الأنصار، فقالت: " معشر البقية، وأعضاد الملة، وحضنة الاسلام، ما هذه الغميزة في حقي، والسنة (1) عن ظلامتي، أما كان رسول الله أمر بحفظ المرء في ولده؟ فسرعان ما أحدثتم، وعجلان ذا إهالة (2). أتقولون مات محمد فخطب جليل، استوسع وهيه (3)، واستنهر فتقه (4)، وفقد راتقه، فأظلمت الأرض لغيبته، واكتأب خيرة الله لمصيبته، وأكدت الآمال (5)، وخشعت الجبال، وأضيع الحريم، وأذيلت (6) الحرمة بموت محمد، فتلك نازلة أعلن بها كتاب الله في أفنيتكم ممساكم ومصبحكم هتافا. ولقبل ما خلت له أنبياء الله ورسله * (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين) * (7). أبني قيلة (8)، اهتضم تراث أبي وأنتم بمرأى ومسمع! تلبسكم الدعوة، ويشملكم الجبن، وفيكم العدة والعدد، ولكم الدار والجنن (9) وأنتم نخبة الله التي امتحن، ونحلته التي انتحل، وخيرته التي انتخب لنا أهل البيت، فنابذتم فينا العرب، وناهضتم الأمم وكافحتم البهم، لا نبرح وتبرحون، ونأمركم فتأتمرون، حتى دارت بنا
(1) السنة: الغفلة " أساس البلاغة - وسن -: 499 ". (2) عجلان ذا إهالة: مثل معروف، يراد به ما أسرع ما كان هذا الأمر! وفيه ثلاث كلمات: سرعان، عجلان، وشكان، انظر، جمهرة الأمثال 1: 519، مجمع الأمثال 1: 336. (3) الوهي: الشق أو الخرق في الشئ " لسان العرب - وهي - 15: 417 ". (4) يقال: طعنة طعنة أنهر فتقها: أي وسعه " لسان العرب - نهر - 5: 237 ". (5) أكدى الرجل: أخفق ولم يظفر بحاجته " أساس البلاغة - كدى -: 389 ". (6) أذيلت: أهينت " أساس البلاغة - ذيل -: 148 ". (7) آل عمران 3: 144. (8) أرادت الأوس والخزرج، قبيلتي الأنصار، وقيلة: اسم أم لهم قديمة، وهي قيلة بنت كاهل " النهاية - قيل - 4: 134 ". (9) الجنن هنا الدار أيضا، ويقال لكل ما ستر: جن وأجن. ولعلها الجنن بالضم، جمع الجنة، وهو كل ما واراك من السلاح واستترت به، انظر " لسان العرب - جنن - 13: 92 و 94 ". وفي " ط ": الخيرة.