وبذلك تصيب المسلمين معرّة ومكروه، وهوقتل المسلم بيد المسلم، وبالتالي يعيبالمشركون المسلمين بأنّهم قتلوا أهلدينهم، مضافاً إلى أنّه كان يجب عليهمالكفّارة والديّة، ولأجل هذه الاُمورمجتمعة، كفّ أيدي المؤمنين عن المشركين،وانتهى الأمر بالصلح، لولا ذلك لأمركمبالجهاد، وإليه الإشارة فى قوله تعالى:(وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُؤْمِنُونَوَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْتَعْلَمُوهُم اَنْ تَطَؤُهُمفَتُصِيبَكُم مِنْهُم مَعَرَّةٌبِغْيرِعِلْم).
نعم قضت حكمته بذلك ليدخل في رحمته أُولئكالمؤمنين غير المتميّزين، وينجوبهم منالقتل، ويحفظ جيش المسلمين من لحوقالمعرّة والندامة بهم.
ولو كان المؤمنون مميّزين عن الكفّار،لعذّب الذين كفروا من أهل مكة، ولكن لميعذّبهم(بأيديكم) رعاية لحرمة من اختلطبهم من المؤمنين وإليه يشير قوله:(لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِى رَحْمَتِهِ مَنْيَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَاالَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُم عَذَاباًاَلِيماً) (الفتح/25). ثمّ إنّه سبحانه يشيرإلى جهة استحقاقهم العذاب، وهي رسوخ حمّيةالجاهلية، واَنَفَتِها وعاداتها فيقلوبهم، والمراد منها التشبّث، والتمسّكبما كان عليه آباؤهم، فقد كانت عادةآبائهم في الجاهلية أن لا يذعنوا لأحد ولاينقادوا له، وعلى ذلك أصبحوا بعد ظهورالإسلام، فكانوا يقولون:
«قد قتل محمد وأصحابه آبائنا وإخواننا،فلو دخل علينا فى منازلنا لتحدّثت العربإنّهم دخلوا علينا على رغم أنفنا»، وهذاهو الذي سمّاه تعالى الحميّة الجاهلية، أيأنفتهم من الإقرار لمحمد بالرسالة، وحتىالاستفتاح ببسم الله الرحمن الرحيم،وإليه يشير قوله سبحانه: (إذ جعلَ الذينَكَفَرُوا فى قلوبِهِم الحميّةَ حميّةَالجاهِلِية).
ولكنّه سبحانه لا يترك المؤمنين وأنفسهم(فأنزل الله سكينته على رسوله وعلىالمؤمنين...).