بحوث فی الملل والنحل

جعفر سبحانی تبریزی

جلد 4 -صفحه : 409/ 10
نمايش فراداده

العدو في فترة بعد فترة، إذ بدأت الحملات الاُُخرى من جانب الشرق على يد التتار والمغول، فكان مختتم الحروب الصليبية مبدأ للحروب الوثنية بايدي عبدة الشمس والكواكب، ولعلّ هذا يعرب عن اتفاق الصليب والصنم، وبالتالي الصليبيين والصنميين على تدمير الحضارة الإسلامية... ولسنا أول من تنبّه إلى اتفاق هاتين القوتين في ذلك العصر المظلم، بل يظهر عن طريق الإمعان في ثنايا التاريخ أنّ ذلك كان أمراً مدبّراً، ولو لم يكن هناك اتفاق في بدء الأمر لكن حصل الاتفاق بين الصليبي والوثني في أثناء تلك الحروب، وفي كلام ابن الأثير المعاصر لهذه الحروب إشارة إلى ذلك حيث يقول: «وقد بلي الإسلام والمسلمون في هذه المدة بمصائب لم يبتل بها أحد من الأُمم. منها هؤلاء التتار ـ قبحهم اللّه ـ أقبلوا من المشرق ففعلوا الأفعال الّتي يستعظمها كل من سمع بها، ومنها خروج الإفرنج ـ لعنهم اللّه ـ من المغرب إلى الشام وقصدهم ديار مصر، وملكهم ثغر دمياط منها، وأشرفت ديار مصر والشام وغيرها على أن يملكوها لولا لطف اللّه تعالى ونصره عليهم»(1) .

ثم إنّ ابن الأثير يشير إلى ضعف القيادة الإسلامية في تلك العصور، ويزيح النقاب عنها بقوله: «يسرّ اللّه للمسلمين و الإسلام من يحفظهم ويحوطهم، فلقد دفعوا من العدو إلى عظيم، ومن الملوك المسلمين إلى من لا تتعدى همته بطنه وفرجه...»(2) .

ولأجل إيقاف القارىء على مدى الخسائر الفادحة الواردة على الإسلام والمسلمين، الناجمة عن هذه الحروب الصليبية والتترية، نذكر لمحة خاطفة من هاتين الحربين كنموذج تمثيلي، ليعلم بذلك داء المسلمين فيه، ثم نبحث عن الدواء الّذي كان ينبغي لعلماء الإسلام أن يقدّموه إلى المجتمع الإسلامي، والمصل الناجع، ونقدّم الكلام عن الحروب الصليبية أوّلا، ثم عن التترية ثانياً، ثم تنامي رقعة الهجمات الصليبية في الوطن الإسلامي بهجومهم على الأندلس ثالثاً، وقد استغرقت هذه الهجمات الصليبية والتترية قرنين، من

1 . الكامل في التاريخ ج 12 ص 360 .

2 . الكامل في التاريخ ج 12 ص 376 .