مضافاً إلى ما ورد في السفر لطلب الرزق، فلو كان الحكم عاماً، فما معنى هذه التخصيصات الكثيرة الوافرة الّتي تنافي البلاغة، والّتي تزلزل الحصر، وهناك كلمة قيّمة للغزالي في إحياء العلوم يقول:
«القسم الثاني هو أن يسافر لأجل العبادة إمّا لحج أو جهاد.. ويدخل في جملة زيارة قبور الأنبياء ـ عليهم السَّلام ـ وزيارة قبور الصحابة والتابعين وسائر العلماء والأولياء، وكل من يتبرك بمشاهدته في حياته، يتبرك بزيارته بعد وفاته، ويجوز شد الرحال لهذا الغرض، ولا يمنع من هذا قوله ـ صلَّى الله عليه وآله وسلم ـ : «لا تشدّ الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا والمسجد الحرام و المسجد الأقصى» لان ذلك في المساجد، فإنّها متماثلة (في الفضيلة) بعد هذه المساجد، وإلاّ فلا فرق بين زيارة قبور الأنبياء والأولياء والعلماء في أصل الفضل، وإن كان يتفاوت في الدرجات تفاوتاً عظيماً بحسب اختلاف درجاتهم عند اللّه(1) .
تحليل آخر للنهي عن السفر
ولنفترض أنّ المستثنى منه هو الأمكنة، ولكن المتبادر من الحديث أن يكون الدافع إلى السفر هو تعظيم ذلك المكان، فيختص النهي بما إذا أُريد من شد الرحال إلى مكان، تعظيمه ولو بإيقاع العبادة فيه، وعندئذ يخرج السفر إلى زيارة النبي عن منطوق الحديث، لأنّه لا يسافر لتعظيم بقعته، وإنما يسافر لزيارة من فيها مثل ما لو كان حياً. ويؤيد ذلك أمران:
1- روي عن بعض التابعين أنّه سأل ابن عمر أنّه يريد أن يأتي الطور، فأجابه: إنما تشد الرحال إلى ثلاثة مساجد... ودع الطور فلا تأته(2) .
2- أفتى الجمهور بأنّه لو نذر أن يأتي مسجداً من المساجد سوى الثلاثة
1 . كتاب إحياء علوم الدين للغزالي ج 2 ص 247، كتاب آداب السفر، طبعة دار المعرفة بيروت .
2 . الفتاوى الكبرى ج 2 ص 24 .