ثم قال : و كيف اختلط النور و الظلمة ( 1 ) ، و هذا من طبعه الصعود ، و هذه من طبعها النزول ؟ أ رأيتم لو أن رجلا أخذ شرفا يمشي اليه و الاخر غربا أ كان يجوز [ عندكم ] (2 ) أن يلتقيا ما داما سائرين على وجوههما ؟ قالوا : لا .
قال : فوجب أن لا يختلط النور و الظلمة ، لذهاب كل واحد منهما في جهة الاخر ، فكيف حدث هذا العالم من امتزاج ما هو محال أن يمتزج ؟ بل هما مدبران جميعا مخلوقان ، فقالوا : سننظر في أمورنا .
ثم أقبل على مشركي العرب فقال : و أنتم فلم عبدتم الاصنام من دون الله ؟ فقالوا : نتقرب بذلك إلى الله تعالى .
فقال : أو هي سامعة مطيعة لربها ، عابدة له ، حتى تتقربوا بتعظيمها إلى الله ؟ قالوا : لا .
1 ) قال العلامة المجلسي ره : قوله صلى الله عليه و آله : ( و كيف اختلط هذا النور و الظلمة ) اشارة إلى ما ذكره المانوية من الثنوية و هو أن العالم مصنوع مركب من أصلين قديمين . أحدهما نور ، و الاخر ظلمة ، و انهما أبديان لم يزالا و لا يزالان . ثم اختلفوا في المزاج و سببه فقال بعضهم : كان ذلك بالخبط و الاتفاق . و قال بعضهم وجوها ركيكة اخرى ، و قالوا : جميع أجزاء النور أبدا في الصعود و الارتفاع ، و أجزاء الظلمة أبدا في النزول و التسفل ، فرد النبي صلى الله عليه و آله عليهم بأنكم إذا اعترفتم بأن النور يقتضى بطبعه الصعود و الظلمة تقتضي بطبعها النزول و لا تعترفون بصانع يقسرهما على الاجتماع و الامتزاج فمن أين جاء امتزاجهما و اختلاطهما ليحصل هذا العالم ؟ و كيف يتأتى الخبط و الاتفاق مع كون الطبيعتين قاسرتين لهما على الافتراق ؟ و تفصيل القول و بسط الكلام في أمثال ذلك يوجب الخروج عن موضوع الكتاب ، و انما نكتفى بإشارات مقنعة لاولى الالباب . 2 ) من الاحتجاج .