وقد كان هدف المنصور من هذه السياسة المشؤومة هو أن يجعل الناس محتاجين وجائعين ومعتمدين عليه دائماً، وبالتالي يكون شغلهم الشاغل هو إشباع بطونهم دون أن يكون هناك مجال للتفكير في القضايا الاجتماعية الكبرى.
وقد قال يوماً بحضور عدة من رجال البلاط وبطريقة ساخرة ممّا يبين الدافع من وراء تجويع الناس بهذا النحو: صدق الأعرابي حيث يقول: «أجع كلبك، يتبعك» فانزعج أحد الحاضرين من ذلك فقال: «أخشى أن يلوّح له غيرك برغيف فيتبعه ويدعك».(1)
ولم يكتف المنصور بتنفيذ سياسة التجويع السوداء هذه أبّان خلافته وحكمه فقط، بل راح يوصي ابنه المهدي بتلك السياسة اللا إنسانية، فقد قال في إحدى وصاياه إليه:
إنّي تركت الناس ثلاثة أصناف: فقيراً لا يرجو إلاّ غناك، وخائفاً لا يرجو إلاّ أمنك، ومسجوناً لا يرجو الفرج إلاّمنك، فإذا وليت فأذقهم الرفاهية ولا تمدد لهم كل المد. (2)
توضح لنا هذه الحقائق انّ هذه السياسة كانت بدافع تقوية حكم المنصور، وانّ الهدف منها هو الوقوف أمام تحرك الناس واعتراضهم من خلال إضعاف العناصر المناضلة وليس هو الاقتصاد في الأموال الحكومية .
لم تقتصر سياسة المنصور على تجويع الناس والقضاء على مواردهم المعاشية فقط، بل ساد فضلاً عن الضغط الاقتصادي والفقر والتشتت رعب وإرهاب
1-حياة الإمام موسى بن جعفر عليمها السَّلام :1/369.
2-تاريخ اليعقوبي: 3/133.