محمد بن الملك المنصور قلاوون الصالحي
صلاح الدين بن الملك الناصر
مملكة السلطان الملك الصالح
كائنة غريبة جدا
حج في هذه السنة فوقع بينه و بين صاحب مكة عجلان بسبب أنه أراد أن يولي عليها أخاه بعيثة ، فاشتكى عجلان ذلك إلى أمراء المصريين و كبيرهم إذ ذاك الامير سيف الدين بزلار و معهم طائفة كثيرة ، و قد أمسكوا أخاهم يلبغا ( 1 ) و قيدوه ، فقوي رأسه عليهم و استخف بهم ، فصبروا حتى قضى الحج و فرغ الناس من المناسك ، فلما كان يوم النفر الاول يوم الخميس تواقفواهم و هو فقتل من الفريقين خلق كثير ، و الاكثر من اليمنيين ، و كانت الوقعة قريبة من وادي محسر ، و بقي الحجيج خائفين أن تكون الدائرة على الاتراك فتنهب الاعراب أموالهم و ربما قتلوهم ، ففرج الله و نصر الاتراك على أهل اليمن ولجأ الملك المجاهد إلى جبل فلم يعصمه من الاتراك ، بل أسروه ذليلا حقيرا ، و أخذوه مقيدا أسيرا ، و جاءت عوام الناس إلى اليمنيين فنهبوا شيئا كثيرا ، و لم يتركوا لهم جليلا و لا حقيرا ، و لا قليلا و لا كثيرا ، و احتاط الامراء على حواصل الملك و أمواله و أمتعته و أثقاله ، و ساروا بخيله و جماله ، و أدلوا على صنديد من رحله و رجاله ، واستحضروا معهم طفيلا الذي كان حاصر المدينة النبوية في العام الماضي و قيدوه أيضا ، و جعلوا الغل في عنقه ، و استاقوه كما يستاق الاسير في وثاقه مصحوبا بهمه و حتفه ، و انشمروا عن تلك البلاد إلى ديارهم راجعين ، و قد فعلوا فعلة تذكر بعدهم إلى حين .و دخل الركب الشامي إلى دمشق يوم الثلاثاء الثالث و العشرين من المحرم على العادة المستمرة و القاعدة المستقرة .و في هذا اليوم قدمت البر يدية من تلقاء مدينة صفد مخبرة بأن الامير شهاب الدين أحمد ابن مشد الشرنجاتاه ، الذي كان قد تمرد بها و طغى و بغى حتى استحوز عليها و قطع سببها و قتل الفرسان و الرجالة ، و ملاها أطعمة و أسلحة ، و مماليكه و رجاله ، فعندما تحقق مسك يلبغا ( 1 ) أروش و خضعت تلك النفوس ، و خمدت ناره و سكن شراره و حار بثاره ، و وضح قراره ، و أناب إلى التوبة و الاقلاع ، و رغب إلى السلامة و الخلاص ، و خشع و لات حين مناص ، و أرسل سيفه إلى السلطان ، ثم توجه بنفسه على البريد إلى حضرة الملك الناصر و الله المسؤول أن يحسن عليه و أن يقبل بقلبه إليه ( 2 ) .و في يوم الاحد خامس صفر قدم من الديار المصرية الامير سيف الدين أرغون الكاملي معادا إلى نيابة حلب ( 3 ) ، و في صحبته الامير سيف الدين طشبغا الدوادار بالديار المصرية ، و هو زوج ابنة نائب الشام ، فتلقاه نائب الشام و أعيان الامراء ، و نزل طشبغا الدوادار عند زوجته بدار منجى في محلة مسجد القصب التي كانت تعرف بدار حنين بن حندر ، و قد جددت في السنة الماضية ، و توجها في الليلة الثانية من قدومها إلى حلب .و في يوم الاربعاء رابع عشر ربيع الاول اجتمع1 - في السلوك و بدائع الزهور .بيبغا .2 - أنظر حاشية 3 صفحة 271 .3 - و كان قد وصل إلى الديار المصرية يوم الجمعة خامس المحرم سنة 752 .