بعد ليلتين أو ثلاث ، و تعرضوا عن ذلك بحواصل قوصون ، و استمر الفخري بمن معه و من أضيف إليه من الامراء و الاجناد مقيمين بثنية العقاب ، و استخدم من رجال البقاع جماعة كثيرة أكثر من ألف رام ، و أميرهم يحفظ أفواه الطرق ، و أزف قدوم الامير علاء الدين طنبغا بمن معه من عساكر دمشق ، و جمهور الحلبيين و طائفة الطرابلسيين ، و تأهب هؤلاء لهم .فلما كان الحادي من الشهر اشتهر أن الطنبغا وصل إلى القسطل و بعث طلائعه فالتقت بطلائع الفخري ، و لم يكن بينهم قتال و لله الحمد و المنة و أرسل الفخري إلى القضاة و نوابهم و جماعة من الفقهاء فخرجوا و رجع الشافعي من أثناء الطريق ، فلما وصلوا أمرهم بالسعي بينه و بين الطنبغا في الصلح ، و أن يوافق الفخري في أمره ، و أن يبايع الناصر بن الناصر ، فأبى فردهم إليه مرة ، و كل ذلك يمتنع ؟ عليهم ، فلما كان يوم الاثنين رابع عشره عند العصر جاء بريد إلى متولي البلد عند العصر من جهة الفخري يأمره بغلق أبواب البلد ، فغلقت الابواب ، و ذلك لان العساكر توجهوا و توافقوا للقتال ، فإنا لله و إنا إليه راجعون .و ذلك أن الطنبغا لما علم أن جماعة قط لو بغا على ثنية العقاب دار الذروة من ناحية المعيصرة ، و جاء بالجيوش من هناك ، فاستدار له الامير سيف الدين قط لو بغا الفخري بجماعته إلى ناحيته ، و وقف له في طريقه ، و حال بينه و بين الوصول إلى البلد ، و انزعج الناس انزعاجا عظيما ، و غلقت القياسرة و الاسواق و خاف الناس بعضهم من بعض أن يكون نهب ، فركب متولي البلد الامير ناصر الدين بن بكباشي و معه أولاده و نوابه و الرجالة ، فسار في البلد و سكن الناس ودعوا له ، فلما كان قريب المغرب فتح لهم باب الجابية ليدخل من هو من أهل البلد ، فجرت في الباب على ما قيل زحمة عظيمة ، و تسخط الجند على الناس في هذه الليلة ، و اتفق أنها ليلة الميلاد ، و بات المسلمون مهمومون بسبب العسكر و اختلافهم فأصبحت أبواب البلد مغلقة في يوم الثلاثاء سوى باب الجابية ، و الامر على ما هو عليه ، فلما كان عشية هذا اليوم تقارب الجيشان و اجتمع الطنبغا و أمراؤه ، و اتفق أمراء دمشق و جمهورهم الذين هم معه على أن لا يقاتلوا مسلما و لا يسلوا في وجه الفخري و أصحابه سيفا ، و كان قضاة الشام قد ذهبوا إليه مرارا للصلح ، فيأبى عليهم إلا الاستمرار على ما هو عليه ، و قويت نفسه عليه انتهى .و الله سبحانه و تعالى أعلم بالصواب .عجيبة من عجائب الدهر فبات الناس متقابلين في هذه الليلة و ليس بين الجيشين إلا مقدار ميلين أو ثلاثة ، و كانت ليلة مطيرة ، فما أصبح الصبح إلا و قد ذهب من جماعة الطنبغا إلى الفخري خلق كثير من أجناد الحلفاء و من الامراء و الاعيان ، و طلعت الشمس و ارتفعت قليلا فنفذ الطنبغا القضاة و بعض الامراء إلى الفخري يتهدده و يتوعده نفسه عليه .فما ساروا عنه قليلا إلا ساقت العساكر من الميمنة و الميسرة و من القلب ، و من كل جانب مقفرين إلى الفخري ، و ذلك لما هم فيه من ضيق