فصل لبضع الكتاب : و هو على بن نصر بن بشر .
و كما أن الرجاء مادة الصبر و المعين عليه ، فكذلك علة الرجاء و مادته حسن الظن بالله عز و جل الذي لا يجوز أن يخيب ، فانا قد نستقرى الكرماء فنجدهم يرفعون من أحسن ظنه بهم ، و يخيبون من يخيب أمله فيهم ، و يتحرجون من اخفاق رجاء من قصدهم .
فكيف بأكرم الاكرمين الذي لا يعوذه أن بمنح مؤمليه ما يزيد على آمالهم فيه ، و أعدل الشواهد بمحبة الله جل جلاله أن يمسك عبده برجائه ، و انتظاره الروح من ظله و فنائه .
إن الاسنان لا يأتيه الفرج ، و لا تدركه النجاة إلا بعد إخفاق أمله في كل ما كان يتوجه فنحوه بأمله و رغبته ، و عند انفلاق مطالبه و عجز حيله و حيلته ، و تناهي ضره و محنته ، ليكون ذلك باعثا له على صرف رجائه أبدا إلى الله تعالى ، و زاجرا له عن تجاوز حسن الظن بالله تعالى .
و روى عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه أنه قال .
الفرج و الروح في اليقين ، و الرضا و الهم و الحزن في الشك و الغضب .
قال أبان بن ثعلب سمعت أعرابيا يقول : من أفضل آداب الرجال أنه إذا نزلت بأحدهم جائحة استعمل الصبر عليها ، و ألهم نفسه الرجاء لزوالها حتى كأنه بصبره يعاين الخلاص و الغناء توكلا على الله و حسن ظن به ، فمتى لزم هذه الصفة لم يلبث أن يقضى الله حاجته ، و يزيل كربته ، و ينجح طلبته ، و معه دينه و عرضه و مروءته .
و كان يقال : الصبور يدرك أحمد الامور .
حكى الاصمعى عن أعرابي قال : خف الشر من موضع الخير ، و ارج الخير من موضع الشر ، فرب حياة سببها طلب الموت ، و موت سببه طلب الحياة .
و أكثر ما يأتى الا من ناحية الخوف .
قال مؤلف هذا الكتاب : ما أقرب هذا الكلام من قول قطرى بن الفجاءة الخارجي ( 1 ) ذكره أبو تمام الطائي في كتابه المعروف بالحماسة : لا يركبن أحد إلى الاحجام يوم الوغى متخوفا لحمام فلقد أراني للرماح دريئة من عن يمينى مرة و أمامى
1 - من رؤساء الخوارج .