صفة وقة شقحب
شعبان ، و كان الناس في خوف و رعب لا يعبر عنه ، لكن كان الفرج من ذلك قريبا ، و لكن أكثرهم لا يفلحون ، كما جاء في حديث أبي رزين " عجب ربك من قنوط عباده و قرب غيره ينظر إليكم أزلين قنطين فيظل يضحك يعلم أن فرجكم قريب " ( 1 ) .فلما كان آخر هذا اليوم وصل الامير فخر الدين إياس المرقبي أحد أمراء دمشق ، فبشر الناس بخير ، هو أن السلطان قد وصل وقت اجتمعت العساكر المصرية و الشامية ، و قد أرسلني أكشف هل طرق البلد أحد من التتر ، فوجد الامر كما يحب لم يطرقها أحد منهم ، و ذلك أن التتار عرجوا من دمشق إلى ناحية العساكر المصرية ، و لم يشتغلوا بالبلد ، و قد قالوا إن غلبنا فإن البلد لنا ، و إن غلبنا فلا حاجة لنا به ، و نودي بالبلد في تطييب الخواطر ، و أن السلطان قد وصل ، فاطمأن الناس و سكنت قلوبهم ، و أثبت الشهر ليلة الجمعة القاضي تقي الدين الحنبلي ، فإن السماء كانت مغيمة فعلقت القناديل و صليت التراويح و استبشر الناس بشهر رمضان و بركته ، و أصبح الناس يوم الجمعة في هم شديد و خوف أكيد ، لانهم لا يعلمون ما خبر الناس .فبينما هم كذلك إذ جاء الامير سيف الدين غرلو العادلي فاجتمع بنائب القلعة ثم عاد سريعا إلى العسكر ، و لم يدر أحد ما أخبر به ، و وقع الناس في الاراجيف و الخوض .صفة وقعة شقحب ( 2 ) أصبح الناس يوم السبت ( 3 ) على ما كانوا عليه من الخوف و ضيق الامر ، فرأوا من المآذن سوادا و غبرة من ناحية العسكر و العدو ، فغلب على الظنون أن الوقعة في هذا اليوم ، فابتهلوا إلى الله عز و جل بالدعاء في المساجد و البلد ، و طلع النساء و الصغار على الاسطحة و كشفوا رؤوسهم و ضج البلد ضجة عظيمة ، و وقع في ذلك الوقت مطر عظيم غزير ، ثم سكن الناس ، فلما كان بعد الظهر قرئت بطاقة بالجامع تتضمن أن في الساعة الثانية من نهار السبت هذا اجتمعت الجيوش الشامية و المصرية مع السلطان في مرج الصفر ، و فيها طلب الدعاء من الناس و الامر بحفظ القلعة .و التحرز على الاسوار فدعا الناس في المآذن و البلد ، و انقضى النهار و كان يوما مزعجا هائلا ، و أصبح الناس يوم الاحد يتحدثون بكسر التتر ، و خرج الناس إلى ناحية الكسوة فرجعوا و معهم شيء من المكاسب ، و معهم رؤوس من رؤوس التتر ، و صارت كسرة التتار تقوى و تتزايد قليلا قليلا حتى اتضحت جملة ، و لكن الناس لما عندهم من شدة الخوف و كثرة التتر لا يصدقون ، فلما كان بعد الظهر قرئ كتاب السلطان إلى متولي القلعة يخبر فيه باجتماع الجيش ظهر يوم السبت1 - في هامش المطبوعة : " في سنن ابن ماجة في كتاب السنة : " ضحك ربنا الخ " و الازل : شدة القنوط " .( 2 ) شقحب : قرية في الشمال الغربي من جبل غباغب من أعمال حوران من نواحي دمشق ، ( معجم البلدان ، و سلوك المقريزي 1 / 932 ) .3 - و ذلك في الثاني من رمضان ( مختصر أبي الفداء 4 / 48 ، السلوك 1 / 932 تذكرة النبيه 1 / 246 )