و استمر الشيخ في الحبس يستفتي و يقصده الناس و يزورونه ، و تأتيه الفتاوى المشكلة التي لا يستطيعها الفقهاء من الامراء و أعيان الناس ، فيكتب عليها بما يحير العقول من الكتاب و السنة .
ثم عقد للشيخ مجلس بالصالحية بعمد ذلك كله ، و نزل الشيخ بالقاهرة بدار ابن شقير ، و أكب الناس على الاجتماع به ليلا و نهارا .
و في سادس رجب بأشر الشيخ كمال الدين بن الزملكاني نظر ديوان المارستان عوضا عن يوسف العجمي توفي ، و كان محتسبا بدمشق مدة فأخذها منه نجم الدين بن البصراوي قبل هذا بستة أشهر ، و كان العجمي موصوفا بالامانة .
و في ليلة النصف من شعبان أبطلت صلاة ليلة النصف لكونها بدعة و صين الجامع من الغوغاء و الرعاع ، و حصل بذلك خير كثير و لله الحمد و المنة .و في رمضان قدم الصدر نجم الدين البصراوي و معه توقيع بنظر الخزانة عوضا عن شمس الدين الخطيري مضافا إلى ما بيده من الحبسة ، و وقع في أواخر رمضان مطر قوي شديد ، و كان الناس لهم مدة لم يمطروا ، فأستبشروا بذلك ، و رخصت الاسعار ، و لم يمكن الناس الخروج إلى المصلى من كثرة المطر ، فصلوا بالجامع ، و حضر النائب السلطنة فصلى بالمقصورة ، و خرج المحمل ، و أمير الحج عامئذ سيف الدين بلبان البدري التتري .
و فيها حج القاضي شرف الدين البارزي من حماة .
و في ذي الحجة وقع حريق عظيم بالقرب من الظاهرية مبدأه من الفرن تجاهها الذي يقال له فرن العوتية ، ثم لطف الله وكف شرها و شررها .
قلت : و في هذه السنة كان قدومنا من بصري إلى دمشق بعد وفاة الوالد ، و كان أول ما سكنا بدرب سعور الذي يقال له درب ابن أبي الهيجاء بالصاغة العتيقة عند الطوريين ، و نسأل الله حسن العاقبة و الخاتمة آمين .و ممن توفي فيها من الاعيان : الامير ركن الدين بيبرس العجمي الصالحي ، المعروف بالجالق ( 1 ) كا رأس الجمدارية في أيام الملك الصالح نجم الدين أيوب و أمره الملك الظاهر .
كان من أكابر الدولة كثير الاموال ، توفي بالرملة لانه كان في قسم إقطاعه في نصف جمادى الاولى ، و نقل إلى القدس فدفن به .
الشيخ صالح الاحمدي الرفاعي شيخ المينبع ، كان التتر يكرمونه لما قدموا دمشق ، و لما جاء قط لو شاه نائب التتر نزل عنده ،
1 - الجالق : بفتح الجيم ، و هي كلمة تركية : اسم للفرس إلحاد المزاج الكثير اللعب .