والصالحين، تجشّم عناء تأويل نصوص الأحاديث بما يتبناه، ولما كان الحديث صريحاً في التوسل بنفس النبي صار يعترض على هذه الدلالة قائلا بأنّ الأعرابي جاء إلى النبي لأن يدعوا اللّه لهم بأن يستسقيهم الغيث، وإلاّ لبقي الأعرابي في منزله، واكتفى أن يقول وهو في بيته: اللّهمّ اسقنا الغيث بجاه نبيك، أو بذات نبيك، ولما تجشّم المجيء من أهله وبيته إلى النبي في المدينة(1) .
يلاحظ عليه: أنَّه لا منافاة بين الأمرين حتّى يكون أحدهما قرينة على الأُخرى، حتّى يتصرّف في النصوص بتفسيرها الخاص بالتوسل إلى الدعاء، فالأعرابي توسل بذات النبي، ولا يهمّه سوى قضاء حاجته من اي طريق كان، سواء أتحقق بدعاء النبي أم بإعجازه و كرامته، وأمّا أنه لماذا تجشم عناء المجي من أهله وبيته إلى النبي ولم يكتف بالتوسل نفسه فلأنه كان يرى للمثول أمامه فضيلة وكرامة، أو أنّ توسله بشخصه إذا انضمّ إليه دعاء النبي يوجب قضاء حاجته ولا يتحقق إلاّ بالحضور لديه، فلأجل ذلك جاء إلى النبي وتوسل بشخصه وشخصيته، فصار ذلك سبباً لقيام النبي، ولا يعني هذا أنه توسل بدعائه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلم ـ إذ لا منافاة بين أن يتوسل الأعرابي بشخصه، وبين أن يكون هذا داعياً للنبي أن يقوم بالدعاء، فلا يكون دعاؤه قرينة على كيفية التوسل .
وأخيراً يؤاخذ الرفاعي بأنه ذكر متن الحديث بصورة مختصرة، فترك ما ذكرناه من القرائن، ولم يشر إلى المصادر الكثيرة الّتي نقلت هذا الحديث .
المناقشة في سند الحديث
جاء الرفاعي يناقش في سند هذا الحديث بأنّ في سنده (مسلم الملائي)، ونقل عن علماء الرجال أنه متروك، وقال أحمد: لا يكتب حديثه. وقال يحيى: ليس بثقة، وقال البخاري: يتكلمون فيه، وقال يحيى أيضاً: زعموا أنه اختلط، وقال النسائي وغيره: متروك، وقال الذهبي: إنّه روى
1 . التوصل إلى حقيقة التوسل ص 291 وقد أخذه من شيخه ابن تيمية. لاحظ مجموعة الرسائل والمسائل ج 1 ص 13 .