نظرة فيما استدل به الجمهور من الأخبار
أما بالنسبة إلى ما رووه عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقد تقدم ما أشرنا إليه سابقا منمراحل التحريف في ذلك الخبر، فهذه آخر مرحلة من مراحل التحريف فيه، فبعد
أن اكتسب المحرفون المهارة والتجارب من المراحل القبلية، حرفوها بشكل
كامل. فراجع الخبر بأسانيده كي يتضح لك الأمر.وأما بالنسبة إلى خبر المغيرة بن شعبة، فلا شك أنه كان قبل نزول المائدة، لأن
القصة كانت في غزوة تبوك (1).وأما بالنسبة إلى خبر سعد، فسترى إنكار عمار بن ياسر عليه ثم المحاكمة إلى
عمر بن الخطاب وحل المشكلة من قبل أمير المؤمنين (عليه السلام) كما في خبر، وإنكار
عبد الله بن عمر عليه ثم المحاكمة إلى الخليفة وحل المسألة من قبل عبد الله بن
عباس (رضي الله عنه)، كما في خبر آخر.وأما بالنسبة إلى خبر بلال، فلا يبعد أن يكون عدم نزع النبي (صلى الله عليه وآله) لخفيه ومسحه
على قدميه فيهما، وبعد بلال منه سببا لتوهم بلال أنه يمسح على خفيه كتوهمه في
المسح على العمامة، كما قال جابر (رضي الله عنه): (رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) حسر العمامة عن
رأسه ومسح على ناصيته، وكان بلال بعيدا منه، فظن أنه مسح على العمامة حين
لم يضعها عن رأسه) (2).وأما على العموم، فنقول:
أولا
إن جميع أخبارهم في المسح كان قبل نزول المائدة، لأنه قد ثبت عن أميرالمؤمنين (عليه السلام) وابن عباس (رضي الله عنه) وعائشة وغيرهم أن النبي (صلى الله عليه وآله) ما مسح بعد ما أنزلت
المائدة، كما يأتي عن قريب.
وثانيا
لا يبعد أن يكون النبي (صلى الله عليه وآله) مسح على خفيه لأجل إزالة الغبار منهما.ويؤيده ما رواه مسلم عن المغيرة بن شعبة، قال: كنت مع النبي (صلى الله عليه وآله)... فتوضأوضوءه للصلاة، ثم مسح على الخفين (3). فإن ظاهر الخبر أن المسح كان بعد إتمام
وضوئه الذي توضأه للصلاة.
(1) سنن الدارقطني 1: 195 وسنن النسائي 1: 62.(2) المبسوط (السرخسي) 1: 101.(3) صحيح مسلم 1: 140 / 77.