و في ثاني يوم من المناداة بالامان طلبت الخيول و السلاح و الاموال المخبأة عند الناس من جهة الدولة ، و جلس ديوان الاستخلاص إذ ذاك بالمدرسة القيمرية ، و في يوم الاثنين عاشر الشهر قدم سيف الدين قبجق المنصوري فنزل في الميدان و اقترب جيش التتر و كثر العيث في ظاهر البلد ، و قتل جماعة و غلت الاسعار بالبلد جدا ، و أرسل قبجق إلى نائب القلعة ليسلمها إلى التتر فامتنع أرجواش من ذلك أشد الامتناع ، فجمع له قبجق أعيان البلد فكلموه أيضا فلم يجبهم إلى ذلك ، و صمم على ترك تسليمها إليهم و بها عين تطرف ، فإن الشيخ تقي الدين بن تيمية أرسل إلى نائب القلعة يقول له ذلك ، لو لم يبق فيها إلا حجر واحد فلا تسلمهم ذلك إن استطعت ، و كان في ذلك مصلحة عظيمة لاهل الشام فإن الله حفظ لهم هذا الحصن و المعقل الذي جعله الله حرزا لاهل الشام التي لا تزال دار إيمان و سنة ، حتى ينزل بها عيسى ابن مريم .و في يوم دخول قبجق إلى دمشق دخل السلطان و نائبه سلار إلى مصر كما جاءت البطاقة بذلك إلى القلعة ، و دقت البشائر بها فقوي جأش النا س بعض قوة ، و لكن الامر كما قال : كيف السبيل إلى سعاد و دونها قلل الجبال و دونهن حتوف الرجل حافية و ما لي مركب و الكف صفر و الطريق مخوف و في يوم الجمعة رابع عشر ربيع الآخر خطب لقازان على منبر دمشق بحضور المغول بالمقصورة و دعي له على السدة بعد الصلاة و قرئ عليها مرسوم بنيابة قبجق على الشام ، و ذهب إليه الاعيان فهنؤه بذلك ، فأظهر الكرامة و أنه في تعب عظيم مع التتر ، و نزل شيخ المشايخ محمود بن علي الشيباني بالمدرسة العادلية الكبيرة .و في يوم السبت النصف النصف من ربيع الآخر شرعت التتار و صاحب سيس في نهب الصالحية و مسجد الاسدية و مسجد خاتون و دار الحديث الاشرفية بها و احترق جامع التوبة بالعقيبية ، و كان هذا من جهة الكرج و الارمن من النصارى الذين هم مع التتار قبحهم الله .و سبوا من أهلها خلقا كثيرا و جما غفيرا ، و جاء أكثر الناس إلى رباط الحنابلة فاحتاطت به التتار فحماه منهم شيخ الشيوخ المذكور ، و أعطى في الساكن مال له صورة ثم أقحموا عليه فسبوا منه خلقا كثيرا من بنات المشايخ و أولادهم فإنا لله و إنا إليه راجعون .و لما نكب دير الحنابلة في ثاني جمادى الاولى قتلوا خلقا من الرجال و أسروا من النساء كثيرا ، و نال قاضي القضاة تقي الدين أذى كثير ، و يقال إنهم قتلوا من أهل الصالحية قريبا من أربعمائة ، و أسروا نحوا من أربعة آلاف أسير ، و نهبت كتب كثيرة من الرباط الناصري و الضيائية ، و خزانة ابن البزوري ، و كانت تباع و هي مكتوب عليها الوقفية ، و فعلوا بالمزة مثل ما فعلوا بالصالحية ، و كذلك بداريا و بغيرها ، و تحصن الناس منهم في الجامع بداريا ففتحوه قسرا و قتلوا منهم خلقا و سبوا نساءهم و أولادهم ، فإنا لله و إنا إليه راجعون .و خرج الشيخ ابن تيمية في جماعة من أصحابه يوم الخميس العشرين من ربيع الآخر إلى ملك