وقد تضمّن قوله سبحانه: (وَاعْتصِمُوابِحَبْلِ اللّهِ) استعارة بليغة حيث صوّرقوم النبيّ كالساقطين في قعر هوَّة سحيقةلا يقدورن على الخروج، وفي يد النبيّ حبلألقاه في قعر تلك الهوّة يدعوهم إلىالتمسّك به حتّى يستنقذهم من الهلكة.
هذا ما يصف به القرآن الكريم بيئة النبيّوعقلية عشيرته، على الوجه الكلّي، ولكنّهيصفهم في الآيات الأُخر بالإنحطاطوالإنهيار بشكل مفصّل.
وإليك بيان ذلك في ضوء الآيات القرآنية.
كان الدين السائد في العرب في الجزيرةالعربية عامّة، ومنطقة أُمُ القرى خاصّة،هو الشرك باللّه سبحانه، فهم وإن كانواموحّدين في مسألة الخالقيّة، وكان شعارهمهو أنّ اللّه هو الخالق للسماوات والأرض،ولكنّهم كانوا مشركين في المراحل الاُخرىللتوحيد.
أمّا كونهم موحّدين في مجال الخالقيّةفلقوله سبحانه: (وَلئنْ سأَلْتَهُم مَنْخَلَقَ السَّمواتِ والأَرضَلَيَقُولُنَّ اللّهُ) (لقمان/25) (1).
وأمّا كونهم مشركين في المراتب الاُخرىللتوحيد فيكفي في ذلك كونهم مشركين في أمرالربوبية (تدبير العالم) هو أنّ الوثنيةدخلت مكّة وضواحيها، بهذا اللون من الشرك(الشرك في الربوبية).
روى ابن هشام عن بعض أهل العلم أنّه قال:«كان عمرو بن لحى أوّل من أدخل الوثنية إلىمكّة ونواحيها، فقد رأى في سفره إلىالبلقاء من أراضي الشام اُناساً يعبدونالأوثان وعندما سألهم عمّا يفعلون، قالوا:هذه أصنام نعبدها فنستمطرها، فتمطرنا،ونستنصرها، فتنصرنا، فقال لهم: أفلاتعطونني منها فأسير بها إلى أرض
1. و لهذا المضمون آيات اُخر لاحظالعنكبوت/61، الزمر/38، و الزخرف/9و78.