فلا ينعقد النذر، فإنّه ليس في قصد مسجد بعينه غير الثلاثة قربة مقصودة، وما لا يكون قربة ولا عبادة فهو غير ملزم بالنذر .
كل ذلك يحدد مصب الحديث وهدفه، وأنّ المقصود هو المنع عن تعظيم مكان تشد الرحال إليه، وأمّا إذا كانت الغاية تعظيم من عظّمه اللّه سبحانه وأكرمه ورزقه فضلا كبيراً ـ كما قال -: (وَ كانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً)(1)، فهو خارج عن مورد الحديث .
ومع ذلك فإنّ النهي عن شد الرحال إلى مكان خاص ليس لغاية تحريمه، وإنما هو إرشاد إلى نفي الفضيلة. قال ابن قدامة الحنبلي: «إن سافر لزيارة القبور والمشاهد فقال ابن عقيل لا يباح له الترخص لأنه منهي عن السفر إليها، قال النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلم ـ : لا تشد الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد، والصحيح إباحته وجواز القصر فيه، لأنّ النبي كان يأتي قبا ماشياً وراكباً، وكان يزور القبور، وقال: زوروها تذكركم الآخرة، وأمّا قوله ـ صلَّى الله عليه وآله وسلم ـ : لا تشد الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد، فيحمل على نفي الفضيلة، لا على التحريم، فليست الفضيلة شرطاً في إباحة القصر ولا يضر انتفاؤها(2) .
هذا كله حول الحديث وتحديد مضمونه، وقد عرفت أنّ شد الرحال إلى زيارة النبي خارج عن موضوع الحديث على كلا التقديرين، فالاستدلال به على التحريم باطل جداً .
ثم إنّ هنا سؤالا يثار في المقام، وهو أنّ الحديث وإن كان قاصراً عن إثبات التحريم، ولكن ما هو الدليل على جواز السفر لزيارة قبر النبي أو سائر
1 . سورة النساء: الآية 113 .
2 . المغني لابن قدامة المتوفى سنة 620، ج 2 ص 217 ـ 218، وذكر في ج 3 ص 498 استحباب الزيارة، وكيفية زيارة النبي فلاحظ، وما نقله عن ابن عقيل غير ثابت، لأنّ السبكي نقل عنه خلافه، لاحظ شفاء السقام ص 113 .