وفي نهج البلاغة في كتابه إلى معاوية " إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر
وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن
يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فان اجتمعوا على رجل وسموه إماما
كان ذلك (لله) رضا " (1) إلى غير ذلك من الروايات.وكيف كان فقد ظهر بالآيات والأخبار المتواترة إجمالا عناية النبي (صلى الله عليه وآله)
واهتمامه بالبيعة التي كانت نحو معاهدة بين الرئيس وأمته، وهكذا أمير المؤمنين
والأئمة من ولده والمسلمون جميعا.والظاهر أنها لم تكن من مخترعات الإسلام، بل كانت من رسوم العرب
وعاداتها الممضاة في الإسلام، بل لعلها كانت معمولا بها في سائر الأمم أيضا. وقد
أكد الكتاب والسنة وجوب الوفاء بها وحرمة نكثها، كما يظهر مما مر.
كلام في ماهية البيعة
لا يخفى أن البيع والبيعة مصدران لباع، وحقيقتهما واحدة، فكما أن البيعمعاملة خاصة تنتج تبادل المالين فكذلك المبايع للرئيس كأنه يجعل ماله
وإمكاناته تحت تصرفه، ويتعهد هو في قبال ذلك بالسعي في إصلاح شؤونه
وتأمين مصالحه.فالذي ينسبق إلى الذهن في ماهية البيعة أنها كانت وسيلة لإنشاء التولية
بعدما تحققت المقاولة والرضا، ولعله المستفاد من كلمات أهل اللغة أيضا.قال الراغب: " بايع السلطان: إذا تضمن بذل الطاعة له بما رضخ له، ويقال
لذلك بيعة ومبايعة " (2).وفي لسان العرب: " والبيعة: الصفقة على إيجاب البيع، وعلى المبايعة
والطاعة. والبيعة: المبايعة والطاعة " (3).
(1) نهج البلاغة، عبده: 3، 8، صالح: 366، الكتاب 6.(2) المفردات للراغب: 66.(3) لسان العرب: 8، 26.