وقد اختلفوا في الشعر كيف اتفق لهم ؟فقد قيل : إنه اتفق في الاصل غير مقصود إليه ، على ما يعرض من أصناف النظام في تضاعيف الكلام ، ثم لما استحسنوه واستطابوه ورأوا أنه قد تألفه الاسماع وتقبله النفوس - تتبعوه ( 1 ) من بعد وتعملوه .وحكى لى بعضهم عن أبى عمر : غلام ثعلب عن ثعلب : أن العرب تعلم أولادها قول الشعر بوضع غير معقول ، يوضع على بعض أوزان الشعر كأنه على وزن : قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ويسمون ذلك الوضع " المتير " ( 2 ) واشتقاقه من المتر ، وهو الجذب أو القطع ، يقال : مترت الحبل ، أي ( 3 ) قطعته أو جذبته .ولم يذكر هذه الحكاية عنهم غيره ، فيحتمل ما قاله ( 4 ) .وأما ما وقع السبق إليه فيشبه أن يكون على ما قدمنا ذكره أولا .وقد يحتمل - على قول من قال : إن اللغة اصطلاح - أنهم تواضعوا على هذا الوجه من النظم .وقد يمكن أن يقال مثله على المذهب الآخر ، وأنهم وقفوا على ما يتصرف إليه القولمن وجوه التفاصح ، وتواقفوا ( 5 ) بينهم على ذلك .ويمكن أن يقال : إن التواضع وقع على أصل الباب ، وكذلك التوقيف ، ولم يقع على فنون تصرف الخطاب ، وإن الله تعالى أجرى على لسان بعضهم من النظم ما أجرى ، وفطنوا لحسنه فتتبعوه من بعد ، وبنوا عليه وطلبوه ، ورتبوا فيه المحاسن التى يقع الاطراب ( 6 ) بوزنها ، وتهش النفوس إليها ، وجمع دواعيهم وخواطرهم على استحسان وجوه من ترتيبها ، واختبار طرق نم تنزيلها ، وعرفهم محاسن الكلام ، ودلهم على كل طريقة عجيبة ، ثم أعلمهم عجزهم عن الاتيان [ بمثل ] ( 7 ) القرآن ، [ وأن ] القدر الذى تتناهى إليه قدرهم هو ما لم يخرج عن لغتهم ( 8 ) ،
ولم يشذ من جميع كلامهم ، بل قد عرض في خطابهم ، ووجدوا أن
( 1 ) م : " فتتبعوه . وتعلموه " ( 2 ) م : " الممتر " ( 3 ) س : " بمعنى " ( 4 ) م : " فحمل ما قالوه " ( 5 ) س : " أو تواقفوهم " ( 6 ) س : " الاضطراب بوزنها " ! ( 7 ) س : " الاتيان : بالقرآن " ( 8 ) ا ، م : " هو ما لم يفتهم "