - وإلا فيهدرون دمه) (البرهان على علامات مهدي
آخر الزمان ص 178 - 183 والمهدي المنتظر في الفكر الإسلامي ص 41 - 42).

الاعتقاد بالمهدي المنتظر عند المسلمين

شق الاعتقاد بالمهدي المنتظر طريقه بيسر وسهولة إلى قلوب كل المسلمين
وعقولهم، واعتبره المسلمون جزءا من عقيدتهم الإسلامية وحكما من أحكامها،
وواحدا من تعاليمها كالتسبيح أو التهليل أو الصلاة أو الصوم أو الإيمان بالغيب.

فكافة المسلمين مع اختلاف منابتهم وأصولهم وتوجهاتهم السياسية وثقافاتهم
المختلفة يعتقدون بحتمية ظهور المهدي المنتظر في آخر الزمان، وأن هذا
المهدي من عترة النبي، وأن عهده من أزهى العهود حيث سيملأ الأرض عدلا،
وسينقذ الأمة الإسلامية والعالم كله إنقاذا شاملا، وأن الله تعالى سيرد بالمهدي
الدين، ويفتتح له العالم كله، وأنه سينشر الرخاء في الأرض. وقد اعترف بهذه
الحقيقة حتى المتشككين بهذا الاعتقاد. فابن خلدون مثلا أحد المتشككين ومع
هذا فهو يشهد قائلا: (إعلم أن المشهور بين الكافة من أهل الإسلام على ممر
العصور أنه لا بد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت يؤيد الدين، ويظهر
العدل، ويتبعه المسلمون، ويستولي على الممالك الإسلامية ويسمى المهدي.

(راجع تاريخ ابن خلدون ج 1 ص 555 الفصل 52). وأحمد أمين الأزهري
المعروف من المتشككين أيضا بهذا الاعتقاد ومع هذا فهو يشهد قائلا: (وأما أهل
السنة فقد آمنوا بها أيضا) أي آمنوا بحقيقة المهدي. (راجع كتابه المهدي والمهدية.

ص 41) وبعد أن أدلى بشهادته ساق قول ابن خلدون الآنف الذكر. فإذا كانت
هذه شهادة المتشككين فيعني أن شيوع هذا الاعتقاد وانتشاره بين كافة المسلمين
العامة والخاصة من الحقائق الإسلامية المسلم بصحتها على مستوى المسلمين
جميعا، وليس بإمكان عاقل أن يتجاهل عموم وشمول هذا الاعتقاد لكافة أتباع
الملة الإسلامية. وقد أدرك الحكام الذين استولوا على قيادة الأمة طوال التاريخ
السياسي الإسلامي، خطورة هذه الفكرة على حكمهم، وقدرتها الفائقة على شق
طريقها إلى قلوب المسلمين، ودور هذه الفكرة بنقد الظلم وفضح الظالمين،
فسخروا كافة موارد الدولة التي استولوا على قيادتها للتشكيك بالفكرة الأساسية
تمهيدا لاقتلاعها من جذورها!! ومع أن الحكام قد نجحوا نجاحا ساحقا بحل عرى
الإسلام كلها عروة بعد عروة، ومع أنهم قد نجحوا بإخضاع الأمة لمشيئتهم، إلا
أنهم قد فشلوا فشلا ذريعا باقتلاع الاعتقاد بالمهدي المنتظر من قلوب الناس
وعقولهم، بل إن هذا الاعتقاد كان يترسخ ويتجذر طرديا كلما زاد ظلم الحكام
وبطشهم، ويزداد المسلمون يقينا بحتمية ظهور المهدي!!. وتوارثت الأجيال هذا
الاعتقاد، وتوارثت صلته الحميمة بالدين الإسلامي.

مصادر ومنابع الاعتقاد بالمهدي المنتظر

لقد استمد المسلمون الاعتقاد بالمهدي المنتظر واستقوه من منبع أو مصدر
واحد وهو الإسلام. فالاسلام هو الذي جاء بنظرية المهدي بكل تفاصيلها
وكلياتها، وهو الذي كلف أتباعه ومعتنقيه بالاعتقاد بها، والالتزام التام بهذا
الاعتقاد كغيره من المعتقدات النابعة من صميم الإسلام.

ويعنى الإسلام على الصعيد القانوني أو الحقوقي (الآمر والناهي والمحلل
والمحرم) كل ما جاء به القرآن الكريم، وبيان النبي لهذا القرآن سواء أكان البيان
بالقول أو بالفعل أو بالتقدير، ويسمى هذا البيان بالسنة المطهرة. وكل واحد من
هذين المصدرين مكمل للآخر، ولا غنى لأحدهما عن الآخر، لأن أولى مهمات
النبي أن يبين للناس ما نزل إليهم من ربهم بيانا قائما على الجزم واليقين.

ولأن الإسلام آخر الأديان السماوية، ولأن محمدا خاتم النبيين فقد أجاب
الإسلام على كافة التساؤلات البشرية في ما مضى، وفي ما يأتي، وغطى كافة.

الاحتياجات الإنسانية على كل الأصعدة اللازمة لنمو الحياة الإنسانية وتطورها
ورقيها، فما من شئ، على الإطلاق إلا وجاء به القرآن، وبينه النبي بالقدر الذي
يستوعبه كل المكلفين وتصديق ذلك قوله تعالى في سورة النحل آية 89 (ونزلنا
عليك الكتاب تبيانا لكل شئ).

وأحكام الإسلام وتعاليمه ما شرعت لمعالجة مشكلات قومية أو إقليمية إنما
هي منصبة بالأصل على معالجة مشكلات العالم كله بأرضه وسكانه، وكانت
الوحدة التاريخية والدينية والسياسة للعالم هي محور عناية واهتمام الإسلام. حيث
وضع الإسلام تحت تصرف العالم نظاما حقوقيا لا مثيل له ومعجز، ووضع تحت
تصرف العالم أيضا قيادة سياسية وروحية لا مثيل لها. فالإمام القائد في زمانه هو
الأفضل وهو الأعلم وهو الأقرب لله ولرسوله، فإذا أراد العالم أن يهتدي فعليه
بموالاة القيادة الإلهية والعمل بالنظام الإلهي فهما ثقلان يتكامل أحدهما مع الآخر
ويتمم أحدهما الآخر وهذا هو المقصود الشرعي من حديث الثقلين.

وشاءت حكمة الله أن يكون المهدي هو آخر جيل القيادة الإلهية المسماة،
وهو الذي سيتولى توحيد العالم دينيا وسياسيا ويترجم جهد الأنبياء وخاتمهم
ويحقق هدفهم بتحقيق وحدة العالم الدينية والسياسية. بحيث تكون كل أقاليم
الكرة الأرضية ولايات لدولته وكل سكان المعمورة رعايا لتلك الدولة، وكل أهل
القوة والأمانة من رجال العالم ونسائه بطانة له يستعين بهم لتنفيذ النظام الإلهي،
فيكون عهده الزاهر عهد الرخاء الذي حلم به النبيون، وعهد العدل الذي جاهد
لتحقيقه النبيون، والنموذج الرمز لوحدة الجنس البشري التي بشر بها النبيون.

ورمز انتصار الحق على الباطل على المستوى العالمي عبر الصراع الطويل بينهما
وهنا يكمن سر تركيز الإسلام تركيزا خاصا على نظرية المهدي المنتظر، وتكمن
عناية النبي الفائقة بإبرازها وتوضيحها والتبشير بها، بل ويكمن سر فخره بالمهدي
المنتظر لأنه المؤهل إلهيا لعملية التغيير الكبرى ولأنه ابنه وقرة عينه وحفيده.

والخلاصة أن الإسلام بركنيه الكتاب والسنة هما المصدر والمنبع الوحيد
للاعتقاد بالمهدي المنتظر، وعلى ذلك أجمع المسلمون..

الفصل الثالث المهدي المنتظر في القرآن الكريم

لكي نجد المهدي في القرآن

قال تعالى وهو أصدق القائلين: (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ)
(سورة النحل، آية: 89)، ومعنى هذا أنه ما من شئ على الإطلاق إلا وقد بينه
الله في هذا القرآن.

لكن عملية استخراج وتحديد بيان كل شئ، أو أي شئ في القرآن الكريم
عملية فنية من جميع الوجوه، بمعنى أنها تحتاج إلى رجل مؤهل إلهيا، ومختص
ومزود بالقدرة على معرفة مواضع بيان أي شئ في القرآن الكريم. وهنا يكمن سر
التكامل والترابط العضوي الوثيق بين كتاب الله المنزل، ونبي الله المرسل،
فالكتاب يحتوي بيان كل شئ، والنبي يعرف حصة كل شئ من هذا البيان معرفة
يقينية وبلا زيادة ولا نقصان أي تماما على الوجه الذي أراد الله.

لذلك كانت مهمة الرسول الأساسية منصبة على بيان ما أنزل الله، قال تعالى
مخاطبا نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) وقال
تعالى: (وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه) (سورة النحل،
الآيتان 44 و 64). فلا يعرف بيان الكتاب لأي شئ على الوجه اليقيني القاطع إلا
النبي، أو الشخص المؤهل إلهيا القائم مقام النبي بعد وفاته. ولأن الرسول خاتم
النبيين، ولأن الإسلام آخر دين، ولأنه لا بد من بيان القرآن، فقد خصص الله
سبحانه وتعالى اثني عشر إماما، أو خليفة، أو نقيبا، أو أميرا وسماهم بأسمائهم،.

وعهد إليهم ببيان القرآن خلال الفترة الواقعة بين موت النبي وقيام الساعة. فكل
واحد من هؤلاء الاثني عشر مخول ومؤهل ليكون المختص الوحيد لبيان القرآن
وقيادة العالم في زمانه.

فالقرآن كمعجزة بيانية باقية ببقاء الحياة الدنيا، له أسلوبه البياني الخاص،
فكلمة الصلاة يعرفها جميع البشر بأنها تعني الدعاء، وقد تكررت هذه الكلمة في
القرآن الكريم عشرات المرات، دون تفصيل ولا بيان محدد لما ينبغي أن يقال
فيها، لقد ترك القرآن كافة هذه الأمور والتفصيلات لبيان النبي، ويعتقد كل
المؤمنين أن الله تعالى هو الذي أوحى للنبي وعلمه كافة هذه الأمور. هذا حال
الصلاة وهي عماد الدين، ويقال مثل ذلك عن الزكاة والحج والصوم والشهادة،
وهي أركان الإسلام، وكل ما يحتج به المسلمون بهذه الأمور وأمثالها يسندونه
للرسول، وقد توخى القرآن من ذلك في ما توخى إبراز التكامل والترابط العضوي
الوثيق، بين ما أنزله الله وما بينه نبيه، وإبراز الخط العام المتمثل بأن النبي يوحى
إليه، وهو يتبع ما يوحى إليه تماما، وأن طاعة الرسول كطاعة الله، ومعصية
الرسول كمعصية الله، وموالاة الرسول كموالاة الله، واتباع أوامر الرسول تماما
كاتباع أوامر الله، ومخالفة أوامر الرسول هي مخالفة لأوامر الله، وهي تهدف في ما
تهدف لخلق حالة نفسية عند المسلمين تقد بتميز الرسول، أو القائم الشرعي مقامه
بعد وفاته كشخص مختص بالبيان، وأن مكانته لا ترقى إليها مكانة، وأن علاقتهم
به هي التجسيد العملي لعلاقتهم بالله سبحانه وتعالى، فكل قول دون قوله، وكل
مكانة دون مكانته، وكل فهم دون فهمه، فمن يتجاوز قول النبي وفهمه أو أمره
ونهيه، ومن يعتقد أن (اجتهاده) أو رؤيته للأمور الدنيوية، أو الأخروية هي أقرب
للصواب مما بين النبي، فهو منحرف وضال كائنا من كان، صحابيا أم خليفة. ثم
إن تسليم مفاتيح بيان ما أنزل من بعد النبي إلى الأئمة الأعلام من أهل بيت النبوة
الذين ورثوا علمي النبوة، فيه إبراز لمكانتهم، وتقديم لقولهم وفهمهم على كل
قول وفهم، لأن الواحد منهم لا يقول برأيه، فإذا حدث فإنما يحدث بحدود علمي
النبوة، والكتاب، وبنفس الوقت تأكيد نفسي لاستمرار وجود النبي، لأنهم بنوه
وأحفاده..

الآن يمكننا أن نتعرف على المهدي في القرآن الكريم

بعد هذه التوضيحات التي سقناها، فإننا وبحدود علمنا لا ندعي بأن مصطلح
(المهدي المنتظر) أو سام (محمد بن الحسن) قد وردا في القرآن الكريم صراحة
ولكن يمكننا أن نتلمس الآيات الكريمة، التي تشير إلى المهدي المنتظر في القرآن
الكريم.

ولن نتلمس ذلك في الآثار الواردة عن الأئمة الأعلام من أهل بيت النبوة
الذين ورثوا علمي النبوة والكتاب، لأن القسم الأكبر من المسلمين تربوا تربية
ثقافية خاصة أساسها التشكك بكل ما يرد عن طريق أهل بيت النبوة، والقول
بأفضلية غيرهم عليهم، أو تقديم غيرهم عليهم لحكمة (شرعية). ولكن طمعا
بالشمول والاحاطة نقول أن الجزء الخامس من كتاب: (معجم أحاديث الإمام المهدي) الذي ألفته ونشرته مؤسسة المعارف الإسلامية في قم والذي أشرفت على
إعداده نخبة من العلماء الأعلام، وقد اشتمل هذا الجزء الواقع في 530 صفحة
كاملا على الآيات المفسرة لوجود المهدي، وجاء في الجزء توضيحا لذلك ما
يلي: (أن المقصود بالآيات المفسرة في هذا المجلد الروايات التي وردت في
تفسير آيات، أو تأويلها، أو تطبيقها، أو الاستشهاد بها بحيث ترتبط بقضية الإمام المهدي بعنوانه الخاص أو العام).

وقد تضمن هذا المجلد 220 آية من القرآن الكريم منبثة في 79 سورة من
سوره، مشفوعة بقرابة 220 رواية مروية عن أئمة أهل البيت تثبت علاقة المهدي
المنتظر بهذه الآيات، وارتباطها الوثيق بقضيته وبعصره، وقدرنا أن أذهان العامة
وثقافتهم لا تحتمل تلك التأويلات ولا ترقى إليها، لأن العامة قد أشربت ثقافة
التاريخ ومناهجه التربوية والتعليمية المناهضة بالضرورة لخط أهل بيت النبوة،
لذلك قصرنا اهتمامنا على ما توصلت إليه العامة في هذا الموضوع.

أمثلة من القرآن الكريم

1 - قال تعالى: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على.

الدين كله ولو كره المشركون) (سورة التوبة، الآية: 33).

قال الرازي في التفسير الكبير ج 16 ص 40: (واعلم أن ظهور الشئ على
غيره قد يكون بالحجة، وقد يكون بالكثرة والوفور، وقد يكون بالغلبة والاستيلاء،
ومعلوم أنه تعالى بشر بذلك ولا يجوز أن يبشر إلا بأمر مستقبل غير حاصل،
وظهور هذا الدين بالحجة مقرر معلوم، فالواجب حمله على الظهور بالغلبة).

والمروي عن قتادة كما يقول السيوطي في الدر المنثور ج 4 ص 176
(ليظهره على الدين كله) قال: الأديان الستة: (الذين آمنوا والذين هادوا
والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا) (سورة الحج، الآية: 17)
فالأديان كلها تدخل في دين الإسلام.. فإن الله قضى بما حكم وأنزل أن يظهر دينه
على الدين كله ولو كره المشركون، وفي تفسير ابن جزي ص 252: (وإظهاره
جعله أعلى الأديان وأقواها حتى يعم المشارق والمغارب) وهذا هو المروي عن
أبي هريرة كما نص عليه جملة من المفسرين، (تفسير الطبري ج 14 ص 215،
والتفسير الكبير ج 16 ص 40، وتفسير القرطبي ج 8 ص 121، والدر المنثور
ج 4 ص 176 راجع المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي ص 22).

وفي الدر المنثور: وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر، والبيهقي في
سننه عن جابر في قوله: (ليظهره على الدين كله) قال: لا يكون ذلك حتى لا
يبقى يهودي ولا نصراني صاحب ملة إلا الإسلام، (راجع الدر المنثور للسيوطي
ج 4 ص 175). وعن المقداد بن الأسود قال: سمعت رسول الله يقول: (لا يبقى
على ظهر الأرض بيت مدر ولا وبر إلا أدخله كلمة الإسلام، إما بعز عزيز، أو بذل
ذليل. إما يعزهم فيجعلهم من أهله فيعزوا به وإما يذلهم فيدينون له). (راجع
مجمع البيان ج 3 ص 35).

لم يتم الإظهار

حتى الآن لم يظهر الإسلام على الدين كله لا من حيث كثرة الأتباع ولا من
حيث الغلبة. صحيح أن الإسلام ظاهر على الدين كله من حيث الحجة، لكن
الوعد الإلهي يشمل الإظهار مطلقا، وهذا ما لم يحدث حتى الآن، وبما أن وعد.

/ 13