ثم دخلت سنة ثمان و أربعين و سبعمائة
و نابذوا السلطان الكامل ، وعدوا عليه مساويه ، و قتل بعض الامراء ، وفر الكامل و أنصاره فاختيط عليه .و خرج أرغون العلائي زوج ابنته و استظهر أيضا أمير حاجي فأجلسوه على السرير و لقبوه بالملك المظفر ( 1 ) ، و جاءت الاخبار إلى النائب بذلك ، فضربت البشائر عنده ، و بعث إلى نائب القلعة فامتنع من ضربها ، و كان قد طلب إلى الوطاق فامتنع من الحضور ، و أغلق باب القلعة ، فانزعج الناس و اختبط البلد ، و تقلص وجود الخير ، و حصنت القلعة ودعوا للكامل بكرة و عشية على العادة ، و أرجف العامة بالجيش على عادتهم في كثرة فصولهم ، فحصل لبعضهم أذية .فلما كان يوم الاثنين ثامن الشهر قدم نائب حماة إلى دمشق مطيعا لنائب السلطنة في تجمل و أبهة ، ثم أجريت له عادة أمثاله .و في هذا اليوم وقعت بطاقة بقدوم الامير سيف الدين بيغرا حاجب الحجاب بالديار المصرية لاجل البيعة للسلطان الملك المظفر ، فدقت البشائر بالوطاق ، و أمر بتزيين البلد ، فزين الناس و ليسوا منشرحين ، و أكثرهم يظن أن هذا مكر و خديعة ، و أن التجاريد المصرية واصلة قريبا .و امتنع نائب القلعة من دق البشائر و بالغ في تحصين القلعة ، و غلق بابها ، فلا يفتح إلا الخوخة البرانية و الجوانية ، و هذا الصنيع هو الذي يشوش خواطر العامة ، يقولون : لو كان ثم شيء له صحة كان نائب القلعة يطلع على هذا قبل الوطاق .فلما كان يوم الثلاثاء بعد الزوال قدم الامير سيف الدين بيغرا إلى الوطاق ، و قد تلقوه و عظموه ، و معه تقليد النيابة من المظفر إلى الامير سيف الدين يلبغا نائب السلطنة ، و كتاب إلى الامراء بالسلام .ففرحوا بذلك و بايعوه و انضمت الكلمة و لله الحمد .و ركب بيغرا إلى القلعة فترجل وسل سيفه و دخل إلى نائب القلعة فبايعه سريعا و دقت البشائر في القعلة بعد المغرب ، حين بلغه الخبر ، و طابت أنفس الناس ثم أصبحت القعلة في الزينة و زادت الزينة في البلد و فرح الناس ، فلما كان يوم الخميس حادي عشر الشهر دخل نائب السلطنة من الوطاق إلى البلد و الا طلاب بين يديه في تجمل و طبلخانات على عادة العرض ، و قد خرج أهل البلد إلى الفرجة ، و خرج أهل الذمة بالتوراة ، و أشعلت الشموع ، و كان يوما مشهودا .و قد صلى في شهر رمضان من هذه السنة بالشامية البرانية صبي عمره ست سنين ، و قد رأيته و امتحنته فإذا هو يجيد الحفظ و الاداء ، و هذا من أغرب ما يكون .و في العشر الاول من هذا الشهر فرغ من بناء الحمامين الذي بناهما نائب السلطنة بالقرب من الثابتية في خان السلطان العتيق ، و ما حولها من الرباع و القرب و غير ذلك .و في يوم الاحد حادي عشره اجتمع نائب السلطنة و القضاة الاربعة و وكيل بيت المال و الدولة عند تل المستقين ، من أجل أن نائب السلطنة قد عزم على بناء1 - و ذلك يوم الاثنين مستهل جمادى الآخرة ، و له من العمر خمس عشرة سنة ( السلوك 2 / 714 ) .