الّذي تقدم عن أبي محمد أنه أفتى بأنه لا يجوز في غير النبي، وأفتى أبو حنيفة وأبو يوسف وغيرهما أنه لا يجوز في حق أحد من الأنبياء، فكيف بغيرهم...؟(1)
يلاحظ على مجموع ما ذكره:
أمّا القسم الأول، فإنّ عدّه شركاً، عجيب جداً، هذا هو القرآن الكريم يذكر عن شيعة موسى قوله: (فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَُدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيهِ)(2)، ومعه كيف يقول: إنّ قول القائل «يا سيدي فلان أغثني» شرك سواء أكان المدعو حياً أم ميتاً، أوَ لم يكن موسى حياً حين استغاثه الّذي من شيعته؟ ولو خصّ الشرك بصورة كون المدعو ميتاً ـ فمع أنه مخالف لصريح كلامه ـ لا يكون سبباً للشرك، إذ لا معنى لكون خطاب في حال، عين التوحيد، وفي أُخرى نفس الشرك، نعم، الموت والحياة يؤثران في الجدوائية وعدمها.
وأمّا القسم الثالث، أعني قول القائل: أسألك بجاه فلان عندك أو بحرمته، فهو داخل في القسم الثاني من التوسل الّذي قدمنا الكلام فيه، وذكرنا هناك توسل شخص النبي بحقه وحق الأنبياء .
نعم، الكلام في القسم الثاني، وهو أن يخاطب الأنبياء والصالحين بقوله: «ادع اللّه لي، أو ادع لنا ربك» وهذا هو الّذي ذكر في حقه «أنه لا يستريب عالم في أنه غير جائز» مع أنّ طلب الشفاعة هو طلب الدعاء من الشافعين في حال حياتهم ومماتهم .
ثم إنّ لأتباع محيي مسلك ابن تيمية في القرن الثاني عشر، أعني محمد بن عبدالوهاب، تعبيراً واضحاً في ذلك المجال يقول:
«إنّ طلب الشفاعة يجب أن يكون من اللّه لا من الشفعاء بأن يقول:
1 . مجموعة الرسائل والمسائل: ج 1 ص 22 .
2 . سورة القصص: الآية 15 .