يا جهلة أن النفس تلتاث على صاحبها ( 1 ) إذا لم يكن لها من العيش ما تعتمد عليه ، فإذا هي أحرزت معيشتها اطمأنت . فأما أبو ذر رضي الله عنه فكانت له نويقات و شويهات يحلبها ( 2 ) و يذبح منها إذا اشتهى أهله اللحم ، أو نزل به ضيف أو رأى بأهل الماء الذين هم معه خصاصة نحر لهم الجزور ، أو من الشياة على قدر ما يذهب عنهم قرم اللحم ( 3 ) فيقسمه بينهم و يأخذ كنصيب أحدهم لا يفضل عليهم . و من أزهد من هؤلاء ؟ و قد قال فيهم رسول الله صلى الله عليه و آله ما قال و لم يبلغ من أمرهما أن صارا لا يملكان شيئا البتة كما تأمرون الناس بإلقاء أمتعتهم و شيئهم و يؤثرون به على أنفسهم و عيالاتهم . و اعلموا أيها النفر أني سمعت أبي يروي عن آبائه عليهم السلام أن رسول الله صلى الله عليه و آله قال يوما : " ما عجبت من شيء كعجبي من المؤمن أنه إن قرض جسده في دار الدنيا بالمقاريض كان خيرا له ، و إن ملك ما بين مشارق الارض و مغاربها كان خيرا له ، فكل ما يصنع الله عز و جل به فهو خير له " فليت شعري هل يحيق فيكم اليوم ( 4 ) ما قد شرحت لكم أم أزيدكم . أو ما علمتم أن الله جل اسمه قد فرض على المؤمنين في أول الامر أن يقاتل الرجل منهم عشرة من المشركين ليس له أن يولي وجهه عنهم و من ولاهم يومئذ دبره فقد تبوأ مقعده من النار ثم حولهم من حالهم رحمة منه فصار الرجل منهم عليه أن يقاتل رجلين من المشركين تخفيفا من الله عز و جل عن المؤمنين ( 5 ) ، فنسخ الرجلان العشرة . و أخبروني أيضا عن القضاة أجور منهم حيث يفرضون على الرجل منكم نفقة إمرأته إذا قال : أنا زاهد و إنه لا شيء لي ؟ فإن قلتم : جور ظلمتم أهل الاسلام و إن
1 - " تلتاث " أى تبطئ و تحتبس عن الطاعات و تسترخى و تستضعف . 2 - النويقات : جمع نويقة تصغير الناقة و الشويهة : جمع شويهة تصغير الشاة . 3 - أهل الماء هم الذين يسقون له الماء . و الجزور - كرسول - : البعير و ما ينحر من الابل و الغنم و الشاة في بعض النسخ [ الشاة ] و القرم - محركة - : شدة شهوة اللحم . 4 - يحيق فيه : أثر فيه . - و به : أحاط . - و بهم : نزل . و فى بعض نسخ الكافى [ يحتفى ] و فى بعضها [ يحق ] . 5 - في الكافى [ للمؤمنين ] .