اعجاز القرآن نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
وقد أدهش القرآن العرب لما سمعوه ، وحير ألبابهم وعقولهم بسحر بيانه ، وروعة معانيه ، ودقة ائتلاف
ألفاظه ومبانيه ، فمنهم من آمن به ومنهم مكفر ، وافترقت كلمة الكافرين على وصفه ، وتباينت في نعته ،
فقال بعضهم ، هو شعر ، وقال فريق : إنه سحر ، وزعمت طائفة أنه أساطير الاولين اكتتبها محمد ، فهى تملى
عليه بكرة وأصيلا ، وذهب قوم أنه إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون .وقال غير هؤلاء وهؤلاء : لو نشاء لقلنا مثل هذا .ولكنهم لم يقولوا هم ولا غيرهم لان تأليف القرآن البديع ، ووصفه الغريب ، ونظمه العجيب ، قد أخذ
عليهم منافذ البيان كلها وقطع أطماعهم في معارضته ، فظلوا مقموعين مدحورين ثلاثة وعشرين عاما ،
يتجرعون مرارة الاخفاق ، ويهطعون لقوارع التبكيت ، وينغضون رؤوسهم تحت مقارع التحدي والتعيير ، مع
أنفتهم وعزتهم ، واستكمال عدتهم وكثرة خطبائهم وشعرائهم ، وشيوع البلاغة فيهم ، والتهاب قلوبهم
بنار عداوته ، وترادف الحوافز إلى مناهضته ، وعرفانهم أن معارضته بسورة واحدة أو آيات يسيرة أنقض
لقوله ، وأفعل في إطفاء أمره ، وأنجع في تحطيم دعوته ، وتفريق الناس عنه - من مناجزته ، ونصبهم الحرب
له ، وإخطارهم بأرواحهم وأموالهم ، وخروجهم عن أوطانهم وديارهم .وقد ندب الله المسلمين إلى تلاوة القرآن ، وقراءة ما تيسر منه ، وحضهم على ادكار معانيه ، وتدبر
أغراضه ومراميه ، ليهتدوا ببصائره وهداه ، وليستضيئوا بأنواره في الحياة ، حتى تكون كلمتهم فيها هي
العليا ، وكلمة الذين كفروا السفلى .فأقبل عليه علماؤهم يتدبرونه ويفسرونه ، ويجلون آياته على أعين الناس لعلهم يشهدون ما فيها من
المنافع لهم ، فيأتمروا حيث أمر ، وينتهوا حيث زجر .وأقبل عليه غيرهم ، من أعدائه وأعدائهم ، فاتبعوا ما تشابه من آيه ابتغاء الفتنة بتأويلها ، وتحريف
كلمه عن مواضعها ، وخيلت لهم أفهامهم الكليلة ، وأذهانهم العليلة ، أن في نظمه فسادا ، وفى أسلوبه
لحنا ، وفى معانيه تناقضا ، وفى نقله اضطرابا ، فنفوا عنه صفة الاعجاز ، وسددوا نحوه المطاعن ، وبثوا
حوله الشكوك .