اعجاز القرآن نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
وتصنعه
للمطابق كثير حسن ، وتعمقه في وجوه الصنعة على وجه طلب السلامة ، والرغبة في السلاسة ، فلذلك يخرج
سليما من العيب في الاكثر .وأما وقوف الالفاظ به عن تمام الحسنى ، وقعود العبارات عن الغاية القصوى ، فشئ لا بد منه ، وأمر لا
محيص عنه .كيف وقد وقف على من هو أجل منه وأعظم قدرا في هذه الصنعة ، وأكبر في الطبقة ، كامرئ القيس ، وزهير ،
والنابغة ، وابن هرمة ( 1 ) .ونحن نبين تميز كلامهم ، وانحطاط درجة قولهم ، ونزول طبقة نظمهم عن بديع نظم القرآن ، في باب مفرد ،
يتصور به ذو الصنعة ما يجب تصوره ، ويتحقق ( 2 ) وجه الاعجاز فيه ، بمشيئة الله وعونه .ثم رجع الكلام بنا إلى ما قدمناه ، من أنه لا سبيل إلى معرفة إعجاز القرآن من البديع الذى ادعوه في
الشعر ووصفوه فيه .وذلك : أن هذا الفن ليس فيه ما يخرق العادة ، ويخرج عن العرف ، بل يمكن استدراكه بالتعلم والتدرب به
والتصنع له ، كقول الشعر ، ورصف الخطب ، وصناعة الرسالة ، والحذق في البلاغة .وله طريق يسلك ، ووجه يقصد ، وسلم يرتقى فيه إليه ، ومثال قد يقع طالبه عليه .فرب إنسان يتعود أن ينظم جميع كلامه شعرا ، وآخر يتعود ( 3 ) أن يكون جميع خطابه سجعا ، أو صنعة متصلة ،
لا يسقط من كلامه حرفا ( 4 ) ، وقد يتأتى له لما قد تعوده ( 5 ) .وأنت ترى أدباء زماننا يضعون ( 6 ) المحاسن في جزء .وكذلك يؤلفون أنواع البارع ، ثم ينظرون فيه إذا أرادوا إنشاء قصيدة أو خطبة فيحسنون ( 7 ) به كلامهم .ومن كان قد تدرب وتقدم في حفظ ذلك - استغنى عن هذا التصنيف ، ولم يحتج إلى تكلف هذا التأليف ، وكان ما
أشرف عليه من هذا الشأن باسطا من باع كلامه ، وموشحا بأنواع البديع ما يحاوله من قوله .