يصبح ترك الأمر إلى الناس ـ الذين لم يبلغوا الكمال الاجتماعي والنضج الكافي ويسيرون ضمن إطار النظام القبلي وبأمر من شيوخ القبائل ـ عديم الفائدة ـ ولا ينتهي إلى اختيار الأصلح فقط بل سيتسبب في تفريق الأُمة وانقسامها. والآن سنتاول هذين العاملين بتفصيل أكثر:
كانت حياة الناس في شبه الجزيرة حياة قبلية وعشائرية وفي مثل هذه البيئة لا يكون هناك أي معنى لكلمات مثل الديمقراطية والحرية واحترام رأي الإنسان. ومن الواضح انّفي مثل هذه الحياة وطبيعتها يكون الرأي الأوّل والأخير هو رأي شيخ القبيلة وسيد العشيرة، ولو كان يترأس عشيرة من ألف شخص، فهذا يعني انّ هناك واحداً وألف رأي في الظاهر، ولكن لم يكن هناك أكثر من رأي واحد في الواقع وذلك هو رأي شيخ القبيلة وسيدها، لأنّ الألف نفر يدلون برأيهم تنفيذاً لأمره دون أدنى تأمّل أو تفكير.
انّ مثل هذا الاستفتاء الشعبي وإن كان ديمقراطياً في الظاهر غير انّه ليس إلاّ حكم الشخص الواحد ذلك الشخص الأناني والمستبد برأيه الذي يريد أن يتقلد حكم العشيرة بالقوّة والحيلة أو كميراث للأسلاف، ويجب الانتباه إلى انّه كان يتواجد في المدينة وحدها بعد رحيل النبي جماعة الأنصار الذين كانوا يتشكلون من قبيلتين كبيرتين: الأوس والخزرج، شيخ الأُولى أسيد بن خضير والثانية شيخها سعد بن عبادة، ولو فرض أن ينتخب شخص لتولي الحكم لكان الأوس يتبعون رأي سيدهم والخزرج كذلك، ولكانت هذه القاعدة تصدق على جميع القبائل التي كانت تعيش في نجد والحجاز، فهل كان من الصحيح أن يترك الرسول ـ و نظراً للطبيعة الاجتماعية السائدة آنذاك ـ أمر انتخاب الخليفة إلى