سراب لا ماء
قد كان اللحركة الوهابية في عصر مؤسسها صدى ودوي، والقريب منها يستشف الحقيقة عن كثب، ويرى أنها قد بنيت على القتل الذريع، والسفك المروع، وأن محمد بن عبدالوهاب يهتف بأنه لا عدل ولا سلم، ولا رحمة، ولا إنسانية، ولا حياة، لا شيء أبداً إلاّ الوهابية أو السيف .وهذه السنّة الّتي استنّها محمد بن عبدالوهاب يتحمل وزرها منذ يومه إلى يوم القيامة، لأنها كماترى دعوة تقوم على الحرب والضحايا، وتتطبع بطابع الدم والفوضى، ويكفي في ذلك قول أخيه الشيخ سليمان بن عبدالوهاب في كتاب الصواعق الإلهية مخاطباً لأخيه وأتباعه:«فانتم تكفّرون بأقل القيل والقال، بل تكفّرون بما تظنون أنتم أنه كفر، بل تكفّرون بصريح الإسلام، بل تكفّرون من توقف عن تكفير من كفّرتموه»(1) .ولم يكن أخوه فريداً في القضاء، فقد رجع عن طريقته بعض المنصفين المنخدعين بدعوته، وهذا هو السيد محمد بن إسماعيل الأمير لمّا بلغه من أحوال الشيخ النجدي، الدعوة إلى التوحيد، فأنشا قصيدته المشهورة:سلام على نجد ومن حلّ في نجد * وإن كان تسليمي على البعد لا يجديثم حقق الأحوال من بعض من وصل إلى اليمن، ووجد الأمر على عكس ما روي له، فأنشأ يقول في قصيدته ثانياً عما قاله أولا:رجعت عن القول الّذي قلت في نجد * فقد صحّ لي عنه خلاف الّذي عنديحكي عن محمد بن إسماعيل أنه قال في شرح القصيدة المذكورة المسماة بـ «محو الحوبة في شرح أبيات التوبة»: لمّا بلغت قصيدتي الأُولى نجداً التي مدحت فيها الحركة الوهابية، جاء إلينا بعد أعوام رجل كان يعرّف نفسه بـ «الشيخ مربد بن أحمد التميمي» وذلك في صفر سنة ألف ومائة وسبعين،
1 . الصواعق الإلهية، ص 27 ـ 29، ط 1306 .