مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيمجرت سنة الله في ابتعاث رسله إلى خلقه ، لتبصيرهم بعظمته وجمعهم على
عبادته ، أن يؤيدهم بأمور حسية تخالف السنن الكونية ، وتشذ عن النواميس الطبيعية ، وتكون من قبيل ما
استحكم في زمانهم ، وغلب على خاصتهم ، وعظم في نفوس عامتهم ، لتكون معجزة الرسول المرسل إليهم مفحمة
لاعجب الامور في أنظارهم ، ومبطلة لاقوى الاشياء في حسبانهم ، ولئلا يجد المبطلون متعلقا يتشبثونبه
، ولا سبيلا يتخذونه إلى اختداع الضعفاء فقد أيد الله جل جلاله موسى عليه السلام - وكان عصره عصر سحر
- بفلق البحر ، وانقلاب العصا حية تسعى ، وانبجاس الحجر الصلد بعيون الماء الرواء .وأيد عيسى عليه السلام - وكان عهده عهد طب - بإبراء الاكمه والابرص وخلق الطير من الطين ، وإحياء
الموتى بإذنه .ولما أرسل رسوله محمدا ، صلى الله عليه وسلم ، إلى الناس أجمعين ، وجعله خاتم النبيين - أيده بمعجزات
حسية كمعجزات من سبقه من المرسلين ، وخصه بمعجزة عقلية خالدة ، وهى إنزال القرآن الكريم ، الذى لو
اجتمعت الانس والجن على أن يأتوا بمثله لم يستطيعوا ولم يقاربوا ، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا .وكان ذلك في زمان سما فيه شأن البيان ، وجلت مكانته في صدور أهله ، وعرفوا باللسن والفصاحة ، وقوة
العارضة في الاعراب عن خوالج النفوس ، والابانة عن مشاعر القلوب .وظل رسول الله صلوات الله عليه ، يتحداهم بما كانوا يعتقدون في أنفسهم القدرة عليه ، والتمكن منه ،
ولم يزل يقرعهم ويعجزهم ، ويكشف عن نقصهم ، حتى استكانوا وذلوا ، وطبع عليهم الخزى بطابعه ، وصاروا
حيال فصاحته في أمر مريج .