مفاهیم القرآن

جعفر سبحانی تبریزی

جلد 5 -صفحه : 311/ 282
نمايش فراداده

وفي السنة السادسة من عمره فقد والدتهأيضاً فاحتضنه جده عبد المطلب، وبعد سنتينمن كفالته، توفّـي جدّه، فكفله من بعدهعمه أبو طالب وكان شهماً كريماً غير أنّهكان من الفقر بحيث لا يملك كفاف أهله.

وكان (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من بنيعمه وصبية قومه، كأحدهم على ما به من يتم،فقد فيه الاَبوين معاً، وفقر لم يسلم منهالكافل والمكفول، ولم يقم على تربيتهمهذب، ولم يعن بتثقيفه موَدب بين أتراب مننبت الجاهلية، وعشراء من خلفاء الوثنية،وأولياء من عبدة الاَوهام، وأقرباء منحفدة الاَصنام، غير أنّه مع ذلك كان ينموويتكامل بدناً وعقلاً وفضيلة وأدباً، حتىعرف بين أهل مكة وهو في ريعان شبابهبالاَمين، أدب إلهي لم تجر العادة بأنتزين به نفوس الاَيتام من الفقراء خصوصاًمع فقر القوّام، فاكتهل (صلّى الله عليهوآله وسلّم) كاملاً والقوم ناقصون، رفيعاًوالقوم منحطون، موحداً وهم وثنيون، سلماًوهم شاغبون، صحيح الاعتقاد وهم واهمون،مطبوعاً على الخير وهم به جاهلون، وعنسبيله عادلون.

من السنن المعروفة أنّ يتيماً فقيراًأُميّاً مثله تنطبع نفسه بما تراه من أوّلنشأته إلى زمن كهولته، ويتأثر عقله بمايسمعه ممّن يخالطه، ولا سيما إن كان من ذويقرابته، وأهل عصبته، ولا كتاب يرشده ولاأُستاذ ينبهه، ولا عضد إذا عزم يوَيده،فلو جرى الاَمر فيه على مجاري السنن لنشأعلى عقائدهم، وأخذ بمذاهبهم، إلى أن يبلغمبلغ الرجال، ويكون للفكر والنظر مجال،فيرجع إلى مخالفتهم، إذا قام له الدليلعلى خلاف ضلالاتهم كما فعل القليل ممّنكانوا على عهده، ولكن الاَمر لم يجر علىسنته، بل بغضت إليه الوثنية من مبدأ عمره،فعاجلته طهارة العقيدة، كما بادره حسنالخليقة، وما جاء في الكتاب من قوله:(ووجدك ضالاً فهدى) لا يفهم منه أنّه كانعلى وثنية قبل الاهتداء إلى التوحيد،