بدایة والنهایة

ابن کثیر دمشقی؛ محقق: علی شیری

جلد 14 -صفحه : 367/ 229
نمايش فراداده

العيش و قلة ما بأيديهم من الاطعمة و علف الدواب ، و كثرة ما معهم من الكلف ، فرأوا أن هذا حال يطول عليهم ، و مقتوا أمرهم غاية المقت ، و تطايبت قلوبهم و قلوب أولئك مع أهل البلد على كراهته لقوة نفسه فيما لا يجدي عليه و لا عليهم شيئا ، فبايعوا على المخامرة عليه ، فلم يبق معه سوى حاشيته في أقل من ساعة واحدة ، فلما رأى الحال على هذه الصفة كر راجعا هاربا من حيث جاء و صحبته الامير سيف الدين رقطبة ( 1 ) نائب طرابلس ، و أمير ان آخران ( 2 ) ، و التقت العساكر و الامراء ، و جاءت البشارة إلى دمشق قبل الظهر ففرح الناس فرحا شديدا جدا ، الرجال و النساء و الولدان ، حتى من لا نوبة له ، و دقت البشائر بالقلعة المنصورة ، فأرسلوا في طلب من هرب ، و جلس الفخري هنالك بقية اليوم يحلف الامراء على أمره الذي جاء له ، فحلفوا له ، و دخل دمشق عشية يوم الخميس في أبهة عظيمة ، و حرمة وافرة ، فنزل القصر الابلق و نزل الامير تغردمر بالميدان الكبير ، و نزل عمارى بدار السعادة و أخرجوا الموساوي الذي كان معتقلا بالقلعة ، و جعلوه مشدا على حوطات حواصل الطنبغا و كان قد تغضب الفخري على جماعة من الامراء منهم الامير حسام الدين السمقدار ، أمير حاجب بسبب أنه صاحب لعلاء الدين الطنبغا ، فلما وقع ما وقع هرب فيمن هرب ، و لكن لم يأت الفخري ، بل دخل البلد فتوسط في الامر : لم يذهب مع ذاك و لا جاء مع هذا ، ثم إنه استدرك ما فاته فرجع من البار إلى الفخري ، و قيل بل رسم عليه حين جاء و هو مهموم جدا ، ثم إنه أعطي منديل الامان ، و كان معهم كتاب السر القاضي شهاب الدين بن فضل الله ، ثم أفرج عنهم ، و منهم الامير سيف الدين حفطية و كان شديد الحنق عليه ، فأطلقه من يومه و أعاده إلى الحجوبية ، و أظهر مكارم أخلاق عظيمة ، و رياسة كبيرة ، و كان للقاضي علاء الدين بن المنجا قاضي قضاة الحنابلة في هذه الكائنة سعي مشكور ، و مراجعة كبيرة للامير علاء الدين الطنبغا ، حتى خيف عليه منه ، و خاطر بنفسه معه ، فأنجح الله مقصده و سلمه منه ، و كبت عدوه و لله الحمد و المنة .و في يوم السبت السادس و العشرين منه قلدقضاء العساكر المنصورة الشيخ فخر الدين بن الصائغ عوضا عن القاضي الحنفي ( 3 ) ، الذي كان مع النائب المنفصل ، و ذلك أنهم نقموا عليه إفتاءه الطنبغا بقتال الفخري ، و فرح بولايته أصحاب الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله ، و ذلك لانه من أخص من صحبه قديما ، و أخذ عنه فوائد كثيرة و علوما .و في يوم الاربعاء سلخ رجب آخر النهار قدم الامير قماري ( 4 ) من عند الملك الناصر بن

1 - في السلوك 2 / 585 : أرقطاي .

2 - و هما : اسنبغا بن بكتمر البو بكري وأيدمر المرقبي من أمراء دمشق ( السلوك 2 / 585 ) .

3 - و هو قاضي القضاة حسام الدين الغوري الحنفي ( السلوك 2 / 591 ) .

4 - و هو قماري بن عبد الله الناصري توفي سنة 743 أما في الدرر الكامنة فقد جعل وفاته في أواخر سنة خمس أو أوائل سنة 746 ه .

( 3 / 256 ) .