المسألة الثالثة
اعلم أنه تعالى أمر برعاية العدل والإنصاف في هذه الآية ورتب ذلك على أربع مراتب:المرتبة الأولى
قوله: (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) يعني إن رغبتم في استيفاء القصاص فاقنعوا بالمثل ولا تزيدوا عليه، فإن استيفاء الزيادة ظلم والظلم ممنوع منه في عدل الله ورحمته وفي قوله: (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) دليل على أن الأولى له أن لا يفعلن، كما أنك إذا قلت للمريض: إن كنت تأكل الفاكهة فكل التفاح، كان معناه أن الأولى بك أن لا تأكله، فذكر تعالى بطريق الرمز والتعريض على أن الأولى تركه.والمرتبة الثانية
الانتقال من التعريض إلى التصريح وهو قوله: (ولئن صبرتم لهو خير للصابرين) وهذا تصريح بأن الأولى ترك ذلك الانتقام، لأن الرحمة أفضل من القسوة والإنفاع أفضل من الإيلام.
المرتبة الثالثة
وهو ورود الأمر بالجزم بالترك وهو قوله: (واصبر) لأنه في المرتبة الثانية ذكر أن الترك خير وأولى، وفي هذه المرتبة الثالثة صرح بالأمر بالصبر، ولما كان الصبر في هذا المقام شاقا شديدا ذكر بعده ما يفيد سهولته فقال: (وما صبرك إلا بالله) أي بتوفيقه ومعونته وهذا هو السبب الكلي الأصلي المفيد في حصول الصبر وفي حصول جميع أنواع الطاعات. ولما ذكر هذا السبب الكلي الأصلي ذكر بعده ما هو السبب الجزئي القريب فقال: (ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون) وذلك لأن إقدام الإنسان على الانتقام، وعلى إنزال الضرر بالغير لا يكون إلا عند هيجان الغضب، وشدة الغضب لا تحصل إلا لأحد أمرين: أحدهما: فوات نفع كان حاصلا في الماضي وإليه الإشارة بقوله: (ولا تحزن عليهم) قيل معناه: ولا تحزن على قتلى أحد، ومعناه لا تحزن بسبب فوت أولئك الأصدقاء.ويرجع حاصله إلى فوت النفع.
والسبب الثاني
لشدة الغضب توقع ضرر في المستقبل، وإليه الإشارة بقوله: (ولا تك في ضيق مما يمكرون)ومن وقف على هذه اللطائف عرف أنه لا يمكن كلام أدخل في حسن والضبط من هذا الكلام بقي في لفظ الآية مباحث: