6 سورة الأنعام - 151 - 157 - تفسیر المیزان جلد 7

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تفسیر المیزان - جلد 7

سیدمحمد حسین طباطبائی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید




6 سورة الأنعام - 151 - 157

قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرّمَ رَبّكمْ عَلَيْكمْ أَلا تُشرِكُوا بِهِ شيْئاً وَ بِالْوَلِدَيْنِ إِحْسناً وَ لا تَقْتُلُوا أَوْلَدَكم مِّنْ إِمْلَقٍ نحْنُ نَرْزُقُكمْ وَ إِيّاهُمْ وَ لا تَقْرَبُوا الْفَوَحِش مَا ظهَرَ مِنْهَا وَ مَا بَطنَ وَ لا تَقْتُلُوا النّفْس الّتى حَرّمَ اللّهُ إِلا بِالْحَقِّ ذَلِكمْ وَصاكُم بِهِ لَعَلّكمْ تَعْقِلُونَ (151) وَ لا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالّتى هِىَ أَحْسنُ حَتى يَبْلُغَ أَشدّهُ وَ أَوْفُوا الْكيْلَ وَ الْمِيزَانَ بِالْقِسطِ لا نُكلِّف نَفْساً إِلا وُسعَهَا وَ إِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَ لَوْ كانَ ذَا قُرْبى وَ بِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُوا ذَلِكمْ وَصاكُم بِهِ لَعَلّكمْ تَذَكّرُونَ (152) وَ أَنّ هَذَا صرَطِى مُستَقِيماً فَاتّبِعُوهُ وَ لا تَتّبِعُوا السبُلَ فَتَفَرّقَ بِكُمْ عَن سبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصاكُم بِهِ لَعَلّكمْ تَتّقُونَ (153) ثُمّ ءَاتَيْنَا مُوسى الْكِتَب تَمَاماً عَلى الّذِى أَحْسنَ وَ تَفْصِيلاً لِّكلِّ شىْءٍ وَ هُدًى وَ رَحْمَةً لّعَلّهُم بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (154) وَ هَذَا كِتَبٌ أَنزَلْنَهُ مُبَارَكٌ فَاتّبِعُوهُ وَ اتّقُوا لَعَلّكُمْ تُرْحَمُونَ (155) أَن تَقُولُوا إِنّمَا أُنزِلَ الْكِتَب عَلى طائفَتَينِ مِن قَبْلِنَا وَ إِن كُنّا عَن دِرَاستهِمْ لَغَفِلِينَ (156) أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَب لَكُنّا أَهْدَى مِنهُمْ فَقَدْ جَاءَكم بَيِّنَةٌ مِّن رّبِّكمْ وَ هُدًى وَ رَحْمَةٌ فَمَنْ أَظلَمُ مِمّن كَذّب بِئَايَتِ اللّهِ وَ صدَف عَنهَا سنَجْزِى الّذِينَ يَصدِفُونَ عَنْ ءَايَتِنَا سوءَ الْعَذَابِ بِمَا كانُوا يَصدِفُونَ (157)

بيان


تبين الآيات المحرمات العامة التي لا تختص بشريعة من الشرائع الإلهية، و هي الشرك بالله، و ترك الإحسان بالوالدين، و اقتراف الفواحش، و قتل النفس المحترمة بغير حق و يدخل فيه قتل الأولاد خشية إملاق و اقتراب مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن و عدم إيفاء الكيل و الميزان بالقسط، و الظلم في القول، و عدم الوفاء بعهد الله، و اتباع غير سبيل الله المؤدي إلى الاختلاف في الدين.


و من شواهد أنها شرائع عامة أنا نجدها فيما نقله الله سبحانه من خطابات الأنبياء أممهم في تبليغاتهم الدينية كالذي نقل من نوح و هود و صالح و إبراهيم و لوط و شعيب و موسى و عيسى و غيرهم (عليهم السلام)، و قد قال تعالى: "شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا و الذي أوحينا إليك و ما وصينا به إبراهيم و موسى و عيسى أن أقيموا الدين و لا تتفرقوا فيه": الشورى: 13 و من ألطف الإشارة التعبير عما أوتي نوح و إبراهيم و موسى و عيسى (عليهما السلام) بالتوصية ثم التعبير في هذه الآيات الثلاث التي تقص أصول المحرمات الإلهية أيضا بالتوصية حيث قال: "ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون" "ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون" "ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون".


على أن التأمل فيها يعطي أن الدين الإلهي لا يتم أمره و لا يستقيم حاله بدون شيء منها و إن بلغ من الإجمال و البساطة ما بلغ و بلغ الإنسان المنتحل به من السذاجة ما بلغ.


قوله تعالى: "قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا" قيل: تعال مشتق من العلو و هو أمر بتقدير أن الأمر في مكان عال و إن لم يكن الأمر على ذلك بحسب الحقيقة، و التلاوة قريب المعنى من القراءة، و قوله: "عليكم" متعلق بقوله: "أتل" أو قوله: "حرم" على طريق التنازع في المتعلق، و ربما قيل: إن "عليكم" اسم فعل بمعنى خذوا و قوله: "ألا تشركوا" معموله و النظم: عليكم أن لا تشركوا به شيئا و بالوالدين إحسانا "إلخ"، و هو خلاف ما يسبق إلى الذهن من السياق.


و لما كان قوله: "تعالوا أتل ما حرم" إلخ، دعوة إلى التلاوة وضع في الكلام عين ما جاء به الوحي في مورد المحرمات من النهي في بعضها و الأمر بالخلاف في بعضها الآخر فقال: "ألا تشركوا به شيئا" كما قال: "و لا تقتلوا أولادكم من إملاق" "و لا تقربوا الفواحش" إلخ، و قال: "و بالوالدين إحسانا" كما قال: "و أوفوا الكيل و الميزان" "و إذا قلتم فاعدلوا" إلخ.


و قد قدم الشرك على سائر المحرمات لأنه الظلم العظيم الذي لا مطمع في المغفرة الإلهية معه قال: "إن الله لا يغفر أن يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء": النساء: 48 و إليه ينتهي كل معصية كما ينتهي إلى التوحيد بوجه كل حسنة.


قوله تعالى: "و بالوالدين إحسانا" أي أحسنوا بالوالدين إحسانا، و في المجمع:، أي و أوصى بالوالدين إحسانا، و يدل على ذلك أن في "حرم كذا" معنى أوصى بتحريمه و أمر بتجنبه.


انتهى.


و قد عد في مواضع من القرآن الكريم إحسان الوالدين تاليا للتوحيد و نفي الشرك فأمر به بعد الأمر بالتوحيد أو النهي عن الشرك به كقوله: "و قضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه و بالوالدين إحسانا": الإسراء: 23 و قوله: "و إذ قال لقمان لابنه و هو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم و وصينا الإنسان بوالديه": لقمان: 14 و غير ذلك من الآيات.


و يدل ذلك على أن عقوق الوالدين من أعظم الذنوب أو هو أعظمها بعد الشرك بالله العظيم، و الاعتبار يهدي إلى ذلك فإن المجتمع الإنساني الذي لا يتم للإنسان دونه حياة و لا دين هو أمر وضعي اعتباري لا يحفظه في حدوثه و بقائه إلا حب النسل الذي يتكىء على رابطة الرحمة المتكونة في البيت القائمة بالوالدين من جانب و بالأولاد من جانب آخر، و الأولاد إنما يحتاجون إلى رحمتهما و إحسانهما في زمان تتوق أنفسهما إلى نحو الأولاد بحسب الطبع، و كفى به داعيا و محرضا لهما إلى الإحسان إليهم بخلاف حاجتهم إلى رأفة الأولاد و رحمتهم فإنها بالطبع يصادف كبرهما و يوم عجزهما عن الاستقلال بالقيام بواجب حياتهما و شباب الأولاد و قوتهم على ما يعنيهم.


و جفاء الأولاد للوالدين و عقوقهم لهما يوم حاجتهما إليهم و رجائهما منهم و انتشار ذلك بين النوع يؤدي بالمقابلة إلى بطلان عاطفة التوليد و التربية، و يدعو ذلك من جهة إلى ترك التناسل و انقطاع النسل، و من جهة إلى كراهية تأسيس البيت و التكاهل في تشكيل المجتمع الصغير، و الاستنكاف عن حفظ سمة الأبوة و الأمومة، و ينجر إلى تكون طبقة من الذرية الإنسانية لا قرابة بينهم و لا أثر من رابطة الرحم فيهم، و يتلاشى عندئذ أجزاء المجتمع، و يتشتت شملهم، و يتفرق جمعهم، و يفسد أمرهم فسادا لا يصلحه قانون جار و لا سنة دائرة، و يرتحل عنهم سعادة الدنيا و الآخرة، و سنقدم إليك بحثا ضافيا في هذه الحقيقة الدينية إن شاء الله.


قوله تعالى: "و لا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم و إياهم" الإملاق الإفلاس من المال و الزاد و منه التملق، و قد كان هذا كالسنة الجارية بين العرب في الجاهلية لتسرع الجدب و القحط إلى بلادهم فكان الرجل إذا هدده الإفلاس بادر إلى قتل أولاده تأنفا من أن يراهم على ذلة العدم و الجوع.


و قد علل النهي بقوله: "نحن نرزقكم و إياهم" أي إنما تقتلونهم مخافة أن لا تقدروا على القيام بأمر رزقهم و لستم برازقين لهم بل الله يرزقكم و إياهم جميعا فلا تقتلوهم.


قوله تعالى: "و لا تقربوا الفواحش ما ظهر منها و ما بطن" الفواحش جمع فاحشة و هي الأمر الشنيع المستقبح، و قد عد الله منها في كلامه الزنا و اللواط و قذف المحصنات، و الظاهر أن المراد مما ظهر و مما بطن العلانية و السر كالزنا العلني و اتخاذ الأخدان و الأخلاء سرا.


و في استباحة الفاحشة إبطال فحشها و شناعتها، و في ذلك شيوعها لأنها من أعظم ما تتوق إليه النفس الكارهة لأن يضرب عليها بالحرمان من ألذ لذائذها و تحجب عن أعجب ما تتعلق به و تعزم به شهوتها، و في شيوعها انقطاع النسل و بطلان المجتمع البيتي و في بطلانه بطلان المجتمع الكبير الإنساني، و سوف نستوفي هذا البحث إن شاء الله فيما يناسبه من المحل.


و كذلك استباحة القتل و ما في تلوه من الفحشاء إبطال للأمن العام و في بطلانه انهدام بنية المجتمع الإنساني و تبدد أركانه.


قوله تعالى: "و لا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق" أي حرم الله قتلها أو حرمها بالحرمة المشرعة لها التي تقيها و تحميها من الضيعة في دم أو حق، قيل: إنه تعالى أعاد ذكر القتل و إن كان داخلا في الفواحش تفخيما لشأنه و تعظيما لأمره، و نظيره الكلام في قتل الأولاد خشية الإملاق اختص بالذكر عناية به، و قد كانت العرب تفعل ذلك بزعمهم أن خشية الإملاق تبيح للوالد أن يقتل أولاده، و يصان به ماء وجهه من الابتذال، و الأبوة عندهم من أسباب الملك.


و قد استثنى الله تعالى من جهة قتل النفس المحترمة التي هي نفس المسلم و المعاهد قتلها بالحق و هو القتل بالقود و الحد الشرعي.


ثم أكد تحريم المذكورات في الآية بقوله: "ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون" سيجيء الوجه في تعليل هذه المناهي الخمس بقوله: "لعلكم تعقلون".


قوله تعالى: "و لا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده" النهي عن القرب للدلالة على التعميم فلا يحل أكل ماله و لا استعماله و لا أي تصرف فيه إلا بالطريقة التي هي أحسن الطرق المتصورة لحفظه، و يمتد هذا النهي و تدوم الحرمة إلى أن يبلغ أشده فإذا بلغ أشده لم يكن يتيما قاصرا عن إدارة ماله و كان هو المتصرف في مال نفسه من غير حاجة بالطبع إلى تدبير الولي لماله.


و من هنا يظهر أن المراد ببلوغه أشده هو البلوغ و الرشد كما يدل عليه أيضا قوله: "و ابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم و لا تأكلوها إسرافا و بدارا أن يكبروا": النساء: 6.


و يظهر أيضا أنه ليس المراد بتحديد حرمة التصرف في مال اليتيم بقوله: "حتى يبلغ أشده" رفع الحرمة بعد بلوغ الأشد و إباحة التصرف حينئذ بل المراد بيان الوقت الذي يصلح للاقتراب من ماله، و ارتفاع الموضوع بعده فإن الكلام في معنى: و أصلحوا مال اليتيم الذي لا يقدر على إصلاح ماله و إنمائه حتى يكبر و يقدر.


قوله تعالى: "و أوفوا الكيل و الميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها" الإيفاء بالقسط هو العمل بالعدل فيهما من غير بخس، و قوله: "لا نكلف نفسا إلا وسعها" بمنزلة دفع الدخل كأنه قيل: إن الإيفاء بالقسط و الوقوع في العدل الحقيقي الواقعي لا يمكن للنفس الإنسانية التي لا مناص لها عن أن تلتجىء في أمثال هذه الأمور إلى التقريب فأجيب بأنا لا نكلف نفسا إلا وسعها، و من الجائز أن يتعلق قوله: "لا نكلف نفسا إلا وسعها" بالحكمين جميعا أعني قوله: "و لا تقربوا مال اليتيم" إلخ، و قوله: "و أوفوا الكيل و الميزان".


قوله تعالى: "و إذا قلتم فاعدلوا و لو كان ذا قربى" ذكر ذي القربى و هو الذي تدعو عاطفة القرابة و الرحم إلى حفظ جانبه و صيانته من وقوع الشر و الضرر في نفسه و ماله يدل على أن المراد بالقول هو القول الذي يمكن أن يترتب عليه انتفاع الغير أو تضرره كما أن ذكر العدل في القول يؤيد ذلك، و يدل على أن هناك ظلما، و أن القول متعلق ببعض الحقوق كالشهادة و القضاء و الفتوى و نحو ذلك.


فالمعنى: و راقبوا أقوالكم التي فيها نفع أو ضرر للناس و اعدلوا فيها، و لا يحملنكم رحمة أو رأفة أو أي عاطفة على أن تراعوا جانب أحد فتحرفوا الكلام و تجاوزوا الحق فتشهدوا أو تقضوا بما فيه رعاية لجانب من تحبونه و إبطال حق من تكرهونه.


قال في المجمع:، و هذا من الأوامر البليغة التي يدخل فيها مع قلة حروفها الأقارير و الشهادات، و الوصايا و الفتاوى، و القضايا، و الأحكام، و المذاهب، و الأمر بالمعروف، و النهي عن المنكر.


قوله تعالى: "و بعهد الله أوفوا" قال الراغب في المفردات،: العهد حفظ الشيء و مراعاته حالا بعد حال.


انتهى.


و لذا يطلق على الفرامين و التكاليف المشرعة و الوظائف المحولة و على العهد الذي هو الموثق و على النذر و اليمين.


و كثرة استعماله في القرآن الكريم في الفرامين الإلهية، و إضافته في الآية إلى الله سبحانه، و مناسبة المورد و فيه بيان الأحكام و الوصايا الإلهية العامة كل ذلك يؤيد أن يكون المراد بقوله: "و بعهد الله أوفوا" التكاليف الدينية الإلهية، و إن كان من الممكن أن يكون المراد بالعهد هو الميثاق المعقود بمثل قولنا: عاهدت الله على كذا و كذا، قال تعالى: "و أوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا": الإسراء: 34 فيكون إضافته إلى الله نظير إضافة الشهادة إليه في قوله: "و لا نكتم شهادة الله": المائدة: 106 للإشارة إلى أن المعاملة فيه معه سبحانه.


ثم أكد التكاليف المذكورة في الآية بقوله: "ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون".


قوله تعالى: "و أن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه و لا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله" إلى آخر الآية، قرىء: "و أن" بفتح الهمزة و تشديد النون و تخفيفها و كأنه بالعطف على موضع قوله: "ألا تشركوا به شيئا" و قرىء بكسر الهمزة على الاستئناف.


و الذي يعطيه سياق الآيات أن يكون مضمون هذه الآية أحد الوصايا التي أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يتلوها عليهم و يخبرهم بها حيث قيل: "قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم"، و لازم ذلك أن يكون قوله: "و أن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه" مسوقا لا لتعلق الغرض به بنفسه لأن كليات الدين قد تمت في الآيتين السابقتين عليه بل ليكون توطئة و تمهيدا لقوله بعده: "و لا تتبعوا السبل" كما أن هذه الجملة بعينها كالتوطئة لقوله: "فتفرق بكم عن سبيله" فالمراد بالآية أن لا تتفرقوا عن سبيله و لا تختلفوا فيه، فتكون الآية مسوقة سوق قوله: "شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا و الذي أوحينا إليك و ما وصينا به إبراهيم و موسى و عيسى أن أقيموا الدين و لا تتفرقوا فيه": الشورى: 13 فالأمر في الآية بإقامة الدين هو ما وصى من الدين المشروع كأنه أعيد ليكون تمهيدا للنهي عن التفرق بالدين.


فالمعنى: و مما حرم ربكم عليكم و وصاكم به أن لا تتبعوا السبل التي دون هذا الصراط المستقيم الذي لا يقبل التخلف و الاختلاف و هي غير سبيل الله فإن اتباع السبل دونه يفرقكم عن سبيله فتختلفون فيه فتخرجون من الصراط المستقيم إذ الصراط المستقيم لا اختلاف بين أجزائه و لا بين سالكيه.


و مقتضى ظاهر السياق أن يكون المراد بقوله: "صراطي" صراط النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فإنه هو الذي يخاطب الناس بهذه التكاليف عن أمر من ربه إذ يقول: "قل تعالوا أتل" إلخ، فهو المتكلم معهم المخاطب لهم، و لله سبحانه في الآيات مقام الغيبة حتى في ذيل هذه الآية إذ يقول: "فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به" و لا ضير في نسبة الصراط المستقيم إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد نسب الصراط المستقيم إلى جمع من عباده الذين أنعم الله عليهم من النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين في قوله: "اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم": الحمد: 7.


لكن المفسرين كأنهم تسلموا أن ضمير التكلم في قوله: "صراطي" لله سبحانه ففي الآية نوع من الالتفات لكن لا في قوله: "صراطي" بل في قوله: "عن سبيله" فإن معنى الآية: تعالوا أتل عليكم ما وصاكم به ربكم و هو أنه يقول لكم: "إن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه" أو وصيته "إن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه و لا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيلي" فالالتفات - كما مر - إنما هو في قوله: "عن سبيله".


و كيف كان فهو تعالى في الآية يسمي ما ذكره من كليات الدين بأنه صراطه المستقيم الذي لا تخلف في هداية سالكيه و إيصالهم إلى المقصد و لا اختلاف بين أجزائه و لا بين سالكيه ما داموا عليه فلا يتفرقون البتة ثم ينهاهم عن اتباع سائر السبل فإن من شأنها إلقاء الخلاف و التفرقة لأنها طرق الأهواء الشيطانية التي لا ضابط يضبطها بخلاف سبيل الله المبني على الفطرة و الخلقة و لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم.


ثم أكد سبحانه حكمه في الآية بقوله: "ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون".


و قد اختلفت الخواتيم في الآيات الثلاث فختمت الآية الأولى بقوله: "ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون" و الثانية بقوله: "ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون" و الثالثة بقوله: "ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون".


و لعل الوجه في ذلك أن الأمور المذكورة في الآية الأولى و هي الشرك بالله العظيم و عقوق الوالدين و قتل الأولاد من إملاق و قربان الفواحش الشنيعة و قتل النفس المحترمة من غير حق مما تدرك الفطرة الإنسانية حرمتها في بادىء نظرها و لا يجترىء عليها الإنسان الذي يتميز من سائر الحيوان بالعقل إلا إذا اتبع الأهواء و أحاطت به العواطف المظلمة التي تضرب بحجاب ثخين دون العقل.


فمجرد الاعتصام بعصمة العقل في الجملة و الخروج عن خالصة الأهواء يكشف للإنسان عن حرمتها و شآمتها على الإنسان بما هو إنسان، و لذلك ختمت بقوله: "ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون".


و ما ذكر منها في الآية الثانية و هي الاجتناب عن مال اليتيم، و إيفاء الكيل و الميزان بالقسط، و العدل في القول، و الوفاء بعهد الله أمور ليست بمثابة ما تليت في الآية الأولى من الظهور بل يحتاج الإنسان مع تعبيه بالعقل في إدراك حالها إلى التذكر و هو الرجوع إلى المصالح و المفاسد العامة المعلومة عند العقل الفطري حتى يدرك ما فيها من المفاسد الهادمة لبنيان مجتمعه المشرفة به و بسائر بني نوعه إلى التهلكة فما ذا يبقى من الخير في مجتمع إنساني لا يرحم فيه الصغير و الضعيف، و يطفف فيه الكيل و الوزن، و لا يعدل فيه في الحكم و القضاء، و لا يصغى فيه إلى كلمة الحق، و لهذه النكتة ختمت الآية بقوله: "ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون".


و الغرض المسوق له الآية الثالثة هو النهي عن التفرق و الاختلاف في الدين باتباع سبل غير سبيل الله، و اتباع هاتيك السبل من شأنه أن التقوى الديني لا يتم إلا بالاجتناب عنه.


و ذلك أن التقوى الديني إنما يحصل بالتبصر في المناهي الإلهية و الورع عن محارمه بالتعقل و التذكر، و بعبارة أخرى بالتزام الفطرة الإنسانية التي بني عليها الدين، و قد قال تعالى: "و نفس و ما سواها فألهمها فجورها و تقواها": الشمس: 8 و قد وعد الله المتقين إن اتقوا يمددهم بما يتضح به سبيلهم و يفرق به بين الحق و الباطل عندهم فقال: "و من يتق الله يجعل له مخرجا": الطلاق: 2 و قال: "إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا": الأنفال: 29.


فهو على صراط التقوى ما دام ملازما لطريق التعقل و التذكر جاريا على مجرى الفطرة، و إذا انحرف إلى الخارج من هذا الصراط و ليس إلا اتباع الأهواء و الإخلاد إلى الأرض و الاغترار بزينة الحياة الدنيا جذبته الأهواء و العواطف إلى الاسترسال و العكوف على مخالفة العقل السليم و ترك التقوى الديني من غير مبالاة بما يهدده من شؤم العاقبة كالسكران لا يدري ما يفعل و لا ما يفعل به.


و الأهواء النفسانية مختلفة لا ضابط يضبطها و لا نظام يحكم عليها يجتمع فيه أهلها و لذلك لا تكاد ترى اثنين من أهل الأهواء يتلازمان في طريق أو يتصاحبان إلى غاية، و قد عد الله سبحانه لهم في كلامه سبلا شتى كقوله: "و لتستبين سبيل المجرمين": الأنعام: 55 و قوله: "و لا تتبع سبيل المفسدين": الأعراف: 142 و قوله: "و لا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون": يونس: 89 و قوله في المشركين: "إن يتبعون إلا الظن و ما تهوى الأنفس و لقد جاءهم من ربهم الهدى": النجم: 23 و أنت إن تتبعت آيات الهدى و الضلال و الاتباع و الإطاعة وجدت في هذا المعنى شيئا كثيرا.


و بالجملة التقوى الديني لا يحصل بالتفرق و الاختلاف، و الورود في أي مشرعة شرعت، و السلوك من أي واد لاح لسالكه بل بالتزام الصراط المستقيم الذي لا تخلف فيه و لا اختلاف فذلك هو الذي يرجى معه التلبس بلباس التقوى، و لذلك عقب الله سبحانه قوله: "و لا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله" بقوله: "ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون".


و قال في روح المعاني: و ختمت الآية الأولى بقوله سبحانه: "لعلكم تعقلون" و هذه - يعني الثانية - بقوله: "لعلكم تذكرون" لأن القوم كانوا مستمرين على الشرك و قتل الأولاد و قربان الزنا و قتل النفس المحرمة بغير حق غير مستنكفين و لا عاقلين قبحها فنهاهم لعلهم يعقلون قبحها فيستنكفوا عنها و يتركوها، و أما حفظ أموال اليتامى عليهم و إيفاء الكيل و العدل في القول و الوفاء بالعهد فكانوا يفعلونه و يفتخرون بالاتصاف به فأمرهم الله تعالى بذلك لعلهم يذكرون إن عرض لهم نسيان، قاله القطب الرازي.


انتهى.


و أنت خبير بأن الذي ذكره من اتصافهم بحفظ أموال اليتامى و إيفاء الكيل و العدل في القول لا يوافق ما ضبط التاريخ من خصال عرب الجاهلية، على أن الذي فسر به التذكر إنما هو معنى الذكر دون التذكر في عرف القرآن.


ثم قال: و قال الإمام - يعني الرازي - في التفسير الكبير:، السبب في ختم كل آية بما ختمت أن التكاليف الخمسة المذكورة في الآية الأولى ظاهرة جلية فوجب تعقلها و تفهمها و التكاليف الأربعة المذكورة في هذه الآية - يعني الثانية - أمور خفية غامضة لا بد فيها من الاجتهاد و الفكر الكثير حتى يقف على موضوع الاعتدال و هو التذكر.


انتهى.


و ما ذكره من الوجه قريب المأخذ مما قدمناه غير أن الأمور الأربعة المذكورة في الآية الثانية مما يناله الإنسان بأدنى تأمل، و ليست بذلك الخفاء و الغموض الذي وصفه، و لذا التجأ إلى إرجاع التذكر إلى الوقوف على حد الاعتدال فيها دون أصلها فأفسد بذلك معنى الآية فإن مقتضى السياق رجوع رجاء التذكر إلى أصل ما وصى به فيها، و الذي يحتاج منها بحسب الطبع إلى الوقوف حد اعتداله هما الأمران الأولان أعني قربان مال اليتيم و إيفاء الكيل و الوزن، و قد تدورك أمرهما بقوله: "لا نكلف نفسا إلا وسعها" فافهم ذلك.


ثم قال في الآية الثالثة: قال أبو حيان: و لما كان الصراط المستقيم هو الجامع للتكاليف و أمر سبحانه باتباعه و نهى عن اتباع غيره من الطرق ختم ذلك بالتقوى التي هي اتقاء النار إذ من اتبع صراطه نجا النجاة الأبدية، و حصل على السعادة السرمدية انتهى.


و هو مبني على جعل الأمر باتباع الصراط المستقيم في الآية مما تعلق به القصد بالأصالة و قد تقدم أن مقتضى السياق كونه مقدمة للنهي عن التفرق باتباع السبل الأخرى.


و توطئة لقوله: "و لا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله".


قوله تعالى: "ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن" إلى آخر الآية، لما كان ما ذكره و وصى به من كليات الشرائع تكاليف مشرعة عامة لجميع ما أوتي الأنبياء من الدين، و هي أمور كلية مجملة صحح ذلك الالتفات إلى بيان أنه تعالى بعد ما شرعها للجميع إجمالا فصلها حيث اقتضت تفصيلها لموسى (عليه السلام) أولا فيما أنزل عليه من الكتاب، و للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثانيا فيما أنزله عليه من كتاب مبارك فقال تعالى: "ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن و تفصيلا لكل شيء" إلخ.


فمعنى الآية: أنا بعد ما شرعنا من إجمال الشرائع الدينية آتينا موسى الكتاب تماما تتم به نقيصة من أحسن منهم من حيث الشرع الإجمالي و تفصيلا يفصل به كل شيء من فروع هذه الشرائع الإجمالية مما يحتاج إليه بنو إسرائيل و هدى و رحمة لعلهم بلقاء ربهم يؤمنون.


هذا هو الذي يعطيه سياق الآية المتصل بسياق الآيات الثلاث السابقة.


فقوله: "ثم آتينا موسى الكتاب" رجوع إلى السياق السابق الذي قبل قوله: "قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم" الآيات، و هو خطاب الله لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) بصيغة المتكلم مع الغير، و قد أفيد بالتأخير المستفاد من لفظة "ثم" أن هذا الكتاب إنما أنزل ليكون تماما و تفصيلا للإجمال الذي في تلك الشرائع العامة الكلية.


و قد وجه المفسرون قوله: "ثم آتينا موسى الكتاب" بوجوه غريبة: منها: أن في الكلام حذفا و التقدير: ثم قل يا محمد آتينا موسى الكتاب.


و منها: أن التقدير: ثم أخبركم أن موسى أعطي الكتاب.


و منها: أن التقدير: ثم أتل عليكم: آتينا موسى الكتاب.


و منها: أنه متصل بقوله في قصة إبراهيم: "و وهبنا له إسحاق و يعقوب" و النظم: "و وهبنا له إسحاق و يعقوب ثم آتينا موسى الكتاب".


و الذي دعاهم إلى هذه التكلفات أن التوراة قبل القرآن و لفظة "ثم" تقتضي التراخي و لازمه نزول التوراة بعد القرآن و قد قيل قبل ذلك: "قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم".


و ما تقدم من البيان يكفيك مئونة هذه الوجوه.


و قوله: "تماما على الذي أحسن" يبين أن إنزال الكتاب لتتم به نقيصة الذين أحسنوا من بني إسرائيل في العمل بهذه الشرائع الكلية العامة، و قد قال تعالى في قصة موسى بعد نزول الكتاب: "و كتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة و تفصيلا لكل شيء فخذها بقوة و أمر قومك يأخذوا بأحسنها": الأعراف: 145 و قال: "و ادخلوا الباب سجدا و قولوا حطة نغفر لكم خطاياكم و سنزيد المحسنين": البقرة: 58 و على هذا فالموصول في قوله: "على الذي أحسن" يفيد الجنس.


و قد ذكروا في معنى الجملة وجوها أخرى فقيل: المعنى: تماما على إحسان موسى بالنبوة و الكرامة، و قيل: المعنى: إتماما للنعمة على الذين أحسنوا من المؤمنين، و قيل: المعنى: إتماما للنعمة على الأنبياء الذين أحسنوا، و قيل: المعنى: تماما لكرامته في الجنة على إحسانه في الدنيا، و قيل: المعنى تماما على الذي أحسن الله إلى موسى من الكرامة بالنبوة و غيرها، و قيل: إنه متصل بقصة إبراهيم و المعنى: تماما للنعمة على إبراهيم.


و ضعف الجميع ظاهر.


و قوله: "و تفصيلا لكل شيء" أي مما يحتاج إليه بنو إسرائيل أو ينتفع به غيرهم ممن بعدهم، و هدى يهتدي به و رحمة ينعمون بها.


و قوله: "لعلهم بلقاء ربهم يؤمنون" فيه إشارة إلى أن بني إسرائيل كانوا يتثاقلون أو يستنكفون عن الإيمان بلقاء الله و اليوم الآخر، و مما يؤيده أن التوراة الحاضرة التي يذكر القرآن أنها محرفة لا يوجد فيها ذكر من البعث يوم القيامة، و قد ذكر بعض المورخين منهم أن شعب إسرائيل ما كانت تعتقد المعاد.


قوله تعالى: "و هذا كتاب أنزلناه مبارك" إلى آخر الآية، أي و هذا كتاب مبارك يشارك كتاب موسى فيما ذكرناه من الخصيصة فاتبعوه "إلخ".


قوله تعالى: "أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا" إلخ، "أن تقولوا" معناه كراهة أن تقولوا، أو لئلا تقولوا، و هو شائع في الكلام، و هو متعلق بقوله في الآية السابقة: "أنزلناه".


و قوله: "طائفتين من قبلنا" يراد به اليهود و النصارى أنزل عليهما التوراة و الإنجيل، و أما كتب الأنبياء النازلة قبلهما مما يذكره القرآن مثل كتاب نوح و كتاب إبراهيم (عليه السلام) فلم يكن فيها تفصيل الشرائع و إن اشتملت على أصلها، و أما سائر ما ينسب إلى الأنبياء (عليهم السلام) من الكتب كزبور داود (عليه السلام) و غيره فلم تكن فيها شرائع و لا لهم بها عهد.


و المعنى أنا أنزلنا القرآن كراهة أن تقولوا: إن الكتاب الإلهي المفصل لشرائعه إنما أنزل على طائفتين من قبلنا هم اليهود و النصارى و إنا كنا غافلين عن دراستهم و تلاوتهم، و لا بأس علينا مع الغفلة.


قوله تعالى: "أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم" إلى آخر الآية أي من الذين أنزل إليهم الكتاب قبلنا، و قوله: "فقد جاءكم بينة من ربكم" تفريع لقوليه: "أن تقولوا" "أو تقولوا" جميعا، و قد بدل الكتاب من البينة ليدل به على ظهور حجته و وضوح دلالته بحيث لا يبقى عذر لمعتذر و لا علة لمتعلل، و الصدف الإعراض و معنى الآية ظاهر.

بحث روائي


في تفسير العياشي، عن أبي بصير قال: كنت جالسا عند أبي جعفر (عليه السلام) و هو متك على فراشه إذ قرأ الآيات المحكمات التي لم ينسخهن شيء من الأنعام قال: شيعها سبعون ألف ملك: "قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم - ألا تشركوا به شيئا".


و في الدر المنثور، أخرج عبد بن حميد و ابن أبي حاتم و أبو الشيخ و ابن مردويه و الحاكم و صححه عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أيكم يبايعني على هؤلاء الآيات الثلاث؟ ثم تلاه؟ "قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم" إلى ثلاث آيات.


ثم قال: فمن وفى بهن فأجره على الله، و من انتقص منهن شيئا فأدركه الله في الدنيا كانت عقوبته، و من أخره إلى الآخرة كان أمره إلى الله إن شاء آخذه و إن شاء عفا عنه.


أقول: و الرواية لا تخلو عن شيء فإن فيما ذكر في الآيات الشرك بالله و لا تكفي فيه عقوبة الدنيا و لا تناله مغفرة في الآخرة بنص القرآن، قال تعالى: "إن الله لا يغفر أن يشرك به: "النساء: 48 و قال: "إن الذين كفروا و ماتوا و هم كفار أولئك عليهم لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين، خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب و لا هم ينظرون: البقرة: 162.


على أن ظاهر الرواية كون هذه الأحكام مما يختص بهذه الشريعة كما يشعر به ما نقل عن بعض الصحابة و التابعين كالذي رواه في الدر المنثور، عن جمع عن ابن مسعود قال: من سره أن ينظر إلى وصية محمد التي عليها خاتمه فليقرأ هؤلاء الآيات: قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم إلى قوله - لعلكم تتقون، و نظيره ما روي عن منذر الثوري عن الربيع بن خيثم.


و في تفسير العياشي، عن عمرو بن أبي المقدام عن أبيه عن علي بن الحسين (عليهما السلام): الفواحش ما ظهر منها و ما بطن قال: ما ظهر من نكاح امرأة الأب و ما بطن منها الزنا.


أقول: و هو من قبيل ذكر بعض المصاديق.


و في الدر المنثور، أخرج أحمد و عبد بن حميد و النسائي و البزاز و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و أبو الشيخ و ابن مردويه و الحاكم و صححه عن ابن مسعود قال: خط رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خطا بيده ثم قال: هذا سبيل الله مستقيما، ثم خط خطوطا عن يمين ذلك الخط و عن شماله ثم قال: و هذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه، ثم قرأ: و أن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه - و لا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله.


و فيه، أخرج أحمد و ابن ماجة و ابن أبي حاتم و ابن مردويه عن جابر بن عبد الله قال: كنا جلوسا عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فخط خطا هكذا أمامه فقال: هذا سبيل الله، و خطين عن يمينه و خطين عن شماله فقال: هذا سبيل الشيطان ثم وضع يده في الخط الأوسط و قرأ: "و أن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه" الآية.


و في تفسير القمي:، أخبرنا الحسن بن علي عن أبيه عن الحسين بن سعيد عن محمد بن سنان عن أبي خالد القماط عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام): في قوله: "هذا صراطي مستقيما فاتبعوه - و لا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله" قال نحن السبيل فمن أبى فهذه السبل فقد كفر.


أقول: و هو من الجري، و الذي ذكره (عليه السلام) مستفاد من قوله تعالى: "قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى": الشورى: 23.


إذا انضم إلى قوله: "قل ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا": الفرقان: 57.


و قد وردت عدة روايات من طرق الشيعة و أهل السنة أن عليا هو الصراط المستقيم، و قد تقدمت الإشارة إليها في تفسير سورة الفاتحة في الجزء الأول من الكتاب.


/ 20