بدایة والنهایة جلد 14
لطفا منتظر باشید ...
من ربيع الاول جاء الامير حسام الدين مهنا بن عيسى ملك العرب إلى السجن بنفسه و أقسم على الشيخ تقي الدين ليخرجن إليه ، فلما خرج أقسم عليه ليأتين معه إلى دار سلار ، فاجتمع به بعض الفقهاء بدار سلار و جرت بينهم بحوث كثيرة .ثم فرقت بينهم الصلاة ، ثم اجتمعوا إلى المغرب و بات الشيخ تقي الدين عند سلار ، ثم اجتمعوا يوم الاحد بمرسوم السلطان جميع النهار ، و لم يحضر أحد من القضاة بل اجتمع من الفقهاء خلق كثير ، أكثر من كل يوم ، منهم الفقية نجم الدين بن رفع و علاء الدين التاجي ، و فخر الدين ابن بنت أبي سعد ، وعز الدين النمراوي ، و شمس الدين بن عدنان و جماعة من الفقهاء و طلبوا القضاة فاعتذروا بأعذار ، بعضهم بالمرض ، و بعضهم بغيره ، لمعرفتهم بما ابن تيمية منطوي عليه من العلوم و الادلة ، و أن أحدا من الحاضرين لا يطيقه ، فقبل عذرهم نائب السلطنة و لم يكلفهم الحضور بعد أن رسم السلطان بحضورهم أو بفصل المجلس على خير ، و بات الشيخ عند نائب السلطنة و جاء الامير حسام الدين مهنا يريد أن يستصحب الشيخ تقي الدين معه إلى دمشق ، فأشار سلار بإقامة الشيخ بمصر عنده ليرى الناس فضله و علمه ، و ينتفع الناس به و يشتغلوا عليه .و كتب الشيخ كتابا إلى الشام يتضمن ما وقع له من الامور .قال البرزالي : و في شوال منها شكى الصوفية بالقاهرة على الشيخ تقي الدين و كلموه في ابن عربي و غيره إلى الدولة ، فردوا الامر في ذلك إلى القاضي الشافعي ، فعقد له مجلس و ادعى عليه ابن عطاء بأشياء فلم يثبت عليه منها شيء ، لكنه قال لا يستغاث إلا بالله ، لا يستغاث بالنبي استغاثة بمعنى العبارة ، و لكن يتوسل به و يتشفع به إلى الله ( 1 ) فبعض الحاضرين قال ليس عليه في هذا شيء ، ورأى القاضي بدر الدين بن جماعة أن هذا فيه قلة أدب ، فحضرت رسالة إلى القاضي أن يعمل معه ما تقتضيه الشريعة ، فقال القاضي قد قلت له ما يقال لمثله ، ثم إن الدولة خيروه بين أشياء إما أن يسير إلى دمشق أو الاسكندرية بشروط أو الحبس ، فاختار الحبس فدخل عليه جماعة في السفر إلى دمشق ملتزما ما شرط ، فأجاب أصحابه إلى ما اختاروا جبرا لخواطرهم ، فركب خيل البريد ليلة الثامن عشر من شوال ثم أرسلوا خلفه من الغد بريدا آخرا ، فردوه و حضر عند قاضي القضاة ابن جماعة و عنده جماعة من الفقهاء ، فقال له بعضهم : إن الدولة ما ترضى إلا بالحبس ، فقال القاضي و فيه مصلحة له ، و استناب شمس الدين التونسي المالكي و أذن له أن يحكم عليه بالحبس فامتنع و قال : ما ثبت عليه شيء ، فأذن لنور الدين الزواوي المالكي فتحير ، فلما رأى الشيخ توقفهم في حبسه قال أنا أمضي إلى الحبس و أتبع ما تقتضيه المصلحة ، فقال نور الدين الزواوي : يكوفي موضع يصلح لمثله فقيل له الدولة ما ترضى إلا بمسمى الحبس ، فأرسل إلى حبس القضاة في المكان الذي كان فيه تقي الدين ابن بنت الاعز حين سجن ، و أذن له أن يكون عنده من يخدمه ، و كان ذلك كله بإشارة نصر المنبجي لوجاهته في الدولة ، فإنه كان قد استحوذ على عقل الجاشنكير الذي تسلطن فيما بعد ، و غيره من الدولة ، و السلطان مقهور معه ،