فبعث الله تعالى لهم وابلا هطلا سحا ( 1 ) أملا حياضهم و آبارهم و أنهارهم و أوعيتهم و ظروفهم فقالوا : هذه إحدى الحسنيين : ثم أشرفوا من سطوحهم على العساكر المحيطة بهم ، فإذا المطر قد آذاهم غاية الاذى ، و أفسد [ عليهم ] أمتعتهم و أسلحتهم و أموالهم .
فانصرف عنهم لذلك بعضهم ، و ذلك أن المطر أتاهم في أوانه - في حمارة القيظ (2 ) حين لا يكون مطر - فقال الباقون من العساكر : هبكم سقيتم ، فمن أين تأكلون ؟ و لئن انصرف عنكم هؤلاء فلسنا ننصرف حتى نقهركم على أنفسكم و عيالاتكم و أهاليكم و أموالكم ، و نشفي غيظنا منكم .
فقالت اليهود : إن الذي سقانا بدعائنا بمحمد و آله قادر على أن يطعمنا ، و إن الذي صرف عنا من صرفه قادر على أن يصرف الباقين .
ثم دعوا الله بمحمد و آله أن يطعمهم .
فجاءت قافلة عظيمة من قوافل الطعام قدر ألفي جمل و بغل و حمار موقرة ( 3 ) حنطة و دقيقا ، و هم لا يشعرون بالعساكر فانتهوا إليهم و هم نيام ، و لم يشعروا بهم ، لان الله تعالى ثقل نومهم حتى دخلوا القرية ، و لم يمنعوهم ، و طرحوا فيها أمتعتهم و باعوها منهم فانصرفوا و أبعدوا ، و تركوا العساكر نائمة ليس في أهلها عين تطرف ، فلما أبعدوا انتبهوا ، و نابذوا ( 4 ) اليهود الحرب ، و جعل يقول بعضهم لبعض : الوحا ، الوحا ( 5 ) فان هؤلاء اشتد بهم الجوع و سيذلون لنا .
قال لهم اليهود : هيهات بل قد أطعمنا ربنا و كنتم نياما : جاءنا من الطعام كذا
1 ) سح الماء سحا : صبه صبا متتابعا غزيرا . 2 ) أى شدة الحر . 3 ) الوقر - بكسر الواو - : الحمل الثقيل . 4 ) أى جاهروا . 5 ) أى السرعة . و تقدم بيانها .