مقابسات نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
امتزج عليه الأمر، وانسد دونه الطلب، وفاته المطلوب، وعزب عنه الرأي؟! هذا ولا خطأ في الحساب، ولا تقصير في الحق، وهذا كي يلاذ بالله عز وحل في الأمور ويعلم أنه مالك الدهور، ومدبر الخلائق، وصاحب الدواعي والعوائق، والعالم على كل نفس، والخاطر عند كل نفسس؛ وأنه إذا شاء نفع، وإذا شاء ضر، وإذا شاء أسقم، وإذا شاء شفى وإذا شاء أغنى، وإذا شاء أفقر، وإذا شاء أحيا، وإذا شاء أمات؛ وأنه كاشف الكربة، والمؤنس في الغربة، وأنه المجلي الغمة، وصارف الأزمة، ليس فوق يده يد، وهو الأحد الصمد، على الأبد والسرمد. وكنت سمعت الحراني الصوفي يقول قديماً بمكة وكان شام شيئاً من الحكمة، وعرف ذرواً من حديث الأوائل فقال: هذه الأمور وإن كانت منوطة بهذه العلويات، مربوطة بالفلكيات، عنها تحدث، ومن جهتها تنبعث، فإن في عرضها ما لا يستحق أن ينسب إلى شيء منها إلا على وجه التقريب. قال: ومثال ذلك، ملك له سلطان واسع، ونعمة جمة، يفرد كل أحد بما هو لائق به، وبما هو ناهض فيه، فيولي مثلاً بيت المال خازناً مليئاً، كافياً شهماً، يفرق على يده، ويجمع على يده، ثم إن هذا الملك قد يضع في هذه الخزانة شيئاً لا علم للخازن به، وقد يخرج منها شيئاً لا يقف الخازن عليه، ويكون هذا منه دليلاً على ملكه واستبدادة، وعلى تصرفه وقدرته. إلى ها هنا كان كلام الحراني، ومثله هذا وإن كان نظيراً للمثل الأول فإنه شاهد له، وجار معه. وقيل أيضاً في عرض الكلام الذي كان بين أولئك المشايخ ما هو زجر عن تعاطي هذا العلم، ومانع عن التحقيق بباب الحكم: لما كان عالم النجوم، وصاحب الشغف بالأحكام، يريد أن يقف على أحداث الزمان في مستقبل الوقت، من خير وشر، وخصب وجدب، وسعادة نحس، وولاية وعزل، ومقام وسفر، وغم وفرح، وفقر ويسار، ومحبة وبغض، وجدة وعدم، وعافية وسقم، وألفة وشتات، وكساد ونفاق، وإصابة وإخفاق، وراحة ومشقة، وقسوة ورقة، وتيسير وتعسير، وتمام وانقطاع، والتئام وانصداع، وافتراق واجتماع، واتصال وإنبتات، وحياة وممات، وهو إنسان ناقص في الأصل، زائد في الفرع، وزيادته في الفرع لا ترفع نقصانه في الأصل، لأن نقصانه بالطبع، وكماله بالعرض، وهو بهذه الحال المحطوطة بالسنخ، المزوقة بالطين، قد بارى باريه، وجاري مجربه، ونازع ربه، وتتبع غيبه، وتوغل علمه، وتخلل حكمه، وعارض مالكه، حرمه الله فائدة هذا العلم، وقصر قوته عن الانتفاع به، والاستثمار من شجرته، وأضافه إلى من لا يحيط بشيء منه، ولا تجلى بشيء في باب القسر والقهر، وجعل غاية سعيه فيه الخيبة، ونهاية علمه منه الحيرة، وسلط عليه في صناعته الظن والحدس، والحيلة والزرق، والكذب والختل.ولو شئت لرويت من ذلك صدراً، وهو مبثوث في الكتب، ومنشور في المجالس، ومتداول بين الناس؛ بذلك وأشباهه حط رتبته، ورده على عقبيه، ليعلم أنه لا يعلم إلا ما علم، وأنه ليس له أن يتمطى بما علم على ما جهل، فإن الله لا شريك له في غيبه، ولا وزير له في ربوبيته، وأنه يؤنس بالعلم ليطاع ويعبد، ويوحش بالجهل ليفزع إليه ويقصدن عز رباً، وجل إلاهاً، وتقدس مشاراً إليه، وتعالى معتمداً عليه. وهذا كما ترى. قال العروضي: قد يقوى هذا العلم في بعض الدهر، حتى يشغف به ويدان بتعلمه، بقوة سماوية وشكل فلكي، فيكثر الاستنباط والبحث، وتستبد العناية والفكر، فتغلب الإصابة حتى يزول الخطأ؛ وقد يضعف هذا العلم في بعض الدهر، فيكثر الخطأ فيه لشكل آخر يقتضي ذلك، وحتى يسقط النظر فيه، ويحرم البحث عنه، ويكون الدين حاظراً لطلبه والحكم به؛ وقد يعتدل الأمر في دهر آخر، حتى يكون الخطأ في وزن الصواب، والصواب في قدر الخطأ، وتكون الدواعي والصوارف متكافئة، ويكون الدين لا يحث على طالبه كل الحظر. قال: وهذا إذا صح تعلق الأمر كله بما يتصل بهذا العلم السفلي من ذلك العالم العلوي، فإذاً الصواب والخطأ محمولان على القوى المنبثة، والأنوار الشائعة، والآثار الرائعة، والعلل الموجبة، والأسباب الموافقة. ورأيت أبا سليمان يرتضى بهذا القول، ويقوي هذا الرأي قال النوشجاني: إنما القوم اختصروا الكلام، وقربوا البغية، فإن الإطالة مصدة عن الفائدة، ومضلة الفطن والفهم. قيل هل تصح الأحكام؟ فقال غلام زحل: ليس عن جواب يتسبب على كل وجه؟ فقيل: ولم بين؟ قال: لأن صحتها وبطلانها متعلقان بآثار الفلك، وقد يقتضي شكل الفلك في زمان أن لا يصح منها شيء وإن غيص على دقائقها، وبلغ إلى أعماقها؛ وقد يزول ذلك الشكل فيجيء زمان لا يبطل منها شيء فيه، وإن قورب في الاستدلال؛ وقد يتحرك هذا الشكل في وقت