فنشأ ولده هذا و اتصل بالدولة ، و علت منزلته ، حتى أعطي طبلخانة و باشر ولاية البريد بدمشق مع شد الاوقاف ثم صرف إلى ولاية الولاة بحوران ، فأعترضه المرض ، و كان سبط البدن عبله ، فسأل أن يقال فأجيب فأقام ببستانه بالمزة إلى أن توفي في خامس عشرين ذي الحجة ، وصلي عليه هناك ، و دفن بمقبرة المزة ، و كان من خيار الامراء و أحسنهم ، مع ديانة و خير سامحه الله .
و في هذا اليوم توفي : الفقية الناسك شرف الدين الحراني شرف الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن سعد الله بن عبد الاحد بن سعد الله بن عبد القاهر بن عبد الواحد ( 1 ) بن عمر الحراني ، المعروف بإبن النجيح ، توفي في وادي بني سالم ، فحمل إلى المدينة فغسل وصلي عليه في الروضة و دفن بالبقيع شرقي قبر عقيل ، فغبطه الناس في هذه الموتة و هذا القبر ، رحمه الله ، و كان من ؟ غبطه الشيخ شمس الدين بن مسلم قاضي الحنابلة ، فمات بعده و دفن عنده و ذلك بعده بثلاث سنين رحمهما الله .
و جاء يوم حضر جنازة الشيخ شرف الدين محمد المذكور شرف الدين بن أبي العز الحنفي قبل ذلك بجمعة ، مرجعه من الحج بعد انفصاله عن مكة بمرحلتين فغبط الميت المذكور بتلك الموتة فرزق مثلها بالمدينة ، و قد كان شرف الدين بن نجيح هذا قد صحب شيخنا العلام تقي الدين بن تيمية ، و كان معه في مواطن كبار صعبه لا يستطيع الاقدام عليها إلا الابطال الخلص الخواص ، و سجن معه ، و كان من أكبر خدامه و خواص أصحابه ، ينال فيه الاذى و أوذي بسببه مرات ، و كل ما له في ازدياد محبة فيه و صبرا على أذى أعدائه ، و قد كان هذا الرجل في نفسه و عند الناس جيدا مشكور السيرة جيد العقل و الفهم ، عظيم الديانة و الزهد ، و لهذا كانت عاقبته هذه الموتة عقيب الحج ، وصلي عليه بروضة مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و دفن بالبقيع بقيع الفرقد بالمدينة النبوية ، فختم له بصالح عمله ، و قد كان كثير من السلف يتمنى أن يموت عقيب عمل صالح يعمله ، و كان له جنازة حافلة رحمه الله تعالى ، و الله سبحانه أعلم .
ثم دخلت سنة أربع و عشرين و سبعمأة استهلت و الحكام هم المذكورون في التي قبلها : الخليفة المستكفي بالله أبو الربيع سليمان بن الحاكم بأمر الله العباسي ، و سلطان البلاد الملك الناصر ، و نائبه بمصر سيف الدين أرغون و وزيره أمين الملك ، و قضاته بمصر هم المذكورون في التي قبلها ، و نائبه بالشام تنكز ، و قضاة الشام الشافعي جمال الدين الزرعي ، و الحنفي الصدر علي البصراوي ، و المالكي شرف الدين الهمداني ،
1 - في شذرات الذهب 6 / 61 : عبد الاحد .