اعجاز القرآن نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
وكان الناجمون الاولون منهم يخافتون بأقوالهم ، ويجمجمون بآرائهم ، ويستخفون بمذاهبهم
ويصطنعون الحذر والدهاء في كل ما يأتون وما يذرون ، خوفا من بطش الخلفاء الراشدين ، ومن تلاهم من
خلفاء الامويين .وخلف من بعد هؤلاء خلف كانوا أكثر ثقافة ، وأعزر علما ، وأحسن بيانا فأصحروا بآرائهم ، وجاهروا
بمعتقداتهم ، وبثوا شكوكهم في المجالس والاندية ، وسطروها في الكتب والرسائل التى أسرفوا في
تحسينها ، وبالغوا في تزيينها ، وغالوا في انتقاء ورقها ومدادها واستجادة خطها ، ليحسن وقعها في
الانظار ، وتصبو إليها أنفس القراء .وقد ساعدهم على جهرهم هذا ومكن لهم منه ، تبدل الزمان وتغير الحال ، بتسامح الخلفاء في غير ما يمس
سلطانهم ويعرض لدولتهم ، وامتلاك غير العرب لزمام الامور في الدولة ، وانتشار الكتب المترجمة ،
وازدياد اتصال العرب بغيرهم من أهل المذاهب والنحل الاخرى ، وكثرة الجدال بين المذاهب الاسلامية ،
واشتعال نار العداوة بين الفرق الكلامية ولما كثرت المطاعن في القرآن ، وأوشكت الشبهات أن تأخذ
سبيلها إلى نفوس الاغرار والاحداث - : نهض فريق من العلماء يدرءون عنه ، وينافحون دونه ويرمون من
ورائه بالحجج النيرة ، والادلة الواقعة ، فشرعوا أقلامهم لتأليف الكتب والرسائل في الرد عليهم ،
وتبيين مفترياتهم .وفى طليعة هؤلاء أبو محمد عبد الله ابن مسلم بن قتيبة الدينورى ، فقد عمد إلى مطاعنهم فيه فجمعها ،
ثم كر عليها بالنقض في كتابه الجليل : " تأويل مشكل القرآن " وكانت مسألة الاعجاز من أبرز المسائل
التى تعاورها العلماء بالبحث في أثناء تفسيرهم للقرآن ، وردهم على منكري النبوة ، وخوضهم في علم
الكلام ، كعلى بن ربن كاتب المتوكل في كتاب : " الدين والدولة " وكأبي جعفر الطبري في تفسيره : " جامع
البيان عن وجوه تأويل آى القرآن " وكأبي الحسن الاشعري في " مقالات الاسلاميين " وأبى عثمان الجاحظ في
كتاب : " الحجة في تثبيت النبوة "وكان علماء الاعتزال أكثر المثيرين للكلام في إعجاز القرآن ، فقد ذهب
النظام - من بينهم - إلى أن القرآن نفسه غير معجز ، وانما كان إعجازه بالصرفة
وقال " ان الله ما أنزل القرآن ليكون حجة على النبوة ، بل هو كسائر الكتب المنزلة لبيان الاحكام من
الحلال والحرام .