إنّ المشركين لمّا مثّلوا بقتلى المسلمينفي اُحد و بحمزة بن عبد المطّلب فشقّوابطنه، و أخذت هند بنت عتبة كبده فجعلتتلوكه، وجدعوا أنفه و اُذنه... قالالمسلمون لئن أمكننا اللّه منهم لنمثّلنّبالأحياء منهم فضلاً عن الأموات، و في ذلكنزل قوله سبحانه: (وَ إِنْ عَاقَبْتُمْفَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْبِهِ وَ لَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌلِلصَّابِرِينَ وَ اصْبِر وَ مَاصَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ وَ لاَتَحْزَنْعَلَيْهِمْ وَ لاَتَكُ فِى ضَيْقمِمَّايَمْكُرُونَ) (1).
و روى السيوطي في الدر المنثور عن ابنعبّاس قال: قال رسول اللّه (صلّى الله عليهوآله وسلّم) يوم قتل حمزة و مثّل به: لئنظفرت بقريش لاُمثلنّ بسبعين رجلاً منهم،فأنزل اللّه: (وَ إِنْ عَاقَبْتُمْ) الآية،فقال رسول اللّه (صلّى الله عليه وآلهوسلّم): «بل نصبر يا ربّ. فصبر و نهى عنالمثلة» و الظّاهر أنّ الحكاية الاُولىأوثق و ذلك لأنّ النبيّ (صلّى الله عليهوآله وسلّم) أجلّ و أعلى شأناً من أنيتمنّى قصاصاً فيه إجحاف و انتقاصبالآخرين.
و روى البيهقي عن محمّد بن كعب القرظي قال:لمّا رأى رسول اللّه (صلّى الله عليه وآلهوسلّم) حمزة بالحال التي هو بها حين مثّلبه، قال: لئن ظفرت بقريش لاُمثلنّ بثلاثينمنهم، فلمّا رأى أصحاب رسول اللّه (صلّىالله عليه وآله وسلّم) ما به من الجزعقالوا: لئن ظفرنا بهم لنمثلنّ بهم مثلة لميمثّلها أحد من العرب بأحد، فأنزل اللّهعزّ و جلّ: (وَ إِنْ عَاقَبْتُمْفَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْبِهِ) إلى آخر السورة فعفا رسول اللّه(صلّى الله عليه وآله وسلّم) (2).
و الإختلاف بين الحكايتين واضح لكنّمحمّد بن كعب القرظي من بني قريظة الذينتمّت إبادتهم أيام رسول اللّه في المدينةو لم يبق منهم إلاّ قلّة قليلة، و لايعبأبنقله، و لعلّ غرضه الاّزدراء بالنبيّ وادّعاء عدم قيامه بمقتضى العدل.
1. مجمع البيان: ج3 ص605. 2. دلائل النبوّة،ج3 ص286، و السيرةالنبويّة لابن هشام ج2 ص95.