8 سورة الأنفال - 7 - 14 - تفسیر المیزان جلد 9

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تفسیر المیزان - جلد 9

سیدمحمد حسین طباطبائی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید






8 سورة الأنفال - 7 - 14


وَ إِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطائفَتَينِ أَنهَا لَكُمْ وَ تَوَدّونَ أَنّ غَيرَ ذَاتِ الشوْكةِ تَكُونُ لَكمْ وَ يُرِيدُ اللّهُ أَن يحِقّ الْحَقّ بِكلِمَتِهِ وَ يَقْطعَ دَابِرَ الْكَفِرِينَ (7) لِيُحِقّ الحَْقّ وَ يُبْطِلَ الْبَطِلَ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8) إِذْ تَستَغِيثُونَ رَبّكُمْ فَاستَجَاب لَكمْ أَنى مُمِدّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَئكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَ مَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلا بُشرَى وَ لِتَطمَئنّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَ مَا النّصرُ إِلا مِنْ عِندِ اللّهِ إِنّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10) إِذْ يُغَشيكُمُ النّعَاس أَمَنَةً مِّنْهُ وَ يُنزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السمَاءِ مَاءً لِّيُطهِّرَكُم بِهِ وَ يُذْهِب عَنكمْ رِجْزَ الشيْطنِ وَ لِيرْبِط عَلى قُلُوبِكمْ وَ يُثَبِّت بِهِ الأَقْدَامَ (11) إِذْ يُوحِى رَبّك إِلى الْمَلَئكَةِ أَنى مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الّذِينَ ءَامَنُوا سأُلْقِى فى قُلُوبِ الّذِينَ كَفَرُوا الرّعْب فَاضرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَ اضرِبُوا مِنهُمْ كلّ بَنَانٍ (12) ذَلِك بِأَنّهُمْ شاقّوا اللّهَ وَ رَسولَهُ وَ مَن يُشاقِقِ اللّهَ وَ رَسولَهُ فَإِنّ اللّهَ شدِيدُ الْعِقَابِ (13) ذَلِكمْ فَذُوقُوهُ وَ أَنّ لِلْكَفِرِينَ عَذَاب النّارِ (14)

بيان




تشير الآيات إلى قصة بدر، و هي أول غزوة في الإسلام، و ظاهر سياق الآيات أنهم نزلت بعد انقضائها على ما سيتضح.



قوله تعالى: "و إذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم و تودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم و يريد الله أن يحق الحق بكلماته و يقطع دابر الكافرين" أي و اذكروا إذ يعدكم الله، و هو بيان منن الله و عد نعمه عليهم ليكونوا على بصيرة من أن الله سبحانه لا يستقبلهم بأمر و لا يأتيهم بحكم إلا بالحق و فيه حفظ مصالحهم و إسعاد جدهم فلا يختلفوا فيما بينهم، و لا يكرهوا ما يختاره لهم، و يكلوا أمرهم إليه فيطيعوه و رسوله.



و المراد بالطائفتين العير و النفير، و العير قافلة قريش و فيها تجارتهم و أموالهم و كان عليها أربعون رجلا منهم أبو سفيان بن حرب، و النفير جيش قريش و هم زهاء ألف رجل.



و قوله: "إحدى الطائفتين" مفعول ثان لقوله: "يعدكم" و قوله: "أنها لكم" بدل منه و قوله "و تودون" الآية في موضع الحال، و المراد بغير ذات الشوكة: الطائفة غير ذات الشوكة و هي العير الذي كان أقل عدة و عدة من النفير، و الشوكة الحدة، استعارة من الشوك.



و قوله: "و يريد الله أن يحق الحق بكلماته" في موضع الحال، و المراد بإحقاق الحق إظهاره و إثباته بترتيب آثاره عليه، و كلمات الله هي ما قضى به من نصرة أنبيائه و إظهار دينه الحق، قال تعالى: "و لقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون و إن جندنا لهم الغالبون": الصافات: - 173 و قال تعالى: "يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم و الله متم نوره و لو كره الكافرون هو الذي أرسل رسوله بالهدى و دين الحق ليظهره على الدين كله و لو كره المشركون": الصف: - 9.



و قرىء: "بكلمته": و هو أوجه و أقرب و الدابر ما يأتي بعد الشيء مما يتعلق به و يتصل إليه و قطع دابر الشيء، كناية عن إفنائه و استئصاله بحيث لا يبقى بعده شيء من آثاره المتفرعة عليه المرتبطة به.



و معنى الآية: و اذكروا إذ يعدكم الله أن إحدى الطائفتين لكم تستعلون عليها بنصر الله إما العير و إما النفير و أنتم تودون أن تكون تلك الطائفة هي العير لما تعلمون من شوكة النفير، و قوتهم و شدتهم، مع ما لكم من الضعف و الهوان، و الحال أن الله يريد خلاف ذلك و هو أن تلاقوا النفير فيظهركم عليهم و يظهر ما قضى ظهوره من الحق، و يستأصل الكافرين و يقطع دابرهم.



قوله تعالى: "ليحق الحق و يبطل الباطل و لو كره المجرمون" ظاهر السياق أن اللام للغاية، و قوله: "ليحق" الآية متعلق بقوله: "يعدكم الله" أي إنما وعدكم الله ذلك و هو لا يخلف الميعاد ليحق بذلك الحق و يبطل الباطل و لو كان المجرمون يكرهونه و لا يريدونه.



و بذلك يظهر أن قوله: "ليحق الحق" الآية ليس تكرارا لقوله: "و يريد الله أن يحق الحق بكلماته" و إن كان في معناه.



قوله تعالى: "إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين" الاستغاثة طلب الغوث و هو النصرة كما في قوله: "فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه:" القصص: - 15 و الإمداد معروف، و قوله: "مردفين" من الإرداف و هو أن يجعل الراكب غيره ردفا له، و الردف التابع، قال الراغب: الردف التابع، و ردف المرأة عجيزتها، و الترادف: التتابع، و الرادف: المتأخر، و المردف المقدم الذي أردف غيره.



انتهى.



و بهذا المعنى تلائم الآية ما في قوله تعالى فيما يشير به إلى هذه القصة في سورة آل عمران: "و لقد نصركم الله ببدر و أنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون إذ تقول للمؤمنين أ لن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين بلى أن تصبروا و تتقوا و يأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين و ما جعله الله إلا بشرى لكم و لتطمئن قلوبكم به و ما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم": آل عمران: - 126.



فإن تطبيق الآيات من السورتين يوضح أن المراد بنزول ألف من الملائكة مردفين نزول ألف منهم يستتبعون آخرين فينطبق الألف المردفون على الثلاثة آلاف المنزلين.



و بذلك يظهر فساد ما قيل: إن المراد بكون الملائكة مردفين كون الألف متبعين ألفا آخر لأن مع كل واحد منهم ردفا له فيكونون ألفين، و كذا ما قيل: إن المراد كون بعضهم أثر بعض، و كذا ما قيل: إن المراد مجيئهم على أثر المسلمين بأن يكون مردفين بمعنى رادفين، و كذا ما قيل: إن المراد إردافهم المسلمين بأن يتقدموا عسكر المسلمين فيلقوا في قلوب الذين كفروا الرعب.



قوله تعالى: "و ما جعله الله إلا بشرى و لتطمئن به قلوبكم و ما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم" الضميران في قوله: "جعله" و قوله: "به" للإمداد بالملائكة على ما يدل عليه السياق، و المعنى أن الإمداد بالملائكة إنما كان لغرض البشرى و اطمئنان نفوسكم لا ليهلك بأيديهم الكفار كما يشير إليه قوله تعالى بعد: "إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب.



و بذلك يتأيد ما ذكره بعضهم: أن الملائكة لم ينزلوا ليقتلوا المشركين و لا قتلوا منهم أحدا فقد قتل ثلث المقتولين منهم أو النصف علي (عليه السلام) و الثلثين الباقين أو النصف سائر المسلمين.



و إنما كان للملائكة تكثير سواد المسلمين حينما اختلطوا بالقوم و تثبيت قلوب المسلمين، و إلقاء الرعب في قلوب المشركين، و سيجيء بعض الكلام في ذلك.



و قوله: "و ما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم" بيان انحصار حقيقة النصر فيه تعالى و أنه لو كان بكثرة العدد و القوة و الشوكة كانت الدائرة يومئذ للمشركين بما لهم من الكثرة و القوة على المسلمين على ما بهم من القلة و الضعف.



و قد علل بقوله: "إن الله عزيز حكيم" جميع مضمون الآية و ما يتعلق به من الآية السابقة فبعزته نصرهم و أمدهم، و بحكمته جعل نصره على هذه الشاكلة.



قوله تعالى: "إذ يغشيكم النعاس أمنة منه" إلى آخر الآية.



النعاس أول النوم و هو خفيفة و التغشية الإحاطة، و الأمنة الأمان، و قوله: "منه" أي من الله و قيل: أي من العدو، و الرجز هو الرجس و القذارة، و المراد برجز الشيطان القذارة التي يطرأ القلب من وسوسته و تسويله.



و معنى الآية: أن النصر و الإمداد بالبشرى و اطمئنان القلوب كان في وقت يأخذكم النعاس للأمن الذي أفاضه الله على قلوبكم فنمتم و لو كنتم خائفين مرتاعين لم يأخذكم نعاس و لا نوم، و ينزل عليكم المطر ليطهركم به و يذهب عنكم وسوسة الشيطان و ليربط على قلوبكم و يشد عليها - و هو كناية عن التشجيع - و ليثبت بالمطر أقدامكم في الحرب بتلبد الرمل أو بثبات القلوب.



و الآية تؤيد ما ورد أن المسلمين سبقهم المشركون إلى الماء فنزلوا على كثيب رمل، و أصبحوا محدثين و مجنبين، و أصابهم الضمأ، و وسوس إليهم الشيطان فقال: إن عدوكم قد سبقكم إلى الماء، و أنتم تصلون مع الجنابة و الحدث و تسوخ أقدامكم في الرمل فأمطر عليهم الله حتى اغتسلوا به من الجنابة، و تطهروا به من الحدث، و تلبدت به أرضهم، و أوحلت أرض عدوهم.



قوله تعالى: "إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب" إلى آخر الآية حال الظرف في أول الآية كحال الظرف في قوله: "إذ تستغيثون ربكم" و قوله: "إذ يغشيكم النعاس" و معنى الآية ظاهر.



و أما قوله: "فاضربوا فوق الأعناق و اضربوا منهم كل بنان" فالظاهر أن يكون المراد بفوق الأعناق الرءوس و بكل بنان جميع الأطراف من اليدين و الرجلين أو أصابع الأيدي لئلا يطيقوا حمل السلاح بها و القبض عليه.



و من الجائز أن يكون الخطاب بقوله: "فاضربوا" إلخ للملائكة كما هو المتسابق إلى الذهن، و المراد بضرب فوق الأعناق و كل بنان ظاهر معناه، أو الكناية عن إذلالهم و إبطال قوة الإمساك من أيديهم بالإرعاب، و أن يكون الخطاب للمؤمنين و المراد به تشجيعهم على عدوهم بتثبيت أقدامهم و الربط على قلوبهم، و حثهم و إغراؤهم بالمشركين.



قوله تعالى: "ذلك بأنهم شاقوا الله و رسوله و من يشاقق الله و رسوله فإن الله شديد العقاب" المشاقة المخالفة و أصله الشق بمعنى البعض كأن المخالف يميل إلى شق غير شق من يخالفه، و المعنى أن هذا العقاب للمشركين بما أوقع الله بهم، لأنهم خالفوا الله و رسوله و ألحوا و أصروا على ذلك و من يشاقق الله و رسوله فإن الله شديد العقاب.



قوله تعالى: "ذلكم فذوقوه و أن للكافرين عذاب النار" خطاب تشديدي للكفار يشير إلى ما نزل بهم من الخزي و يأمرهم بأن يذوقوه، و يذكر لهم أن وراء ذلك عذاب النار.

بحث روائي




في المجمع، قال ابن عباس: لما كان يوم بدر و اصطف القوم للقتال قال أبو جهل: اللهم أولانا بالنصر فانصره، و استغاث المسلمون فنزلت الملائكة و نزل قوله: "إذ تستغيثون ربكم" إلى آخره.



و قيل: إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لما نظر إلى كثرة عدد المشركين و قلة عدد المسلمين استقبل القبلة و قال: اللهم أنجز لي ما وعدتني اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض فما زال يهتف ربه مادا يديه حتى سقط رداؤه من منكبيه فأنزل الله: "إذ تستغيثون ربكم" الآية: عن عمر بن الخطاب و السدي و أبي صالح و هو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام).



قال: و لما أمسى رسول الله و جنه الليل ألقى الله على أصحابه النعاس و كانوا قد نزلوا في موضع كثير الرمل لا تثبت فيه قدم فأنزل الله عليهم المطر رذاذا حتى لبد الأرض و ثبت أقدامهم و كان المطر على قريش مثل العزالي، و ألقى الله في قلوبهم الرعب كما قال الله تعالى: "سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب".



أقول: لفظ الآية: "إذ تستغيثون ربكم" إلخ لا يلائم نزولها يوم بدر عقيب استغاثتهم بل السياق يدل على نزولها مع قوله تعالى: "يسألونك عن الأنفال" و الآيات التالية له، و هي تدل على حكاية حال ماضية و امتنانه تعالى على المسلمين بما أنزل عليهم من آيات النصر و تفاريق النعم ليشكروا له و يطيعوه فيما يأمرهم و ينهاهم.



و لعل المراد من ذكر نزول الآية بعد ذكر استغاثتهم انطباق مضمون الآية على الواقعة، و هو كثير النظير في الروايات المشتملة على أسباب النزول.



و في تفسير البرهان، عن ابن شهرآشوب: قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في العريش: اللهم إنك إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد بعد هذا اليوم فنزل: "إذ تستغيثون ربكم" فخرج يقول: سيهزم الجمع و يولون الدبر فأيده الله بخمسة آلاف من الملائكة مسومين، و كثرهم في أعين المشركين، و قلل المشركين في أعينهم فنزل: "و هم بالعدوة القصوى من الوادي خلف العقنقل و النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالعدوة الدنيا عند القليب.



أقول: و الكلام فيه كالكلام في سابقه.



و في المجمع،: ذكر البلخي عن الحسن: أن قوله: "و إذ يعدكم الله" الآية نزلت قبل قوله: "كما أخرجك ربك من بيتك بالحق" و هي في القراءة بعدها.



أقول: و تقدم مدلول إحدى الآيتين على مدلول الأخرى بحسب الوقوع لا يلازم سبقها نزولا، و لا دليل من جهة السياق يدل على ما ذكره.



و في تفسير العياشي، عن محمد بن يحيى الخثعمي عن أبي عبد الله (عليه السلام): في قوله تعالى: "و إذ يعدكم الله إحدى الطائفتين - أنها لكم و تودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم" فقال: الشوكة التي فيها القتال: أقول: و روى مثله القمي في تفسيره.



و في المجمع، قال أصحاب السير و ذكر أبو حمزة و علي بن إبراهيم في تفسيرهما دخل حديث بعضهم في بعض: أقبل أبو سفيان بعير قريش من الشام و فيها أموالهم و هي اللطيمة، و فيها أربعون راكبا من قريش فندب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أصحابه للخروج إليها ليأخذوها، و قال: لعل الله أن ينفلكموها فانتدب الناس فخف بعضهم و ثقل بعضهم، و لم يظنوا أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يلقى كيدا و لا حربا فخرجوا لا يريدون إلا أبا سفيان و الركب لا يرونها إلا غنيمة لهم.



فلما سمع أبو سفيان بمسير النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) استأجر ضمضم بن عمرو الغفاري فبعثه إلى مكة، و أمره أن يأتي قريشا فيستنفرهم و يخبرهم أن محمدا قد تعرض لعيرهم في أصحابه فخرج ضمضم سريعا إلى مكة.



و كانت عاتكة بنت عبد المطلب رأت فيما يرى النائم قبل مقدم ضمضم بن عمرو بثلاث ليال أن رجلا أقبل على بعير له ينادي يا آل غالب اغدوا إلى مصارعكم ثم وافى بجمله على أبي قبيس فأخذ حجرا فدهدهه من الجبل فما ترك دارا من دور قريش إلا أصابته منه فلذة فانتبهت فزعة من ذلك و أخبرت العباس بذلك فأخبر العباس عتبة بن ربيعة فقال عتبة: هذه مصيبة تحدث في قريش، و فشت الرؤيا فيهم و بلغ ذلك أبا جهل فقال: هذه نبية ثانية في بني عبد المطلب، و اللات و العزى لننظرن ثلاثة أيام فإن كان ما رأت حقا و إلا لنكتبن كتابا بيننا: أنه ما من أهل بيت من العرب أكذب رجالا و نساء من بني هاشم.



فلما كان اليوم الثالث أتاهم ضمضم يناديهم بأعلى الصوت: يا آل غالب يا آل غالب.



اللطيمة اللطيمة.



العير العير.



أدركوا و ما أراكم تدركون إن محمدا و الصباة من أهل يثرب قد خرجوا يتعرضون لعيركم فتهيئوا للخروج، و ما بقي أحد من عظماء قريش إلا أخرج مالا لتجهيز الجيش، و قالوا من لم يخرج نهدم داره، و خرج معهم العباس بن عبد المطلب، و نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، و عقيل بن أبي طالب، و أخرجوا معهم القيان يضر بن الدفوف.



و خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا فلما كان بقرب بدر أخذ عينا للقوم فأخبره بهم، و في حديث أبي حمزة: بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضا عينا له على العير اسمه عدي فلما قدم على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخبره أين فارق العير نزل جبرائيل على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخبره بنفير المشركين من مكة فاستشار أصحابه في طلب العير و حرب النفير فقام أبو بكر فقال: يا رسول الله إنها قريش و خيلاؤها ما آمنت منذ كفرت، و لا ذلت منذ عزت، و لم نخرج على هيئة الحرب و في حديث أبي حمزة: أنا عالم بهذا الطريق فارق عدي العير بكذا و كذا، و ساروا و سرنا فنحن و القوم على ماء بدر يوم كذا و كذا كأنا فرسا رهان فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): اجلس فجلس.



ثم قام عمر بن الخطاب فقال مثل ذلك، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): اجلس فجلس.



ثم قام المقداد فقال: يا رسول الله إنها قريش و خيلاؤها، و قد آمنا بك و صدقنا و شهدنا أن ما جئت به حق، و الله لو أمرتنا أن نخوض جمر الغضا و شوك الهراس لخضناه معك، و الله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت و ربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون و لكنا نقول: امض لأمر ربك فإنا معك مقاتلون، فجزاه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خيرا على قوله ذاك.



ثم قال: أشيروا علي أيها الناس و إنما يريد الأنصار لأن أكثر الناس منهم، و لأنهم حين بايعوه بالعقبة قالوا: إنا برآء من ذمتك حتى تصل إلى دارنا ثم أنت في ذمتنا نمنعك مما نمنع أبناءنا و نساءنا، فكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يتخوف أن لا يكون الأنصار ترى عليها نصرته إلا على من دهمه بالمدينة من عدو، و أن ليس عليهم أن ينصروه خارج المدينة.



فقام سعد بن معاذ فقال: بأبي أنت و أمي يا رسول الله كأنك أردتنا.



فقال: نعم.



قال: بأبي أنت و أمي يا رسول الله إنا قد آمنا بك و صدقناك و شهدنا أن ما جئت به حق من عند الله فمرنا بما شئت، و خذ من أموالنا ما شئت، و اترك منها ما شئت، و الله لو أمرتنا أن نخوض هذا البحر لخضناه معك و لعل الله عز و جل أن يريك منا ما تقر به عينك فسر بنا على بركة الله.



ففرح بذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و قال: سيروا على بركة الله فإن الله عز و جل قد وعدني إحدى الطائفتين و لن يخلف الله وعده، و الله لكأني أنظر إلى مصرع أبي جهل بن هشام و عتبة بن ربيعة و شيبة بن ربيعة و فلان و فلان و أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالرحيل، و خرج إلى بدر و هو بئر، و في حديث أبي حمزة الثمالي: بدر رجل من جهينة و الماء ماؤه فإنما سمي الماء باسمه، و أقبلت قريش و بعثوا عبيدها ليستقوا من الماء فأخذهم أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و قالوا لهم: من أنتم؟ قالوا: نحن عبيد قريش.



قالوا: فأين العير؟ قالوا: لا علم لنا بالعير فأقبلوا يضربونهم، و كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يصلي فانفتل من صلاته و قال: إن صدقوكم ضربتموهم و إن كذبوكم تركتموهم، فأتوه بهم فقال لهم: من أنتم؟ قالوا: يا محمد نحن عبيد قريش، قال: كم القوم؟ قالوا: لا علم لنا بعددهم، قال: كم ينحرون في كل يوم من جزور؟ قالوا: تسعة إلى عشرة، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): القوم تسعمائة إلى ألف رجل، و أمر (صلى الله عليه وآله وسلم) بهم فحبسوا و بلغ ذلك قريشا ففزعوا و ندموا على مسيرهم.



و لقي عتبة بن ربيعة أبا البختري بن هشام فقال: أ ما ترى هذا البغي و الله ما أبصر موضع قدمي خرجنا لنمنع عيرنا و قد أفلتت فجئنا بغيا و عدوانا، و الله ما أفلح قوم بغوا قط، و لوددت أن ما في العير من أموال بني عبد مناف ذهبت و لم نسر هذا المسير، فقال له أبو البختري، إنك سيد من سادات قريش فسر في الناس و تحمل العير التي أصابها محمد و أصحابه بنخلة و دم ابن الحضرمي فإنه حليفك.



فقال له: علي ذلك، و ما على أحد منا خلاف إلا ابن الحنظلية يعني أبا جهل فصر إليه و أعلمه أني حملت العير و دم ابن الحضرمي و هو حليفي و علي عقله.



قال: فقصدت خباءه و أبلغته ذلك، فقال: إن عتبة يتعصب لمحمد فإنه من بني عبد مناف و ابنه معه يريد أن يخذل بين الناس لا و اللات و العزى حتى نقحم عليهم يثرب أو نأخذهم أسارى فندخلهم مكة و تتسامع العرب بذلك، و كان أبو حذيفة بن عتبة مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).



و كان أبو سفيان لما جاز بالعير بعث إلى قريش: قد نجى الله عيركم فارجعوا و دعوا محمدا و العرب، و ادفعوه بالراح ما اندفع، و إن لم ترجعوا فردوا القيان فلحقهم الرسول في الجحفة، فأراد عتبة أن يرجع فأبى أبو جهل و بنو مخزوم و ردوا القيان من الجحفة.



قال: و فزع أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لما بلغهم كثرة قريش، و استغاثوا و تضرعوا، فأنزل الله عز و جل: "إذ تستغيثون ربكم" و ما بعده.



قال الطبرسي: و لما أصبح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم بدر عبا أصحابه، فكان في عسكره فرسان: فرس للزبير بن عوام، و فرس للمقداد بن الأسود، و كان في عسكره سبعون جملا كانوا يتعاقبون عليها، و كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و علي بن أبي طالب (عليه السلام) و مرثد بن أبي مرثد الغنوي يتعاقبون على جمل لمرثد بن أبي مرثد، و كان في عسكر قريش أربعمائة فرس، و قيل: مائتا فرس.



فلما نظرت قريش إلى قلة أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال أبو جهل: ما هم إلا أكلة رأس لو بعثنا إليهم عبيدنا لأخذوهم أخذا باليد، فقال عتبة بن ربيعة: أ ترى لهم كمينا أو مددا؟ فبعثوا عمير بن وهب الجمحي و كان فارسا شجاعا فجال بفرسه حتى طاف على عسكر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم رجع فقال: ليس لهم كمين و لا مدد و لكن نواضح يثرب قد حملت الموت الناقع أ ما ترونهم خرسا لا يتكلمون و يتلمظون تلمظ الأفاعي ما لهم ملجأ إلا سيوفهم، و ما أراهم يولون حتى يقتلوا، و لا يقتلون حتى يقتلوا بعددهم فارتئوا رأيكم، فقال له أبو جهل: كذبت و جبنت.



فأنزل الله تعالى: "و إن جنحوا للسلم فاجنح لها" فبعث إليهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا معشر قريش إني أكره أن أبدأ بكم فخلوني و العرب و ارجعوا فقال عتبة: ما رد هذا قوم قط فأفلحوا، ثم ركب جملا له أحمر فنظر إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و هو يجول بين العسكرين و ينهى عن القتال فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): إن يك عند أحد خير فعند صاحب الجمل الأحمر و إن يطيعوه يرشدوا.



و خطب عتبة فقال في خطبته: يا معشر قريش أطيعوني اليوم و اعصوني الدهر إن محمدا له آل و ذمة و هو ابن عمكم فخلوه و العرب فإن يك صادقا فأنتم أعلى عينا به و إن يك كاذبا كفتكم ذؤبان العرب أمره فغاظ أبا جهل قوله و قال له: جبنت و انتفخ سحرك فقال: يا مصفر استه مثلي يجبن؟ و ستعلم قريش أينا ألأم و أجبن؟ و أينا المفسد لقومه.



و لبس درعه و تقدم هو و أخوه شيبة و ابنه الوليد، و قال: يا محمد أخرج إلينا أكفاءنا من قريش فبرز إليهم ثلاثة نفر من الأنصار و انتسبوا لهم فقالوا: ارجعوا إنما نريد الأكفاء من قريش فنظر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب و كان له يومئذ سبعون سنة فقال: قم يا عبيدة، و نظر إلى حمزة فقال: قم يا عم ثم نظر إلى علي بن أبي طالب فقال: قم يا علي و كان أصغر القوم فاطلبوا بحقكم الذي جعله الله لكم فقد جاءت قريش بخيلائها و فخرها تريد أن تطفىء نور الله و يأبى الله إلا أن يتم نوره.



ثم قال: يا عبيدة عليك بعتبة بن ربيعة، و قال لحمزة عليك بشيبة، و قال لعلي: عليك بالوليد.



فمروا حتى انتهوا إلى القوم فقالوا: أكفاء كرام فحمل عبيدة على عتبة فضربه على رأسه ضربة فلقت هامته، و ضرب عتبة عبيدة على ساقه فأطنها فسقطا جميعا، و حمل شيبة على حمزة فتضاربا بالسيفين حتى انثلما، و حمل أمير المؤمنين علي (عليه السلام) على الوليد فضربه على حبل عاتقه فأخرج السيف من إبطه قال علي: لقد أخذ الوليد يمينه بيساره فضرب بها هامتي فظننت أن السماء وقعت على الأرض.



ثم اعتنق حمزة و شيبة فقال المسلمون: يا علي أ ما ترى أن الكلب قد نهز عمك فحمل عليه علي (عليه السلام) ثم قال: يا عم طأطىء رأسك و كان حمزة أطول من شيبة فأدخل حمزة رأسه في صدره فضربه علي فطرح نصفه، ثم جاء إلى عتبة و به رمق فأجهز عليه.



و في رواية أخرى أنه برز حمزة لعتبة، و برز عبيدة لشيبة، و برز علي للوليد فقتل حمزة عتبة، و قتل عبيدة شيبة، و قتل علي (عليه السلام) الوليد.



فضرب شيبة رجل عبيدة فقطعها فاستنقذه حمزة و علي، و حمل عبيدة حمزة و علي حتى أتيا به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فاستعبر فقال: يا رسول الله أ لست شهيدا؟ قال: بلى أنت أول شهيد من أهل بيتي.



و قال أبو جهل لقريش: لا تعجلوا و لا تبطروا كما بطر أبناء ربيعة عليكم بأهل يثرب فاجزروهم جزرا، و عليكم بقريش فخذوهم أخذا حتى ندخلهم مكة فنعرفهم ضلالتهم التي هم عليها.



و جاء إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم فقال لهم: أنا جار لكم ادفعوا إلي رايتكم فدفعوا إليه راية الميسرة، و كانت الراية مع بني عبد الدار فنظر إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال لأصحابه: غضوا أبصاركم، و عضوا على النواجذ، و رفع يده فقال: اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد ثم أصابه الغشي فسري عنه و هو يسلك العرق عن وجهه فقال: هذا جبرائيل قد أتاكم بألف من الملائكة مردفين.



و في الأمالي، بإسناده عن الرضا عن آبائه (عليهم السلام): أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سافر إلى بدر في شهر رمضان و افتتح مكة في شهر رمضان.



أقول: و على ذلك أطبق أهل السير و التواريخ، قال اليعقوبي في تاريخه: و كانت وقعة بدر يوم الجمعة لثلاث عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان بعد مقدمه ص - يعني إلى المدينة - بثمانية عشر شهرا.



و قال الواقدي: و نزل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وادي بدر عشاء ليلة الجمعة لسبع عشرة مضت من شهر رمضان فبعث عليا و الزبير و سعد بن أبي وقاص و بسبس بن عمرو يتجسسون على الماء فوجدوا روايا قريش فيها سقاؤهم فأسروهم و أفلت بعضهم و أتوا بهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و هو قائم يصلي فسألهم المسلمون فقالوا: نحن سقاء قريش بعثونا نسقيهم من الماء فضربوهم فلما أن لقوهم بالضرب قالوا: نحن لأبي سفيان و نحن في العير، و هذا العير بهذا القوز فكانوا إذا قالوا ذلك يمسكون عن ضربهم.



فسلم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من صلاته ثم قال: إن صدقوكم ضربتموهم و إن كذبوكم تركتموهم.



فلما أصبحوا عدل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الصفوف و خطب المسلمين فحمد الله و أثنى عليه ثم قال: أما بعد فإني أحثكم على ما حثكم الله عليه، و أنهاكم عما نهاكم الله عنه فإن الله عظيم شأنه، يأمر بالحق، و يحب الصدق، و يعطي على الخير أهله على منازلهم عنده به يذكرون، و به يتفاضلون، و إنكم قد أصبحتم بمنزل من منازل الحق لا يقبل الله فيه من أحد إلا ما ابتغى به وجهه، و إن الصبر في مواطن البأس مما يفرج الله به الهم و ينجي به من الغم تدركون به النجاة في الآخرة، فيكم نبي الله يحذركم و يأمركم فاستحيوا اليوم أن يطلع الله على شيء من أمركم يمقتكم عليه فإنه تعالى يقول: لمقت الله أكبر من أنفسكم انظروا في الذي أمركم به من كتابه، و أراكم من آياته و ما أعزكم به بعد الذلة فاستكينوا له يرض ربكم عنكم، و أبلوا ربكم في هذه المواطن أمرا تستوجبوا به الذي وعدكم من رحمته و مغفرته فإن وعده حق، و قوله صدق، و عقابه شديد، و إنما أنا و أنتم بالله الحي القيوم، إليه ألجأنا ظهورنا، و به اعتصمنا، و عليه توكلنا، و إليه المصير، و يغفر الله لي و للمسلمين.



و في المجمع،: ذكر جماعة من المفسرين كابن عباس و غيره: أن جبرائيل قال للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم بدر خذ قبضة من تراب فارمهم بها فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لما التقى الجمعان لعلي: أعطني قبضة من حصا الوادي فناوله كفا من حصا عليه تراب فرمى به في وجوه القوم و قال: شاهت الوجوه فلم يبق مشرك إلا دخل في عينه و فمه و منخريه منها شيء ثم ردفهم المؤمنون يقتلونهم و يأسرونهم، و كانت تلك الرمية سبب هزيمة القوم.



و في الأمالي، بإسناده عن ابن عباس قال: وقف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على قتلى بدر فقال: جزاكم الله من عصابة شرا لقد كذبتموني صادقا و خونتم أمينا، ثم التفت إلى أبي جهل بن هشام فقال: إن هذا أعتى على الله من فرعون إن فرعون لما أيقن بالهلاك وحد الله، و إن هذا لما أيقن بالهلاك دعا باللات و العزى.



و في المغازي، للواقدي: و أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم بدر بالقليب أن تغور ثم أمر بالقتلى فطرحوا فيها كلهم إلا أمية بن خلف فإنه كان مسمنا انتفخ من يومه فلما أرادوا أن يلقوه تزايل لحمه فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): اتركوه، فأقروه و ألقوا عليه من التراب و الحجارة ما غيبه.



ثم وقف على أهل القليب فناداهم رجلا رجلا: هل وجدتم ما وعد ربكم حقا فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقا بئس القوم كنتم لنبيكم كذبتموني و صدقني الناس، و أخرجتموني و آواني الناس، و قاتلتموني و نصرني الناس.



فقالوا يا رسول الله أ تنادي قوما قد ماتوا؟ فقال: لقد علموا أن ما وعدهم ربهم حق، و في رواية أخرى: فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ما أنتم بأسمع لما أقول منهم و لكنهم لا يستطيعون أن يجيبوني.



قال: و كان انهزام قريش حين زالت الشمس فأقام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ببدر و أمر عبد الله بن كعب بقبض الغنائم و حملها، و أمر نفرا من أصحابه أن يعينوه فصلى العصر ببدر ثم راح فمر بالأثيل قبل غروب الشمس فنزل به و بات، و بأصحابه جراح و ليست بالكثيرة، و أمر ذكوان بن عبد قيس أن يحرس المسلمين حتى كان آخر الليل فارتحل.



و في تفسير القمي، في خبر طويل: و خرج أبو جهل من بين الصفين و قال: اللهم إن محمدا أقطعنا للرحم، و أتانا بما لا نعرفه فأحنه الغداة فأنزل الله على رسوله: "إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح - و إن تنتهوا فهو خير لكم - و إن تعودوا نعد و لن تغني عنكم فئتكم شيئا - و لو كثرت و أن الله مع المؤمنين".



ثم أخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كفا من حصى و رمى به في وجوه قريش و قال: شاهت الوجوه فبعث الله رياح تضرب في وجوه قريش فكانت الهزيمة فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): اللهم لا يفلتن فرعون هذه الأمة أبو جهل بن هشام فقتل منهم سبعين، و أسر منهم سبعين.



و التقى عمرو بن الجموع مع أبي جهل فضرب عمرو أبا جهل على فخذه و ضرب أبو جهل عمرا على يده فأبانها من العضد فتعلقت بجلده فاتكى عمرو على يده برجله ثم تراخى إلى السماء حتى انقطعت الجلدة و رمى بيده.



و قال عبد الله بن مسعود: انتهيت إلى أبي جهل و هو يتشحط بدمه فقلت: الحمد لله الذي أخزاك فرفع رأسه فقال: إنما أخزى الله عبدا، ابن أم عبد لمن الدبرة ويلك؟ قلت: لله و لرسوله و إني قاتلك، و وضعت رجلي على عنقه فقال: ارتقيت مرتقى صعبا يا رويعي الغنم أما إنه ليس شيء أشد من قتلك إياي في هذا اليوم أ لا تولى قتلي رجل من المطلبيين أو رجل من الأحلاف؟ فاقتلعت بيضة كانت على رأسه فقتلته و أخذت رأسه و جئت به إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و قلت: يا رسول الله البشرى هذا رأس أبي جهل بن هشام فسجد لله شكرا.



و في الإرشاد للمفيد،: ثم بارز أمير المؤمنين (عليه السلام) العاص بن سعيد بن العاص بعد أن أحجم عنه من سواه فلم يلبث أن قتله، و برز إليه حنظلة بن أبي سفيان فقتله، و برز إليه بعده طعيمة بن عدي فقتله، و قتل بعده نوفل بن خويلد و كان من شياطين قريش، و لم يزل يقتل واحدا منهم بعد واحد حتى أتى على شطر المقتولين منهم و كانوا سبعين رجلا، تولى كافة من حضر بدرا من المسلمين مع ثلاثة آلاف من الملائكة المسومين قتل الشطر منهم، و تولى أمير المؤمنين (عليه السلام) قتل الشطر الآخر وحده.



و في الإرشاد،: أيضا: قد أثبتت رواة العامة و الخاصة معا أسماء الذين تولى أمير المؤمنين (عليه السلام) قتلهم ببدر من المشركين على اتفاق فيما نقلوه من ذلك و اصطلاح فكان ممن سموه: الوليد بن عتبة كما قدمنا و كان شجاعا جريا وقاحا فتاكا تهابه الرجال، و العاص بن سعيد و كان هولا عظيما تهابه الأبطال، و هو الذي حاد عنه عمر بن الخطاب و قصته فيما ذكرناه مشهورة نحن نبينها فيما نورده، و طعيمة بن عدي بن نوفل و كان من رءوس أهل الضلال، و نوفل بن خويلد و كان من أشد المشركين عداوة لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، و كانت قريش تقدمه و تعظمه و تطيعه، و هو الذي قرن أبا بكر و طلحة قبل الهجرة بمكة و أوثقهما بحبل و عذبهما يوما إلى الليل حتى سئل في أمرهما، و لما عرف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حضوره بدرا سأل الله أن يكفيه أمره فقال: اللهم اكفني نوفل بن خويلد فقتله أمير المؤمنين (عليه السلام).



و زمعة بن الأسود و الحارث بن زمعة، و النضر بن الحارث بن عبد الدار، و عمير بن عثمان بن كعب بن تيم عم طلحة بن عبيد الله، و عثمان و مالك ابنا عبيد الله أخوا طلحة بن عبيد الله، و مسعود بن أبي أمية بن المغيرة، و قيس بن الفاكه بن المغيرة و حذيفة بن أبي حذيفة بن المغيرة، و +" أبو "+ قيس بن الوليد بن المغيرة، و حنظلة بن أبي سفيان، و عمرو بن مخزوم، و أبو منذر بن أبي رفاعة، و منبه بن الحجاج السهمي، و العاص بن منبه، و علقمة بن كلدة، و أبو العاص بن قيس بن عدي، و معاوية بن المغيرة بن أبي العاص، و لوذان بن ربيعة، و عبد الله بن المنذر بن أبي رفاعة، و مسعود بن أمية بن المغيرة، و حاجب بن السائب بن عويمر، و أوس بن المغيرة بن لوذان، و زيد بن مليص، و عاصم بن أبي عوف، و سعيد بن وهب حليف بني عامر، و معاوية بن +" عامر بن "+ عبد القيس، و عبد الله بن جميل بن زهير بن الحارث بن أسد، و السائب بن مالك، و أبو الحكم بن الأخنس، و هشام بن أبي أمية بن المغيرة.



فذلك خمسة و ثلاثون رجلا سوى من اختلف فيه أو شرك أمير المؤمنين (عليه السلام) فيه غيره و هم أكثر من شطر المقتولين ببدر على ما قدمناه.



أقول: و ذكر غيره كما في المجمع أنه قتل يوم بدر سبعة و عشرين رجلا، و ذكر الواقدي: أن الذي اتفق عليه قول النقلة و الرواة من قتلاه تسعة رجال و الباقي مختلف فيه.



لكن البحث العميق عن القصة و ما يحتف بها من أشعارهم و الحوادث المختلفة التي حدثت بعدها تسيء الظن بهذا الاختلاف، و قد نقل عن محمد بن إسحاق أن أكثر قتلى المشركين يوم بدر كان لعلي (عليه السلام).



و قد عد الواقدي فيما ذكره ابن أبي الحديد من قتلى المشركين في وقعة بدر اثنين و خمسين رجلا و نسب قتل أربعة و عشرين منهم إليه (عليه السلام) ممن انفرد بقتله أو شارك غيره.



و من شعر أسيد بن أبي إياس يحرض مشركي قريش على علي (عليه السلام) على ما في الإرشاد و المناقب قوله: في كل مجمع غاية أخزاكم.



جزع أبر على المذاكي القرح.



لله دركم أ لما تنكروا.



قد ينكر الحر الكريم و يستحي.



هذا ابن فاطمة الذي أفناكم.



ذبحا و قتله قعصة لم تذبح.



أعطوه خرجا و اتقوا تضريبه.



فعل الذليل و بيعه لم تربح.



أين الكهول و أين كل دعامة.



في المعضلات و أين زين الأبطح.



أفناهم قعصا و ضربا يفترى.



بالسيف يعمل حدة لم يصفح.



و في الإرشاد، روى شعبة عن أبي إسحاق عن حارث بن مضرب قال: سمعت علي بن أبي طالب (عليه السلام) يقول: لقد حضرنا بدرا و ما فينا فارس غير المقداد بن الأسود، و لقد رأيتنا ليلة بدر و ما فينا إلا من نام غير رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فإنه كان منتصبا في أصل شجرة يصلي فيها و يدعو حتى الصباح.



أقول: و الروايات في قصة بدر كثيرة جدا و قد اقتصرنا منها على ما يتضح به فهم مضامين الآيات، و من الأخبار ما سيأتي إن شاء الله في تضاعيف البحث عن الآيات التالية المشيرة إلى بعض أطراف القصة.



فهرس أسماء شهداء بدر رض

في البحار، عن الواقدي قال: حدثني عبد الله بن جعفر قال: سألت الزهري كم استشهد من المسلمين ببدر؟ قال: أربعة عشر: ستة من المهاجرين، و ثمانية من الأنصار.



قال: فمن بني المطلب بن عبد مناف، عبيدة بن الحارث قتله عتبة و في غير رواية الواقدي قتله شيبة فدفنه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالصفراء، و من بني زهرة عمير بن أبي وقاص قتله عمرو بن عبد ود فارس الأحزاب، و عمير بن عبد ود ذو الشمالين حليف لبني زهرة قتله أبو أسامة الجشمي، و من بني عدي عاقل بن أبي البكير حليف لهم من بني سعد قتله مالك بن زهير، و مهجع مولى عمر بن الخطاب قتله عامر بن الحضرمي و يقال: إن مهجعا أول من قتل من المهاجرين، و من بني الحارث بن فهر صفوان بن بيضاء قتله طعيمة بن عدي.



و من الأنصار ثم من بني عمرو بن عوف، مبشر بن عبد المنذر قتله أبو ثور، و سعد بن خيثمة قتله عمرو بن عبد ود، و يقال: طعيمة بن عدي، و من بني عدي بن النجار حارثة بن سراقة رماه حنان بن العرقة بسهم فأصاب حنجرته فقتله، و من بني مالك بن النجار عوف و معوذ ابنا عفراء قتلهما أبو جهل، و من بني سلمة عمير بن الحمام بن الجموح قتله خالد بن الأعلم، و يقال: إنه أول قتيل قتل من الأنصار، و قد روي: أن أول قتيل منهم حارثة بن سراقة، و من بني زريق رافع بن المعلى قتله عكرمة بن أبي جهل، و من بني الحارث بن الخزرج يزيد بن الحارث قتله نوفل بن معاوية فهؤلاء الثمانية من الأنصار.



و روي عن ابن عباس: أن أنسة مولى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قتل ببدر، و روي: أن معاذ بن ماعص جرح ببدر فمات من جراحته بالمدينة، و ابن عبيد بن السكن جرح فاشتكى جرحه فمات منه.



/ 23