مقابسات نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
والمتوسطة، على أشكال صحيحة دائبة، وأسباب على الطبيعة جارية. ثم رجع إلى الجواب، فقال قائل: عن هذه المسألة، لا على هذا التهويل، جوابان مختلفان، من وجهين مختلفين: أحدهما هو زجر عن النظر فيه لئلا يكون هذا الإنسان مع ضعيف مخيلته، واضطراب غريزته، وانفتات طينته، وانبتات مريرته، عن ربه بحاثاً، متكبراً على عباده، ظاناً بأنه مأتي في شأنه، قائم بجده وقدرته، وحوله وقوته وتشميره وتقليصه، وتهجيره وتعريسه، فإن هذا النمط يحجز الإنسان عن الخشوع لخالقه، والإذعان لربه، ويبعده عن التسليم لمدبره، ويحول بينه وبين طرح الكل بين يدي من هو أملك له، وأولى به. وأما الجواب الآخر فهو بشرى عظيمة، على نعمة جسيمة، لمن حصل له هذا العلم، وذلك غيب لو اطلع عليه، وسر لو وصل إليه، لكان ما يجده الإنسان فيه من الروح والراحة، والخير في العاجلة والآجلة، يكفيه مؤونة هذا الخطب الفادح، وينهيه عن تجشم هذا الكد الكادح، فاجعل أيها المفكر لشرف هذا العلم بدل طلبك ما يخفي عنك خفيه ومكنونه، تذللاً لله تقدس اسمه، فيما استبان لك معلومه، وصح عندك مظنونه. ثم قال: اعلم أن العلم حق، ولكن الإصابة بعيدة، وما كل صواب معروفاً، ولا كل محال موصوفاً، وإنما كان العلم حقاً، والاجتهاد في طلبه مبلغاً، والقياس فيه صواباً، والسعي دونه محموداً، لامتثال هذا العالم السفلي، بذلك العالم العلوي، واتصال هذه الأجسام القابلة، بتلك الأجرام الفاعلة، واستحالة هذه الصور بحركات تلك المتحركات المتشاكلة بالوحدة. وإذا صح هذا الاتصال والتشابك، وهذه الحبائك والربط، صح التأثير من السفلى بالمواصلات الشعاعية، والمداءبات والأحوال الخفية والجلية. وإذا صح التأثير من المؤثر وقبوله من المقابل، صح الاعتبار، واتسق القياس، وصدق الرصد، وثبت الألف، واستحكمت العادة، وانكشفت الحدود، وانثالت العلل، وتعاضدت الشواهد، وصار الصواب غامراً، والخطأ مغموراً، والعلم جوهراً راسخاً، والظن عرضاً زائلاً. ثم تشقق الكلام في وجوه مختلفة، حتى كاد لا يحصل منه ما يكون تلو المسألة والجواب، ولم أزل أرقى وأنفث، وأغزل وأنكث، حتى نظمت هذا الذي يمر بك في هذا المكان، على تنافر كثير، وتعاند شديد، وبين أول وآخر، وصدر وعجز، وسلامة ودخل، واقباس اقتباس؛ فمن جملة ذلك وحومته أن قيل: هل تصح الأحكام أم لا تصح؟ فكان من محصول الجواب أن قال قائل: الأحكام لا تصح بأسرها، ولا تبطل من أصلها. وتلك ليست بالهوينا، إذا أنعم النظر، ونشط للإصغاء، وصمد نحو الفائدة، بغير متابعة الهوى، وإيثار التعصب، لأن الأمور الموجودة على ضربين: ضرب له الوجود الحق، فالأمور الموجودة بالحق قد أعطت البقية نسبة من جهة الوجود، وارتجعت منها حقيقة ذلك؛ فالحاكم بالاعتبار، الفاحص عن هذه الأسرار، إن أصاب فبنسبة الوجود الذي لهذا العالم السفلي من ذلك العالم العلوي، وإن أخطأ فيما فات هذا العالم السفلي من ذلك العالم العلوي. والإصابة في هذه الأمور السيالة المتبدلة عرض، والإصابة في أمور الفلك جوهر. وقد يكون هناك ما هو كالخطأ، ولكن بالعرض لا بالذات. فلهذا صح بعض الأحكام، وبطل بعض الأحكام. ومما يكون إباداً لهذا الفصل وشاهداً قوياً: أن هذا العالم السفلي مع تبدله في كل حال، واستحالته في كل طرف ولمح، متقبل لذلك العالم العلوي، شوقاً إلى كماله، وعشقاً لجماله، وطلباً للتشبه به، وتحقيقاً بك ما أمكن من شكله، فهو بحق التقبل يعطي هذا العالم السفلي ما يكون مشابهاً للعالم العلوي. ومن هذا الباب تقبل الإنسان الكامل من البشر، من الملك، وتقبل الملك من الباري، وكذلك تقبل الطبيعة للنفس، والنفس للعقل؛ والعقل للباري. قال آخر: وإنما وجب هذا التقبل والتشبه، لأن وجود هذا العالم وجود متهافت مستحيل، لا صورة له ثابتة، ولا شكل دائم، ولا هيئة معروفة. وكان من هذا الوجه فقيراً إلى ما يمده ويشده، وأما سنخه وسوسه فهو موجود ثابت، مقابل لذلك العالم الموجود الثابت. وإنما عرض ما عرض لأن أحدهما مؤثر، والآخر قابل، فبحق هذه المرتبة ما وجد التباين، وبحق تلك المرتبة ما وجد التواصل. وقال آخر: وقد يغفل، مع هذا كله، المنجم اعتبار حركات كثيرة من أجرام مختلفة؛ لأنه يعجز عن نظمها وتقويمها، ومزجها وتسييرها، وتفسير أحوالها، وتحصيل خواصها، مع بعد حركة بعضها، وقرب حركة بعضها، وبطئها وسرعتها، والتفاف صورها، والتباس مقاطعها، وتداخل أشكالها، ومن الحكمة في هذا الإغفال أن الله تقدس إسمه، يتميز