القول في سورة طه
(بسم الله الرحمن الرحيم)قوله تعالى (طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلا تذكرة لمن يخشى) قال (ويحتمل أن يكون المعنى إنا أنزلنا
عليك القرآن لتحتمل الخ) قال أحمد: وفى هذا الوجه الثاني بعد، فإن كون الشقاء سببا في نزوله عكس
الأول، وإن لم تكن اللام سببية فكانت للصيرورة مثلا ولم يكن فيه ما جرت عادة الله تعالى به مع نبيه صلى الله عليه وسلم
من نهيه عن الشقاء والحزن عليهم وضيق الصدر بهم وكان مضمون هذه الآية متباينا عن قوله تعالى - فلا يكن
في صدرك حرج - فلعلك باخع نفسك على آثارهم - ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر - وأمثاله كثيرة، فالظاهر
والله أعلم هو التأويل الأول.قوله عز وجل (فإنه يعلم السر وأخفى) قال (هو أفعل التفضيل ومنهم من قال إن أخفى فعل ماض الخ) قال أحمد:
لا يخفى أن جعله فعلا قاصرا لفظا ومعنى أما لفظا فإنه يلزم منه عطف الجملة الفعلية على الاسمية إن كان المعطوف
عليه الجملة الكبرى، أو عطف الماضي على المضارع إن كان المعطوف عليه الصغرى، وكلاهما دون الأحسن،
وأما معنى فإن المقصود الحض على ترك الجهر بإسقاط فائدته من حيث إن الله تعالى يعلم السر وما هو أخفى منه،
فكيف يبقى للجهر فائدة، وكلاهما على هذا التأويل مناسب لترك الجهر، وأما إذا جعل فعلا فيخرج عن مقصود
السياق وإن اشتمل على فائدة أخرى وليس هذا كقوله تعالى - يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما -
لأن بين السياقين اختلافا، والله سبحانه وتعالى أعلم.