وأظنّ أنّ الموضوع لا يحتاج إلى أن نتوسّعفيه أكثر من ذلك... وهذا كتاب اللّه سبحانهيحثّ في أطول آيات كتابه (1) على كتابة مايتوصّل بها إلى حفظ عرض دنيويّ زائل ومتاعمندثر، أفلا يجوز لنا من هذا الحثّ الأكيداستنباط لزوم الاهتمام بما ننال بهالمقاصد العالية ويفوز الإنسان بهبالسعادة الخالدة؟
وبعد ذلك كله لا اعتبار بما نسبوه إلىرسول اللّه صلّى الله عليه وآله وسلّم منأنّه قال: «لا تكتبوا عنّي شيئاً سوىالقرآن فمن كتب عنّي غير القرآن فليمحه» (2)أو أنّه لم يأذن بكتابة الحديث على ما رواهالترمذيّ عن أبي سعد قال: استأذنا النبيّفي الكتابة فلم يأذن لنا(3).
وأغرب منه ما رواه الحاكم بسنده عن عائشةقالت: جمع أبي الحديث عن رسول اللّه فكانتخمسمائة حديث فبات يتقلّب، قالت فغمّنيكثيراً، فقلت يتقلّب لشكوى أو لشيء بلغه،فلّما أصبح قال: أي بنيّة هلمّي الأحاديثالتي عندك! فجئته بها فأحرقها، وقال خشيتأن أمُوت وهي عندك فيكون فيها أحاديث عنرجل ائتمنته ووثقت به ولم يكن كما حدّثنيفأكون قد تقلّدت ذلك(4).
وأظنّ أنّ ما اُلصق برسول اللّه منمختلقات الحديث وضعها القائل أو القائلونلأغراض وغايات سياسيّة وأظنّ أنّ الذي دفعالوضّاعين إلى إعزاء ما اختلقوه إلى رسولاللّه أحد أمرين أو كليهما:
إمّا لأنّ المعتمد في كتابة أحاديثالرسول آنذاك كان هو الإمام عليّ (عليهالسلام) دون سائر الصحابة، وكان ذلك يعدّفضيلة رابية للإمام، فحاول أعداؤهومناؤوه طمسها فاختلقوا ما اختلقوا لكييصبح عمل الإمام في استقلاله بالتدوين، أوتبرّزه في هذا الباب عملاً غير مشروع.
1- سورة البقرة 2: الآية (282) آية الدين. 2- رواه الدارميّ في مقدّمة سننه. 3- صحيح الترمذيّ 2: 91 (طبعة الهند). 4- جمع الجوامع للسيوطيّ 2: 147.