و لا تدنيه قد و لا تحجبه لعل و لا تقارنه مع و لا تشتمله هو ، إنما تحد الادوات أنفسها و تشير الآلة إلى نظائرها و في الاشياء توجد أفعالها و عن الفاقة تخبر الاداة و عن الضد يخبر التضاد و إلى شبهه يؤول الشبيه و مع الاحداث أوقاتها و بالاسماء تفترق صفاتها و منها فصلت قرائنها وإليها آلت أحداثها ( 1 ) ، منعتها مذ القدمة و حمتها قد الازلية و نفت عنها لو لا الجبرية ، افترقت فدلت على مفرقها و تباينت فأعربت عن مباينها ، بها تجلى صانعها للعقول و بها احتجب عن الرؤية وإليها تحاكم الاوهام و فيها أثبتت العبرة و منها أنيط الدليل ، بالعقول يعتقد التصديق بالله و بالاقرار يكمل الايمان ( 2 ) .
1 - " و لا تدنيه قد " يعنى لما لم يكن زمانيا لا تدنيه كلمة قد التي هى لتقريب الماضي إلى الحال أو ليس في علمه شدة و ضعف حتى تقربه كلمة قد التي للتحقيق إلى العلم بحصول شيء و لا تحجبه كلمة لعل التي هى لترجى أمر في المستقبل ، أى لا يخفى عليه الامور المستقبلة أو ليس له شك في أمر حتى يمكن أن يقول لعل . " و لا تقارنه مع " أى بأن يقال : كان شيء معه أزلا . أو مطلق المعية بناءا على نفى الزمان أو الاعم من المعية الزمانية أيضا . " و لا تشتمله هو " لعله تصحيف من النساخ و الصحيح " لا يشمله حين " أو " لا يشمل بحد " كما في النهج و المراد إما الحد الاصطلاحى و ظاهر كونه تعالى لا حد له إذ لا اجزاء له فلا يشمل و لا تحاط حقيقته بحد و إما الحد اللغوي و هو النهاية التي تحيط بالجسم و ذلك من لواحق الكم المتصل و المنفصل و هما من الاعراض و لا شيء من واجب الوجود بعرض أو محل له فامتنع أن يوصف بالنهاية . " و إنما تحد الادوات أنفسها " المراد بالادوات هنا : آلات الادراك التي هى حادثة ناقصة و كيف يمكن لها أن تحد الازلى المتعالي عن النهاية . و قوله : " عن الفاقة تخبر الاداة " أى يكشف الادوات و الالات عن احتياج الممكنات و بالضد عن التضاد و بالتشبيه عن شبه الممكنات بعضها من بعض و بالحدثية يكشف عن توقيتها و تفترق الاسماء عن صفاتها . 2 - " مذ " و " قد " و " لو لا " كلها فواعل لافعال قبلها ، و " مذ " و " قد " للابتداء و التقريب و لا تكونان إلا في الزمان المتناهي و هذا مانع للقدم و الازلية و كلمة " لو لا " مركب من " لو " بمعنى الشرط و " لا " بمعنى النفي و يستفاد منها التعليق و هو ينافى الجبرية . و قوله : " بها تجلى إلخ " أى بهذه الالات و الادوات التي هى حواسنا و مشاعرنا و بخلقه إياها و تصويره لنا تجلى للعقول و عرف لانه لو لم يخلقها لم يعرف . و قوله : " بها احتجب عن الرؤية " أى بها استنبطنا استحالة كونه مرئيا بالعيون لانا بالمشاعر و الحواس كملت عقولنا و بعقولنا استخرجنا الدلالة على أنه لا تصح رؤيته فأذن بخلقه الالات و الادوات لنا عرفناه عقلا . و فى بعض النسخ [ و منها انبسط الدليل ] .