و أظنه دخل المدينة حينئذ لحاجة له مترقبا . قال ابن الزبير ( 1 ) فجعلت اتحدث و أبو ذر رحمة الله و رضوانه عليه يقطع حديثي بذكر فضائل علي عليه السلام . فقلت : يا أبا ذر إن المرء قد يحب المرء ثم يقصر . فأغاظ ذلك ابن عباس . فقال : يا أبا ذر أنا شدك الله بما لنا عليك من حق إلا حدثتنا بمناقب علي عليه السلام . ثم قال أبو ذر : نعم ، إن لكم علي حقوقا لا أضرب لها أمدا و لا احصي لها عددا . قال : فأسألك بحق حقوقنا عليك إلا حدثتنا ؟ قال [ أبو ذر ] : نعم ، كان رسول الله صلى الله عليه و آله بحراء ( 2 ) ، و كان علي عليه السلام على الصفا عند دار حمزة بن عبد المطلب ، فدعاه رسول الله صلى الله عليه و آله ، و قال : يا علي إني لارجو أن تكون صاحبي في سفري هذا . فقال : يا رسول الله ، وأي سفر هو ؟ فقال ذكرت لي أرض يقال لها : يثرب ، فان أعجل في القضاء ، فاتبعني . فأقام بعده ليلتين ، ثم انطلق إلى حراء ، فلم يجده ، فخنقته العبرة ، و اقشعر ، فأراد أن ينطلق ليتبعه . فذكر أنه لا زاد معه و أنه لا يهتدي الطريق . و كان رسول الله صلى الله عليه و آله قد أمره في الليلة التي خرج فيها أن يضطجع مضجعه . و أن يؤدي عنه أمانات كانت
1 - و هو عبد الله بن الزبير بن العوام ولد 1 ه ، قتله الحجاج 73 ه . 2 - أي غار حراء مهبط الوحي على رسول الله من جبال مكة .
عنده ( 1 ) ، و أن يحكم أشياء ( 2 ) عهدها اليه في أهله ، ثم يلحق ، ففعل ذلك . فلما قضاه و أراد اللحوق برسول الله صلى الله عليه و آله أتى امه - فاطمة بنت أسد - ليلا ، فقرع الباب عليها . فقالت : من هذا ؟ فقال : أنا علي . فقالت : إن اللات و العزى منك بريئان . فقال لها علي : اخفضي من صوتك و لا توقظي نوامك و اكرمي ضيفك ، فأما اللات و العزى فهما مني بريئان كما ذكرت ، و أنا منهما بري . ففتحت له الباب ، فجلس . فقال لها : هل عندك من شيء آكلة ؟ فرقت له ، فقالت : ارفع الكساء ، فثم خبزة وشئ من تمر . فأخذه ، ثم جعل يلاطفها حتى نامت . فوثب الحائط ، ثم سار ليلته و يومه فأمسى بالروحاء ( 3 ) و استبطاه رسول الله صلى الله عليه و آله و ظهر الغم به عليه . فقيل له في ذلك ، فقال : و ما لي لا أغتم و قد خلفت خليلي ، ابن أبي طالب بمكة أمرته باللحوق بي إذا قضى ما عهدت اليه ، و لا أدري ما فعل الله به ، و إن الله عز و جل قد أعطاني فيه ثلاثا في الدنيا و ثلاثا
1 - قال ابن هشام في السيرة 2 / 93 : و كان رسول الله صلى الله عليه و آله ليس بمكة أحد عنده شيء يخشى عليه إلا وضعه عنده لما يعلم من صدقه و أمانته صلى الله عليه و آله . 2 - في نسخة و : الاشياء ( 3 ) الروحاء : بالفتح ثم السكون ثم حاء المهملة ، أكثر ما قيل في المسافة بينها و بين المدينة 36 ميلا ( خلاصة الوفاء ص 558 ) .
في الآخرة : أعطاني في الدنيا ، فإنه صاحب لوائي ، و هو يواري عورتي ، و إنه صاحب مجلس القضاء من بعدي ، فأنا لا أخشى عليه أن يموت في حياتي . و أما التي أعطاني به في الآخرة ، فإنه صاحب لوائي - لواء الحمد - يقدمني به إلى الجنة ، و هو عون لي على مفاتيح خزائن الجنة ، و إنه صاحب حوضي يوم القيامة . فأنا آمن عليه أن يرتد كافرا بعد إذ هداه الله ، و لكني أخاف عليه جهلة قريش . و ذكر باقي الحديث . [ ضغائن في صدور القوم ] [ 815 ] و بآخر ، عن أنس بن مالك ( 1 ) ، قال : خرج رسول الله صلى الله عليه و آله و علي عليه السلام معه و خرجت معهما ، فمشينا في حدائق المدينة ، فمررنا على حديقة . فقال علي عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه و آله : ما أحسن هذه الحديقة يا رسول الله ! فقال له رسول الله صلى الله عليه و آله : حديقتك يا علي في الجنة أحسن منها . حتى عدد سبع حدائق كل ذلك يقول له رسول الله صلى الله عليه و آله مثل ذلك . ثم بكى رسول الله صلى الله عليه و آله ، فقال علي عليه السلام :
1 - أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم النجاري الخزرجي الانصاري أبو ثمامة أو أبو حمزة ولد بالمدينة 10 قبل الهجرة خدم النبي صلى الله عليه و آله إلى أن قبض ، ثم رحل إلى دمشق ثم إلى البصرة فمات فيها 93 ه و هو آخر من مات بالبصرة من الصحابة .
ما يبكيك يا رسول الله ؟ قال : أبكاني اني ذكرت ضغائن لك في صدور قوم لا يبدونها لك حتى يفقدوني ( 1 ) . [ 816 ] و بآخر ، عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و آله : ثلاثة تشتاق إليهم الجنة : علي بن أبي طالب و عمار و سلمان . [ خير الخلق يوم القيامة ] [ 817 ] و بآخر ، أن عليا عليه السلام لما فرغ من قتال أهل لبصرة وقف على أفواه ثلاث سكك . فقال : ألا أخبركم بخير الخلق يوم القيامة ؟ قالوا : نعم يا أمير المؤمنين ، فمن هم ؟ قال : سبعة من ولد عبد المطلب . فقام اليه سلمان بن ربيعة ، فقال : أخبرنا بأسمائهم يا أمير المؤمنين . قال : ما حدثتكم إلا و أنا أريد أن أخبركم به ، و أولهم رسول الله صلى الله عليه و آله ، و وصيه صاحبكم ، و حمزة ، و جعفر ، و الحسن و الحسين ، و المهدي منا أهل البيت صلوات الله عليهم .
1 - و أضاف ابن عساكر في تاريخ دمشق 2 / 325 الحديث 830 : فقال علي عليه السلام : فما اصنع يا رسول الله ؟ قال : تصبر . قال : فان لم أستطع ؟ قال : تلقى جميلا . قال : و يسلم لي ديني ؟ قال : و يسلم لك دينك .
[ 818 ] وكيع ، عن الحكم بن عبد الرحمن بن الاخنس ، قال : خطبنا المغيرة بن شعبة ، فنال ( 1 ) من علي عليه السلام ، فقام اليه سعد بن زيد ( 2 ) فقال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يقول : علي في الجنة و هو خير البرية . [ أشبه الناس بالمسيح ] [ 819 ] و بآخر ، عن سلمان الفارسي ( 3 ) ، أنه قال : لما انصرف رسول الله صلى الله عليه و آله من عزوة بني المصطلق تقدم في مقدمة الناس ، و أمر عليا عليه السلام أن يكون في ساقتهم ( 4 ) يحفظهم ، فلما وصل رسول الله صلى الله عليه و آله إلى المدينة أتى إلى باب المسجد ، فجلس ينتظر عليا عليه السلام لم يدخل منزله ، فرأيته يمسح العرق من وجهه . ثم قال : يأتيكم الساعة من هذه الشعبة - و أشار بيده إلى بعض الشعاب - رجل أشبه الناس بالمسيح ، و هو أفضل الناس بعدي يوم القيامة ، و أول من يدخل الجنة ، فجعلنا ننظر إلى الشعب . فكان أول من طلع منه علي بن أبي طالب عليه السلام ، فلما انتهى
1 - و في نسخة و : فقال . 2 - قال العاملي في اعيان الشيعة 7 / 222 : ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه و آله . 3 - أبو عبد الله سلمان الفارسي الصحابي توفي بالمدائن في العراق بسنة 36 ه و مرقده يزار و يعرف بإسم سلمان باك . روى الكشي بسنده ، عن أسباط بن سالم ، عن موسى بن جعفر : إذا كان يوم القيامة ينادي مناد أين حواري محمد بن عبد الله الذي لم ينقضوا العهد و مضوا عليه ؟ فيقوم سلمان و المقداد و أبو ذر . 4 - ساقة الجيش : مؤخرته .
إلى رسول الله صلى الله عليه و آله قام اليه ، فاعتنقه ، و قبل بين عينيه ، و دخلا . فقال قوم من المنافقين : يشبه ابن عمه بالمسيح و يمثله به . أفآلهتنا التي كنا نعبدها خير أم علي . فأنزل الله عز و جل فيهم : " و لما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون . و قالوا أ آلهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون " ( 1 ) . [ خير الامة في الدارين ] [ 820 ] الحكم بن سليمان ، باسناده ، عن أبي رافع ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه و آله لعلي صلوات الله عليه : أنت خير أمتي في الدنيا و الآخرة ، زوجتك خير نساء أمتي في الدنيا و الآخرة ، و ابناك سيدا أمتي في الدنيا و الآخرة . [ 821 ] عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن جابر بن عبد الله ، أنه قال : جلسنا يوما مع النبي صلى الله عليه و آله فقال : الآن يدخل عليكم رجل من أهل الجنة . ثم جعل يقول : أللهم إن شئت جعلته عليا . فأقبل عليه السلام فدخل . [ 822 ] الاشعث ، عن الحسن البصري ( 2 ) ، أنه سمع رجلا يقع في علي عليه السلام فقال : أما أن هذا وقع في رجل هو أخو رسول الله صلى الله عليه و آله في الدنيا ( 3 ) و أخوه في الآخرة .
1 - الزخرف : 56 - 58 . 2 - أبو سعيد ، ولد بالمدينة 21 ، و توفي بالبصرة سنة 110 ه . 3 - و في نسخة و : الديني .
[ 823 ] سليمان بن جعفر ، باسناه ، عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عليه السلام ، أنه قال : إذا كان يوم القيامة جمع الله عز و جل الخلق عراة ، فيوقفون بالمحشر ، حتى يعرقوا عرقا شديدا و تشتد أنفاسهم ، فيمكثون بذلك مقدار خمسين عاما ، و ذلك قول الله عز و جل " و خشعت الاصوات للرحمان فلا تسمع إلا همسا " ( 1 ) . قال : ثم ينادي مناد : و أين نبي الرحمة محمد بن عبد الله الامي فيتقدم رسول الله صلى الله عليه و آله أمام الناس كلهم حتى ينتهي إلى حوض طوله ما بين إيلة ( 2 ) إلى صنعاء ( 3 ) ، فيقف عليه ، و ينادي بصاحبكم - يعنى عليا عليه السلام - فيتقدم أمام الناس ، و أنتم معه - يعني شيعة آل محمد عليهم السلام - ، ثم يؤذن للناس فيمرون ، فمن بين وارد يومئذ و مصدود . فإذا رأى رسول الله صلى الله عليه و آله من صرف عنه من محبينا بكى ، و قال : يا رب شيعة علي . فيبعث الله عز و جل اليه ملكا يقول له : ما يبكيك ؟ فيقول رسول الله صلى الله عليه و آله : أبكي لاناس من شيعة علي أراهم قد صرفوا تلقاء أصحاب النار ، و منعوا من ورود الحوض . قال : فيقول له الملك : إن الله عز و جل يقول لك : إني قد وهبتهم لك ، و ألحقتهم بك ، و صفحت عن ذنوبهم و جعلتهم مع من كانوا يتولون ، و أوردتهم حوضك . قال أبو جعفر عليه السلام : فكم من باك و باكية ينادون يومئذ :
1 - طه : 108 . و الهمس الصوت الخفي . 2 - ايلة : موضع في أعلى المدينة . 3 - صنعاء : مدينة باليمن .