فانصرف علي عليه السلام إلى موضعه ، فدبروا عليه أن يقتلوه ، و تقدموا في أن يحفروا له في طريقه حفيرة طويلة قدر خمسين ذراعا ، ثم غطوها بحصر ( 1 ) رقاق و نثروا فوقها يسيرا من التراب ، بقدر ما غطوا وجوه الحصر ، و كان ذلك على طريق علي عليه السلام الذي لابد له من سلوكه ليقع هو و دابته في الحفيرة التي قد عمقوها ، و كان ما حوالي المحفور أرض ذات حجارة ، و دبروا على أنه إذا وقع مع دابته في ذلك المكان كبسوه بالاحجار حتى يقتلوه .
فلما بلغ على عليه السلام قرب المكان لوى فرسه عنقه ، و أطاله الله فبلغت جحفلته (2 ) اذنه و قال : يا أمير المؤمنين قد حفر ههنا و دبر عليك الحتف - و أنت أعلم - لا تمر فيه .
فقال له علي عليه السلام : " جزاك الله من ناصح خيرا ، كما تدبر بتدبيري ( 3 ) فان الله عز و جل لا يخليك من صنعه الجميل " .
و سار حتى شارف المكان فتوقف الفرس خوفا من المرور على المكان .
فقال علي عليه السلام : سر باذن الله تعالى سالما سويا ، عجيبا شأنك ، بديعا أمرك .
فتبادرت الدابة ، فإذا الله ( 4 ) عز و جل قد متن الارض و صلبها و لام ( 5 ) حفرها و جعلها كسائر الارض .
فلما جاوزها علي عليه السلام لوى الفرس عنقه ، و وضع جحفلته على اذنه ، ثم قال : ما أكرمك على رب العالمين ، جوزك على هذا المكان الخاوي ؟ !
1 ) " بخص " أ ، س ، ص ، ق ، د . و الظاهر أنها اما تصحيف لما في المتن ( حصر : جمع حصير ) أو لكلمه " خوص " و هو ورق النخل ، مفردها خوصة . " بحصير " ب ، ط . و ما أثبتناه من الاحتجاج و البحار . و كذا التي تأتي . 2 ) " اذنيه " أ ، س ، ص و الاحتجاج . و الجحفل لذى الحافر كالشفة للانسان . 3 ) التدبير في الامر : التفكر فيه . و فى المطبوع : كما أنذرتنى . 4 ) " ربك " الاصل و البحار . و ما في المتن من الاحتجاج . 5 ) أى أصلح .