إلى العسكر الواصل من حماة فاجتمع بهم في القطيعة فأعلمهم بما تحالف عليه الامراء و الناس من لقاء العدو ، فأجابوا إلى ذلك و حلفوا معهم ، و كان الشيخ تقي الدين بن تيمية يحلف للامراء و الناس إنكم في هذه الكرة منصورون ، فيقول له الامراء : قل إن شاء الله ، فيقول إن شاء الله تحقيقا لا تعليقا .
و كان يتأول في ذلك أشياء من كتاب الله منها قوله تعالى ( و من بغى عليه لينصرنه الله ) ] الحج : 60 [ .و قد تكلم الناس في كيفية قتال هؤلاء التتر من أي قبيل هو ، فإنهم يظهرون الاسلام و ليسوا بغاة على الامام ، فإنهم لم يكونوا في طاعته في وقت ثم خالفوه .
فقال الشيخ تقي الدين : هؤلاء من جنس الخوارج الذين خرجوا على علي و معاوية ، و رأوا أنهم أحق بالامر منهما ، و هؤلاء يزعمون أنهم أحق بإقامة الحق من المسلمين ، و يعيبون على المسلمين ما هم متلبسون به من المعاصي و الظلم ، و هم متلبسون بما هو أعظم منه بأضعاف مضاعفة ، فتفطن العلماء و الناس لذلك ، و كان يقول للناس : إذا رأيتموني من ذلك الجانب و على رأسي مصحف فاقتلوني ، فتشجع الناس في قتال التتار و قويت قلوبهم و نياتهم و لله الحمد .و لما كان يوم الرابع و العشرين من شعبان خرجت العساكر الشامية فخيمت على الجسورة من ناحية الكسوة ، و معهم القضاة ، فصار الناس فيهم فريقين فريق يقولون إنما ساروا ليختاروا موضعا للقتال فإن المرج فيه مياه كثيرة فلا يستطيعون معها القتال ، و قال فريق : إنما ساروا لتلك الجهة ليهربوا و ليلحقوا بالسلطان .
فلما كانت ليلة الخميس ساروا إلى ناحية الكسوة فقويت ظنون الناس في هربهم ، و قد وصلت التتار إلى قارة ، و قيل إنهم وصلوا إلى القطيعة ( 1 ) ، فانزعج الناس لذلك شديدا و لم يبق حول القرى و الحواضر أحد ، و امتلات القلعة و البلد و ازدحمت المنازل و الطرقات ، و اضطرب الناس و خرج الشيخ تقي الدين بن تيمية صبيحة يوم الخميس من الشهر المذكور من باب النصر بمشقة كبيرة ، و صحبته جماعة ليشهد القتال بنفسه و من معه ، فظنوا إنما خرج هاربا فحصل اللوم من بعض الناس و قالوا أنت منعتنا من الجفل و ها أنت هارب من البلد ؟ فلم يرد عليهم و بقي البلد ليس فيه حاكم ، و جلس اللصوص و الحرافيش فيه و في بساتين الناس يخربون و ينتهبون ما قدروا عليه ، و يقطعون المشمش قبل أوانه و الباقلاء و القمح و سائر الخضراوات ، و حيل بين الناس و بين خبر الجيش ، و انقطعت الطرق إلى الكسوة و ظهرت الوحشة على البلد و الحواضر ، و ليس للناس شغل الصعود إلى المآذن ينظرون يمينا و شمالا ، و إلى ناحية الكسوة فتارة يقولون : رأينا غبرة فيخافون أن تكون من التتر ، و يتعجبون من الجيش مع كثرتهم وجودة عدتهم و عددهم ، أين ذهبوا ؟ فلا يدرون ما فعل الله بهم ، فانقطعت الآمال و ألح الناس في الدعاء و الابتهال و في الصلوات و في كل حال ، و ذلك يوم الخميس التاسع و العشرين من
1 - في مختصر أبي الفداء 4 / 48 : القطيفة .