إلى غير ذلك من الكلمات الّتي نقلناها في هذه الموسوعة(1) .
ثم إنّ أصحاب التنابز بالألقاب وصفوا الطائفة الثالثة بالمعطّلة تارة، والمؤوّلة أُخرى، ولكنهم غير معطلة أبدا، لأنهم لم يعطلوا في مقام توصيفه سبحانه شيئاً مما ورد في الكتاب، غير أنهم قاموا بتعيين المراد من هذه الصفات فأجروها عليه، وأمّا المؤولّة، فإنما يصحّ توصيفهم بهذا الوصف إذا أُريد منها المعاني التصورية الابتدائية، وأمّا المعاني التصديقية الّتي تدل عليها القرائن، فلا يؤوّلون شيئاً منها، والملاك في صدق التأويل هو المعاني التصديقية، لا التصورية .
هذه هي الأقوال المعروفة في باب الصفات على وجه الإجمال، هلمّ معي ندرس نظرية ابن تيمية فيها، حتّى يتجلّى الحق بأجلى مظاهره .
نظرية ابن تيمية تلازم الجهة والتجسيم
لا يشك من نظر إلى ما نقلناه عن ابن تيمية في مواضع متعددة من رسائله وكتبه في أنه صريح في التجسيم والتشبيه، خصوصاً أنه يصرح بأنه تصحّ الإشارة الحسية بالأصابع إليه، ولا هدف له من جمع كل ما ورد في ذلك المجال من غثّ وسمين وصحيح وزائف. إلاّ إثبات أن هذه الصفات تجري عليه سبحانه بمعانيها اللغوية، غير أنّ تذرعه بلفظ «بلا كيف» أو «بلا تمثيل» أو ما يقاربهما ربما يوجب عدم عدّه من المجسّمة والمشبهة، لأنّه يقول بأنّ له سبحانه هذه الصفات لا كصفات المخلوقين، ولكن هذا التذرّع واجهة يريد به تبرير توصيفه سبحانه بها بمعانيها اللغوية، وعدم اتهامه بالقول بالتجسيم والتشبيه، ولكنها لا تفيد شيئاً وذلك:
إنّ هذه الصفات كاليد والرجل والنزول والجلوس موضوعة لغةً على معانيها المتكيفة بكيفيات جسمانية، فاليد هي الجارحة المعروفة من الإنسان والحيوان، وهكذا الرجل والقدم، ومثلها النزول، فإنها موضوعة للحركة من العالي إلى السافل، والحركة من صفات الجسم، فالكيفية مقوّمة لمعاني هذه
1 . راجع الجزئين الثاني والثالث .