جميـع القضايا والحوادث التي تقـع في العالم الاسلامي تتصـل اتصالاً وثيقاً بالآيات القرآنية، وخصوصاً تلك الآيات التـي تعتبر الأمة الاسلامية خير أمة اخرجت للناس؛ اي ان البشريـة لابد ان تنتفع من بركات هذه الأمة، فهي لم تخرج لنفسها. فالمسلمون عند بعثـة الرسول (صلى الله عليه وآله) لم يعملــوا قـط من أجـل ذواتهـم وقضاياهـم، بل كانوا يعملـون مـن أجل الناس جميعـاً. ولذلك فان هذه الأمـة وبعـد ان تشكلت في شبه الجزيرة العربيـة بدأت تنتشر، وكلما دخلت بلداً وفتحت أرضاً نشرت فيهما الخير والبركة والحرية والعدالة.. حتى دخل الناس في دين الله أفواجــاً في فتـرة قياسيـة.
أمة اخرجت للناس:
وعلى هذا فان هذه الأمة انما اخرجت للناس. ولكن القرآن الكريم عندما يحدثنا عن هذه الصفة والميزة في المسلمين فانه لايترك الحديث مطلقاً، بل يقيده بان سبب تمتعهم بهذه الميزة انما هو أمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر. فالمسلمون انما كانوا خيراً وبركة لانهم كانوا يدافعون عن القيم الحقة، ولانهم كانوا ينشرون العدالة في العالم، وكانوا يريدون للناس الرفاه والسعادة، ويقاومون الظلم والطغيان والبغي والمنكر.. وبالتالي فقد كانوا أمة جاءت من اجل البشرية.
وهذه الصفات هي الصفات المثلى التي جعلت الأمة الاسلامية أمة رائدة في الارض، لاتحافظ على القيم في مجتمعها فحسب، وانما تنشرها في ربوع الارض. فقد كانت تنشر العلم، والعدالة، ونور الهدى الى أبعد نقطة في الارض.
وللاسف فان هذه الأمة قد فقدت اليوم هذه الميزة، ولانها فقدتها فقد اصبحت أمة ذليلة مقسمة، وهذا هو سبب كل ما يجري علينا. فنحن قد تركنا جانباً فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..
وليس ثمــة شك في ان الجريمة تكون في البدايـة نطفـة ثــم
تتحول الى غول، وعلينا ان نقضي على هذه الجريمة قبل استفحالها، لانها إن كبرت وتعاظمت فسوف لن يكون بمقدورنا استئصالها. ولذلك يقول عز من قائل: « إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِاَنفُسِهِمْ » (الرعد/11).
فإذا ما رأينا نعمة سلبت فلابد ان نعرف ان هناك ذنباً قد ارتكب، وخطيئة اقترفت حتى زالت تلك النعمة.
فالحرية والأمن والكرامة والاستقرار كل ذلك هو نعمة من الله تعالى، ولكننا إذا لم نمسك بيد المجرمين، وتركناهم يشكلون العصابات حتى يصلوا الى السلطة، فأن الله تبارك وتعالى سيسلط علينا هؤلاء المجرمين ليسلبوا منا كل تلك النعم. ولذلك جاء في الحديث الشريـف عـن الامـام الرضــا (عليـه السلام) يقول فيه: " كلّما أحدث العباد من الذنوب مالم يكونوا يعملون أحدث لهم من البلاء مالم يكونوا يعرفون ". ([7])
فكل ذنب جديد لابد ان يكون وراءه بلاء جديد.
حتى نكون خير أمة:
وعلى هذا فاننا عندما ندافع عن ديننا وقيمنا فان الله تعالى سوف يؤيدنا، اما إذا تخاذلنا ولذنا بالسكوت فالويل لنا من ظلم الطغاة وممارساتهم الاجرامية. ونحن إذا ما اردنا ان نغيّر مجرى التأريخ فلابد ان نغيّر ذواتنا، واسلوب تحركنا، ومواقفنا. فان جاهدنا فنعم العمل، وإن لم نستطع فلنؤيد المجاهدين بالمال، والكلمة الطيبة، والتشجيع.. وإذا رأينا شاباً يتوجه الى الجهاد فان علينا ان لانخذله، وإذا رأينا حركة رسالية مؤمنة عاملة في الساحة فلنقدم لها العون، فان لم نستطع ان ننظم إليها فلنقدم إليها الخدمة بالقلم والتشجيع وبكل وسيلة ممكنة.
ولقد أمرنا القرآن الكريم بالجهاد باموالنا وانفسنا. علماً ان الجهاد ليس كله حملاً للسيف والبندقية، بل يشمل ايضاً تحركنا في المساجد، وحضورنا في الجلسات والمجالس.. فإذا ما سمعت ان فاتحة لشهيد ستقام ثم خرجت من منزلك لحضور هذه الفاتحة قربة الى الله تعالى وابتغاء لمرضاته، او ذهبت الى حيث يجتمع الناس حول قبور الشهداء فان مثل هذه الاعمال التي تبدو بسيطة في ظاهرها من شأنها ان تؤيد مسيرتنا وتخدمها.
وهكذا فان طريقنا الوحيد الى تحرير بلداننا هو ان نغيّر انفسنا، ونحررها من اغلال الجمود، والغفلة، والتنابز بالالقاب، وكل الصفات السلبية، وسنرى حينئذ كيف ستحرر اوطاننا وشعوبنا من عنت الطغاة، وكيف نكون خير أمة اخرجت للناس.
وكما أرى فان مؤامرات الحكومات الطاغية المتسلطة على رقاب المسلمين سوف لايكتب لها النجاح، لان عوامل النجاح ليست متوافرة لها، لسبب واحد يتلخص في ان المسلمين بدؤوا اليوم يعون، ويبصرون الحقائق ببصائر الايمان. فتلك الشعارات الوطنية والقومية والاقليمية ذابت وتلاشت، وهناك الآن شعار واحد هو شعار الأمة الاسلامية الواحدة.
على ان الأمر سوف لايقتصر على هذا الحد، فأنا اتوقع حدوث اكثر من ذلك خلال الاعوام القليلة القادمة. فالشواهد تشير الى ان اكثر من بلد سينعم بنور الاسلام، وكل ذلك هو دليل على اليقظة الشاملة في البلدان الاسلامية.
وتأسيساً على ما سبق فان علينا ان نعود الى آفاق ديننا، والى بصائره، وان نكوّن الأمة التي أرادها الله عز وجل خير أمة اخرجت للناس من خلال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما يقول القرآن الكريم:
« كُنْتُمْ خَيْرَ أمة اُخْرِجَتْ لِلْنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ » (آل عمران/110)
الثفافة الفاسدة هي تبرير للوضع الاجتماعي الفاسد، وتكريس له. ويبقى الانسان الذي خلق من ضعف محكوماً بأمرين من الصعب عليه التخلص منهما؛ الواقع المتخلف، والثقافة الفاسدة. فأن تحرر من ضغط الواقع السيء، ابتلي بتلك الثقافة التبريرية التي هي نتاج هذا الواقع، والعكس صحيح.
ولقد جاء انبياء الله (عليهم السلام) برسالاتهم من اجل فك الحصار عن الانسان، لكي لا يظل مضغوطاً عليه بين مطرقة الثقافة الفاسدة وسندان الوضع الاجتماعي الفاسد. ومما يزيد الطين بلة ان كثيراً من الناس لايدركون دور الثقافة السلبي في حياتهم، ولايعلمون ان افكارهم واقوالهم هي جزء من سلوكهم، وبالتالي فأنهم سيحاسبون على سلوكهم هذا، لانه المسؤول عن كثير من مشاكلهم، واوضاعهم المنحرفة.
أفكار تبريرية:
ومن ضمن الافكار التبريرية الشائعة تلك الفكرة التي تروّج في بلادنا اليوم عبر أجهزة مختلفة، والقائلة بأن على المسلمين ان يتجنبوا السياسة.
ونحن نرى البعض يعلن عن هذه الفكرة بصراحة، ويحاول ان يبررها بمجموعة من الشواهد الواهية، ومنهم اولئك الذين يحاربون المجاهدين العاملين، ويحاولـون ان ينالوا منهم لسبب او لآخر. فتراهم يتجاهلون المفاسد الاجتماعية القائمة، والسلطات الفاسدة، وما يواجههم من مخاطر حضارية، ليسعوا من أجل اشاعـة الاقاويـل والاراجيف حول الطليعة الرسالية من العاملين في الساحة، ويصنعــون من القضايـا الصغيرة او حتى من الاوهام قضايا كبيرة، وتهماً يلصقونها بالمجاهديـن في سبيـل الله عز وجـل.
ومثل هؤلاء سوف يحاسبهم الخالق يوم القيامة حساباً عسيراً على موقفهم هذا. وبقدر مايكون الانسان الذي يتهمونه عظيماً، فان جريمتهم عند الله ستكون عظيمة بنفس المقدار، كما يقول تعالى: « وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ » (النور/15(.
وهناك فكرة باطلة أخرى يتشبث بها وينشرها اولئك المرجفون، وهي ان كثيراً منهم يحسبون ان الدين والايمان هما مجرد اعمال روتينية، علينا ان نقوم بها بقدر ماتسمح به الاوضاع، وتقرّه السلطات الحاكمة التي يعتبرونها سلطات شرعية، غافلين عن انهم يرتكبون في هذه الحالة ذنبين؛ الاول هو خضوعهم للطاغوت، والثاني اعترافهم به.
ومن المعلوم ان الخضوع للطاغوت هو شرك خفي، في حين ان الاعتراف بشرعيته شرك ظاهر، ومخالفة صريحة لشهادة " لا اله إلاّ الله ". والله سبحانه وتعالى يغفر جميع الذنوب إلاّ ان يشرك به، لان الشرك هو ذنب لايمكن ان يغفر أبداً.
وهؤلاء انما يقعون في هذا الذنب العظيم عندما يعتبرون الذين يخالفون القوانين التي وضعتها السلطات الجائرة مجرمين ومخربين. وهذه الظاهرة شائعة - للأسف الشديد - في بعض بلداننا، وبين بعض الشرائح الاجتماعية. ونحن نسأل هؤلاء قائلين: كيف تعتبرون اولئك الذين يخالفون قانوناً ظالماً وضعه الطاغوت، ولم ينزل به الله تعالى من سلطان مجرمين، وكيف تسول لكم انفسكم ان تحكموا بغير ما انزل الله ؟؟
ان الله تبارك وتعالى يصف اولئك الذين لا يحكمون بما انزل بانهم كافرون، وفاسقـون، وظالمـون، لان الشرعيـة لأحكام الله
فقـط.
والأخطر من ذلك هو ان البعض يعتقد ان الدين هو ما تسمح به السلطات الفاسدة فحسب، وماعدا ذلك فليس من الدين في شيء، فيتحول الدين عند هؤلاء الى عبادة للطاغوت، وخضوع لما تأمر به السلطات الحاكمة !
الموقف القرآني:
والله عز وجل يحدد في القرآن الحكيم موقفه الصارم، والحاسم من هذه الفئة من الناس فيقول:
« وَيَقُولُ الَّذِينَ ءَامَنُواْ لَوْلاَ نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَآ اُنزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فأَوْلَى لَهُمْ » (محمد/20)
والكلام هنا موجّه الى الذين يدّعون الاسلام والايمان، ويعربـون عن استعدادهم لطاعة الله، واتباع اوأمره وهـم فـي حالة السلـم والامـن، حتى إذا أمرهـم الله تعالى بأمـر فيه شيء من الصعوبــة والمشقّة تغير موقفهـم؛ فأن كان الامر بالقتـال ترى الخوف يسيطر عليهم، ويفقدهم القدرة على التفكير، ولسان حالهم يقول: ان الدين الذي يأمرنـا بالثورة على السلطات الطاغية، ويجعلنا نتعرض الى السجن، والتعذيب، والاعدام لانريده. فيبدؤون على أثر ذلك بالكفر والارتداد، كما يؤكد على ذلك الخالق عز وجل في قوله:
« طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فإِذَا عَزَمَ الأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ » (محمد/21)
ومن هذه الآية نستنتج ان الناس يجب ان تكون حياتهم قائمة على اساس الطاعة والتسليم، وان ينبذوا جانبا الثقافة التبريرية ليلتزموا بدلاً منها بالثقافة الرسالية؛ ثقافة العمل، والتضحية، والتوجيه، والاصلاح.. لا ثقافة التخاذل، والانهزامية وخصوصاً في حالات الشدة.
وعلينا ان نعلم ان المستبقل لتلك الأمة التي تتحدى الظروف المتأزمة في الساعات الحرجة والحاسمة من حياتها، اما تلك الأمة التي تثبط عزيمة ابنائها في اللحظات المصيرية فأن مآلها سيكون الى الفشل والخسران، كما يشير الى ذلك قوله عز من قائل:
« فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ » (محمد/22)
وبناء على ذلك فان ترك الدين يعني التجزؤ والفساد، وبالتالي الهلاك والدمار.. فعلينا ان لا ننظر الى هذه المهلة القصيرة التي اعطانا الله إياها في هذه الدنيا، بل يجب ان ننظر الى ما هو أبعد من ذلك. فترك الدين يعني ترك كل ما يمكن ان يكون خيراً فيما يتعلق بالمستقبل.
ثم شدد ربنا عز وجل اللوم والتقريع على اولئك الذين لايتدبرون في القرآن في قوله: « أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ » (محمد/24)
وللأسف الشديد فان الذكر الحكيم أصبح محجوباً عن المسلمين، بسبب الاقفال التي وضعوها على قلوبهم، انطلاقاً من الحرص على الحياة والجبن. في حين ان القرآن الكريم هو كتاب الابطال المؤمنين، ولا يمكن ان يفهمه المترددون المرتابون. فهو لا يدرك إلاّ بقلوب منفتحة على الحياة، اما القلب الذي يضع عليه صاحبه الاقفال المصنوعة من الجبن، والتردد، والمصلحية، والتقوقع، والانطواء على الذات فانه يعجز عن فهم الآيات القرآنية.
ان آيات القرآن تتفجر بالنور والهدى، في حين اننا نعيش مآسي التخبط والضلالة في بلادنا، ولانملك الرؤية الواضحة الى اوضاعنا. وعلى سبيل المثال فاننا بدلاً من ان ندين السلطات الظالمة ترانا نعمد الى ادانة المجاهدين الثائرين في سبيل الله تعالى، فهل تدل هذه الظاهرة على اننا قريبون من القرآن، او اننا نتفهم آياته كما ينبغي، ام تدل ان قلوبنا تنوء تحت اقفال متراكبة على بعضها وضعناها بمحض ارادتنا ؟
والقرآن الكريم ينذر ويتوعد اصحاب الثقافة التبريرية أنّى كان مصدرها، قائلاً: « إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ » (محمد/25).
فالقرآن يصرح بان هؤلاء مرتدون حتى وان تعاملنا معهم كمسلمين. فالافكار التي يحملونها هي من وحي الشيطان مباشرة. فشيطان الخوف والتردد، وحب الدنيا الذي هو رأس كل خطيئة، هو الذي يسول لهم، ويرسم طريقهم.
ثم يبين القرآن الكريم أساس ثقافتهم الباطلة فيقول: « ذَلِكَ بِاَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ » (محمد/26).
فتحالف هؤلاء مع القوى الشيطانية هو الذي يدعوهم الى التفتيش عن افكار سخيفة ستؤدي بهم الى ان يكون مصيرهم رهيباً، كما يصرح بذلك سبحانه في قوله: « فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ » (محمد / 27).
وفي مقابل هؤلاء المتقاعسين الذين يحملون النزعة التبريرية، هناك الطليعة التي تمثل قمة التحدي الاسلامي، وشعلة الثورة الاسلامية، كما تمثل ضمير الأمة الاسلامية وروحها. فالانسان الشاب الذي يترك زوجته ووظيفته ومستقبله، ويتوجه مخلصاً لله تبارك وتعالى، انما يمثل في الواقع الامتداد الطبيعي لاصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)، وهو نسخة من ذلك الكتاب الذي خطه الحسين (عليه السلام) في كربلاء بدمه الطاهر الزكي. فليس من الهيّن ان يتجرد الانسان عن كل ذاتياته، ومصالحه الشخصية، ولذلك فانه عظيم عند الله بغض النظر عن انتماءاته.
وإذا ما غاب هؤلاء، أو لم تقم الأمة بواجبها تجاههم فانها ستفقد عضواً هاماً من اعضائها، لانهم يمثلون عين الأمة، فان تركت عينها هذه فانها ستتعرض الى أخطار عظيمة،وتصبح أمة عمياء خاضعة للقوى الاجنبية الطامعة، ويكون مصيرها إلعوبة بيدها.
العقاب الالهي في انتظار المبررين:
وعلى سبيل المثال فان يزيد بن معاوية وبعد استشهاد الامام الحسين (عليه السلام) اباح المدينة المنورة لمدة ثلاثة أيام لجيشه المرتزق السفاك وقد روى ذلك أكثر المؤرخين حيث جاء أن النبي (صلى الله عليه وآله) لعن من يحدث في المدينة حدثاً، وجعلها حرماً، وكان ذلك النهب على يد مسلم بن عقبة نائبه الذي نفذه اليهم، وسبى أهل المدينة وبايعهم على أنهم عبيدقنّ ليزيد بن معاوية، وأباحها ثلاثة أيام حتى ذكر جماعة من أصحاب التواريخ أنه ولد منهم في تلك المدة أربعة آلاف مولود لايعرف لهم أب، وكان في المدينة وجوه بني هاشم والصحابة والتابعين وحرم خلق عظيم من المسلمين، وأتبع يزيد ذلك في وصيّته لمسلم بن عقبة بـإنفاذ الحصين بن نمير السكوني لقتال عبد الله ابن الزبير بمكة، فرمى الكعبة بالحجارة ! وهتك حرمة حرم الله تعالى وحرم رسوله (صلى الله عليه وآله) وتجاهر بالفساد في العباد والبلاد. ([8])
وقد صرح الامام زين العابدين (عليه السلام) بعد ذلك بان هذه الحادثة كانت عقاباً من الله عز وجل، لان أهل المدينة قعدوا عن نصرة امامهم، وخذلوه، فسلط الله عليهم الظالم كما يقول الحديث القدسي: " الظالم سيفي انتقم به وانتقم منه " ([9])
وقد قال الامام الحسين (عليه السلام) في كربلاء: " والله لوهتكت حرمتي لاتبقى حرمة لاحد".
وفعلاً وبعد استشهاده (عليه السلام) انتهكت جميع حرمات المسلمين؛ فتهدمت الكعبة، واستبيحت المدينة، وهتكت اعراض النساء، ولم تبق حرمة لانسان مسلم.
ومن أجل ان لاتتكرر هذه المأساة علينا أن ننصر المجاهدين ولو بكلمة طيبة.. نوظفها في سبيل الله تعالى، ومن أجل المحافظة على حرماتنا، وصيانة شرفنا. فالبلد الذي يفتقر الى العناصر الرسالية فانه لاقيمة له، فلو انتهكت حرمات الساكنين فيه فلا يوجد هناك احد يدافع عنها، كما ان البلد الذي لايلتف حـول الرساليين المجاهدين مـن ابنائـه، ولايبذل لهم الامكانات والمساعدات فان قيمته ستنعدم عند اللـه عز شأنه.
وهكذا فان على الأمة مسؤولية كبيرة تجاه طليعتها، كما ان الطليعة لابد ان تقوم بدورها هي الأخرى تجاه الأمة.
بين الاستسلام للارهاب والتحدي:
واخيراً اقولها وبكل صراحة ان الذين يستسلمون للارهاب، ويزعمون ان لاحول ولاقوة لهم في مواجهته، فانهم يتشبثون بثقافة تبريرية مرفوضة شرعاً. اما الشعب الذي يتحدى، ويتوكل على الله جل وعـلا، ويكون كأولئك الذيـن قـال عنهم تعالـى: « وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَآ ءَاذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ» (ابراهيم/12) فانهم سوف يجدون الطرق المناسبة للعمل ضد الطاغوت. صحيح ان طريقاً ما قد يكون مسدوداً، ولكن لابد من وجود طريق آخر بديل عنه. وعلى سبيل المثال فقد لاتستطيع ان تشارك في التظاهرات الجماهيرية بسبب مرضك، او كبر سنك، ولكنك تستطيع ان تسهم بمالك، فان فرضنا انك عجزت عن ذلك فان بامكانك - على الاقل - ان تستخدم كلمة الحق كسلاح اعلامي فاعل.
وبناء على ذلك فاننا إذا توكلنا على الله تقدست اسماؤه، وتيقنا من انه لا يخيب من أحسن الظن به، وانه عند من يتوكل عليه، فحينئذ ستتفتح امامنا الابواب، ونعرف الطرق المناسبة للعمل.
ولنعلم في هذا المجال ان العقبة الكبرى التي تواجهنا في هذا الطريق هي تسويلات الشيطان المتمثلة في الثقافة التبريرية، التي يتعين علينا ان ننقذ انفسنا منها من خلال التدبر في القرآن الكريم.
لنعرض انفسنا على القرآن:
فلنعرض انفسنا على القرآن الكريم، ولنرفض كلمات كل انسان لا يصدق عمله قوله، وعلينا ان لا نعير أية أهمية الى تخرصات وادعاءات الحاملين للثقافة التبريرية الذين لاتهمهم سوى مصالحهم وانانياتهم، وسوى ان يكونوا عبيداً أذلاء لاسيادهم المتكبرين. ولنجعل الذكر الحكيم بيننا وبين السلطات الفاجرة ان كنا حقاً من المسلمين، ومن اتباع النبي محمد (صلى الله عليه وآله)، ومن المؤمنين بالعقيدة التوحيدية التي تقتضي من الانسان المؤمن بها ان يرفض جميع اشكال العبودية والتبعية للمخلوقين.
وفي هذا المجال علينا ان نتدبر في القرآن الكريم بأنفسنا، وان نستوحي من آياته المباركة معاني الثورة، والاستقامة، والصمود، والانتفاضة في وجه الاعداء، وان نفتح الاقفال الموضوعة على قلوبنا، ونمزق الحجب التي تحول دون ان نفهم القرآن فهماً حقيقياً، وان ننظر الى الحياة طبقاً لبصائر هذا الكتاب العظيم الذي هو كما يقول الحديث الشريف عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): " فعليكم بالقرآن فانه شافع مشفّع، وماحل مصدّق، من جعله امامه قاده الى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه الى النار". ([10])
لو كان من حق الانسان ان يتصوّر لنفسه ديناً خاصاً يتّبعه ، ويدخله الله تعالى به الجنة ، لما كانت هنالك حاجة ملحّة الى بعث الرسل ، ولا الى تواتر الرسالات الالهية الى البشرية جمعاء. فلا ريب ان دين الله ليس هو كل ما يتصوّره الانسان ، وما يعتقد به . فهناك من يعتقد بعبادة الاصنام الحجرية ، او عبادة نوع من النباتات ، او الحيوانات .. ولو كانت هذه الاعتقادات كافية للانسان لما بعث الله عز وجل الرسل ، ولما انزل الكتب المقدسة ، ولانعدمت جدوى الانبياء والمرسلين من أجل تحكيم مبدأ التوحيد ، والعمل برسالات الله .
وهنــاك من الناس من يعيشون الاوهام ، ويختلقون الافك ، ثم
يعتقدون به زاعمين انهم على الصراط المستقيم . في حين انه لايكفي الانسان ان يعيش في عالم التمنيات ، فيمنّي نفسه بصلاح اعماله ، وكثرة انجازته ، وبالتالي بالفوز بالجنة . فهناك الكثير من الناس ممن يرتكبون المعاصي ، ويعملون المنكرات ، ومع ذلك فانهم يخدعون انفسهم بصلاح اعمالهم ، وان تلك المعاصي لا تحول دون دخولهم الجنة .
وهناك فئة اخرى تزعم ان الدين ماهو إلاّ مجموعة من الواجبات الشخصية يقوم بها الانسان بعيداً عن المسؤوليات الأخرى كالمسؤولية السياسية والاجتماعية ؛ معتقدين ان اداءهم لهذه الواجبات سيضمن لهم النجاح في الدنيـا ، والفلاح في الآخرة . في حين ان هذا التصوّر هو ليس من الدين في شيء ، فما ذهب اليه هؤلاء هو وسيلة لتبرير تقاعسهم ، وانهزامهم من المسؤولية الرسالية ، وارتكاسهم في اوحال الجهل والتخلّف . ومن عادة هؤلاء ان يفتّشوا عن أي حديث ، او رواية تؤيد وجهة نظرهم ؛ كأن يأتي احدهم بقصص واحاديث غير موثوق بها ، في حين ان عليه ان يتمسك بالقرآن الذي يمثّل الحجة الشرعية الدامغة .
والقرآن الكريم عندما يبيّن لنا الاسلام ، فانه يبيّنه على حقيقته نابضاً بالحيوية ، فاتحاً للآفاق ، كاشفاً عن الحقائق ، مثيراً لدفائن العقول ، مبصّراً بالاوضاع ، لا كما يتصوّر البعض من المحدودية والعجز والانفصال عن الواقع .
ومن هنا فانّنا نعتقد انه لايكفي ان يدّعي الانسان الايمان ، بل يجب ان يجسّده على ارض الواقع ضمن أطر الدين التي تشمل الحياة كلّها ، وبالطبع فان الانسان لايستطيع ان يصل الى درجة الايمان من دون ان يواجه الصعوبات والازمات فهذه المواجهة ضرورية من اجل ان يجتاز مرحلة الامتحان ، ليثبت جدارته في الالتزام ، وتحدي أهواء الذات .
ان مشكلة المسلمين اليوم تكمن في انهم خلقوا لانفسهم اطراً واعتقادات لاتمت الى واقع الدين بصلة ، في حين ان هذه الاعتقادات ليست هي الاسلام الذي اراده الله عز شأنه للأمة . وقد تكرّست هذه الحالة فينا - للاسف - الى درجة ان الكثير من الآيات القرآنية التي نزلت في المنافقين بدأت تنطبق علينا اليوم .
ومن الصفات التي ذكرها القرآن الكريم عن المنافقين هي صفة التعويق التي يشير اليها تعالى في قوله : « قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَآئِلِينَ لاِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ اِلَيْنَا وَلاَ يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً » (الاحزاب / 18)، ونحن نرى ان من ديدن المسلمين اليوم اعاقة الأمة عن العمل ، والجهاد في سبيل الله بدلاً من تشجيعها عليه ؛ كأن يأتي الانسان المسلم الى صديقه فيخبره عن نـيّته في القيام بعمل رسالي ما ، وإذا بصاحبه هذا يسلب منه طموحه ، ويقتل ارادته عبر كلمات سلبية كأن يلومه على عدم التفكير بمستقبله ومستقبل عائلته، او يوحي له بأن الطريق الذي يسلكه فيه مخاطر كثيرة من مثل ؛ التشرّد والهجرة والمشاكل المالية وما الى ذلك.
وهكذا فان مما يؤسف له ان هناك من يدخل الصراع بصورة سلبية؛ كأن يبذل جهده من أجل ابعاد الآخرين عن ساحة الصراع الرسالي، حالهم في ذلك كحال اولئك الذين تفرّقوا عن مسلم بن عقيل عليه السلام في الكوفة قائلين : مالنا والدخول في السلاطين! حيث كان هذا التعويق سبباً في ارتداد اربعة آلاف مقاتل ممن كانوا مع مسلم، حتى بقي وحيداً في ساحة المواجهة.
وللاسف فان هذه الحالة مازالت سائدة في مجتمعاتنا اليوم ؛ ولكن بصور شتى . فنحن نرى ان الانسان المسلم الذي يريد ان يعمل في سبيل الله ضمن مشروع رسالي ما ، يواجه حشداً ممن يقفون حائلاً دون انخراطه في ذلك العمل المقدّس، وإذا ما تحدّاهم فانهم يبادرون الى اعلان حرب نفسية عليه لا هوادة فيها .
ومن الواضح جدّاً ان الازمات والمشاكل التي تعيشها امتنا اليوم انما هي افراز طبيعي لمثل هذه الحالات السلبية التي مازالت تخيّم علينا ، وبامكاننا ان نلمس ذلك بوضوح عندما تصمم جماعة ما على الجهاد ضد الانظمة الطاغوتية ، فانك في هذه الحالة سوف لاتسمع إلاّ حديث المعوّقين يرتفع في سماء المعارضة السلبية للحيلولة دون تحقيق تلك الجماعة لهدفها بل ان الادهى من ذلك ان بعض هؤلاء المعوّقين قد يمجّدون شخص الطاغية ليشاركوه في اضعاف جبهة الحق ، وليسهموا في ترسيخ دعائم الانظمة المعادية للاسلام .
والدليل على ذلك في التأريخ الاسلامي انحراف الخلافة الاسلامية عن مسارها الصحيح بعد وفاة رسول الله صلىالله عليه وآله، وقد نـبّهت فاطمة الزهراء عليها السلام المسلمين، وحذّرتهم من الاوضاع الجديدة قائلة : "لقحت فنظرة ريث ما تنتج، ثم احتلبوا طلاع القعب دماً عبيطاً ، وذعافا ممضّا هنالك يخسر المبطلون، ويعرف التالون غبَّ ما أسكن الأوّلون". أي اصبروا حتى تثمر هذه الشجرة الخبيثة التي زرعتموها . ولم تمرّ الايام طويلاً حتى تسلّط على الأمة اخبث الناس من امثال معاوية ، وابنه يزيد ، وسمرة بن جندب الذي حكم البصرة ليلة واحدة قتل فيها مايقرب من خمسة آلاف انسان بريء !!
وعندما سكت الناس على مقتل نبـيّ الله يحيى بن زكريا عليـه السلام؛ عندمـا ذُبح في وضح النهار بفتوى ملفّقة من بني اسرائيل ، دون ان يعترض احد على هذه الجريمة النكراء ، بقي دمه الزكي يفور من موضع قتله دون ان يستطيع احد ايقافه . ولكن ما ان مرّت فترة وجيزة من الزمن حتى سلّط الله تعالى (نبوخذ نصر) على بني اسرائيل ، فقتل منهم سبعين ألفاً ، حتى اصبحت دماؤهم تسيل كالنهر ، وحينئذ توقّف فوران دم يحيى عليه السلام بعد ان اخذ الله بثأره .
وفي الحقيقة فان هذه القصص ليست للمتعة والاثارة ، بل هي عبرة لنا لنعيد النظر الى هداها في نوع الدين الذي نعتقد به ؛ فان كان يعني التبرير واختلاق الاعذار والتقاعس والانهزامية ، فهو ليس من الاسلام في شيء .
لندرس الاسلام من جديد :
ان علينا ان ندرس الاسلام من جديد ، وان تكون لدينا القدرة على التمييز بين اسلام الله ، وبين اسلام الشعارات الذي لانفهم منه سوى اسمه ، وبعض الممارسات السطحية .
ان الاسلام الحقيقي هو الاسلام الذي لايعترف بالحدود والفوارق أيّا كانت. وهذا هو الاسلام الحق الذي يجب ان نلتزم به ، ومتى ما استوعبناه ، وحوّلناه الى واقع على الأرض ، فحينئذ سوف لاتنكّس للمسلمين راية، وسوف لايبقى لهم مكان في ارض التخلف، وسيرفل الجميع بالخيرات والنعم، وبالسلام والاطمئنان.
عندما ندخل في رحاب القرآن الكريم فاننا ندخل - في الحقيقة - في روضة من رياض الجنة، حيث يشاهد الانسان الحقائق عن كثب. فهو عندما يحدثنا عن حقيقة ما، فانه يكشف لنا عن جميع جوانبها وأبعادها، ويجعلنا نراها رأي العيـن.
والقرآن - وبالتحديد في سورة آل عمران - يحدثنا كيف يمكن ان تكون الأمة مقتدرة وعزيزة في الدنيا، ومفلحة في الآخرة. وقد أمرنا الله تعالى في هذه السورة بعملين احدهما يكمل الآخر؛ التمسك بالكتاب، ثم التمسك بالنبي وآله عليهم السلام.
ومن المعلوم ان الكتاب هو الطريق، والنبي قائد هـذا الطريـق؛
والكتاب فكرة والنبي هو الذي يبين هذه الفكرة. فالكتاب لم ينزل من السماء على شكل قراطيس، بل انزل علـى قلب النبي (صلـى الله عليه وآله)، ثم أمره تعالى ان يبينه ليزكـي الناس، ويعلمهم.
قـال الله تعالــى: « لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهـِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءَايَاتِــهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُبِيــنٍ » (آل عمران / 164).
ومن هنا فاننا بحاجة الى عنصرين مهمين هما: الامام والشريعة. فان الله تبارك وتعالى عندما يأمرنا بالتمسك بهذين الاساسين، فانه يشير الى انهما يمثلان حبلاً واحداً.
ومن هذا المنطلق فان النبي (صلى الله عليه وآله) أوصى المسلمين قائلاً:
" اني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا بعدي: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، وانهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض". ([11])
وقـد أشـار الله سبحانــه وتعالــى الى هذا المعنــى فـي قـولـه:
« وَكَيْفَ تَكْفُـرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ ءَايَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُـهُ » (آل عمران/101).
فمن يتولى عن الكتاب او عن النبي او عن الامام الذي جعله الله مبيناً للشريعة فانه سيكون كافراً.
بعد ذلك يوجه القرآن الكريم خطابه الى المؤمنين فيقول: « يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ » (آل عمران/102).
والخطاب موجه هنا الى المؤمنين بشكل مباشر، فيأمرهم تعالى ان يتقوه تقوى تتناسب معه؛ اي مع الرب الذي خلقنا من نطفة، ثم اودع هذه النطفة في اصلاب آبائنا ، وارحام امهاتنا، والذي خلقنا طوراً من بعد طور، وحفظنا من آلاف الاخطار.. فهو محيط بنا علماً، ويعلم ما توسوس به انفسنا. فعلينا - إذن - ان نعرف من نتقي.
ثم يقـول عـز وجل: « وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُم مُسْلِمُونَ » (آل عمران/102).
ومن خلال هذه الآية يمكننا ان نستوحي بصيرة؛ وهي ان الانسان عندما يعصي الله ولايتقيه فان هذه المعصية سوف تستدرجه، وتدفعه الى ان يرتكب ما هو أكبر منها حتى يفقد ايمانه.
ويؤكد القرآن على ضرورة الوحـدة، والالتفاف حول القيادة الربانيـة فيقـول: « وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا » (آل عمران/103).
والحبل الالهي هو الكتاب، والقيادة الربانية المتمثلة في شخص الرسول (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) ثم الفقهاء العدول. والقرآن يبين هنا العلاج، ثم يشير الى الداء الذي هو التفرقة. فالاختلاف داء وبيل يحطم شخصية الأمم، والعلاج الوحيد هو الاعتصام بحبل الله.
نعمة الاسلام:
ثم يقـول سبحانه مشيراً الى نعمة الاسلام التي توحد بها العرب قبل الاسـلام: « وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً فَاَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَاَصْبَحْتُــم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانـاً » (آل عمران/103).
فقد كان الواحد منهم ينام والى جانبه سيفه، لان الآخرين من الممكن ان يغيروا عليه في أية لحظة. فكانت حياتهم قائمة على اساس الخوف والحرب لولا ان رحمة الله قد تداركتهم، ونزلت عليهم متمثلة في شخص الرسول (صلى الله عليه وآله) والقرآن الكريم.
ثم يبيـن الخالق عز وجـل صفات الأمــة المستقيمة الداعية الى
الخير فيقول: « وَلْتَكُن مِنكُمْ أمة يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ » (آل عمران/104).
ربنا جل جلاله يبين لنا في هذه الآية الطريق الذي نستطيع من خلاله ان نحافظ على الأمة، بحيث لاتتحول الى فرق متناحرة. من هذا المجال لابد من القول اننا لانستطيع ان نمنع الانهيار والتمزق بالشعارات والخطابات، بل لابد من التمسك بالقرآن والقيادة الربانية التي أمر القرآن باتباعها. فيجب ان تتفرغ الأمة كلها للدعوة الى الخير، وان يكون هناك رجال يحافظون على وحدتها، لانه هنالك شياطين الانس الذين يعملون على تمزيق الأمة، وإثارة الخلافات والفتن بين صفوفها.
كيف ننشر الفضيلة في العالم ؟
وفي هذا المجال علينا ان نتساءل: ماهو جهاز الدعوة الذي يجب ان نشكله، وكيف ننشر الفضيلة في العالم ؟
وللاجابة على هذا السؤال نقول: اننا نمتلك نور القرآن الكريم، وعلينا ان نوصل هذا النور الى اقصى بقعة من بقاع الارض دون ان نتهرب من المسؤولية، لان الاعداء قد غزونا بثقافتهم في عقر ديارنا. ولقد استطاعت الاجيال السابقة ان تحافظ على هذا الدين، وان توصله إلينا. ونحن ايضاً علينا ان نتحمل مسؤولية ايصاله كما هو الى الاجيال القادمة.
فعلينا ان نفكر تفكيراً موضوعياً، وان نصمم على تنفيذ جميع الواجبات الشرعية، ومن ضمنها فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فالانسان يعرف نفسه قبل ان يعرفه الناس كما يقول تعالى: « بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ » (القيامة/14-15).
وعلى هذا فانني لااستطيع ان اتهرب من مسؤوليتي، لان هذه المسؤولية معلقة برقبتي كما يقول سبحانه: « وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ » (الاسراء/13).
فعلي -إذن - ان احاسب نفسي قبل ان يحاسبها الآخرون، وقبل ان امثل امام المحكمة الكبرى.
وبناء على ذلك، فان علينا ان نواجه الحقيقة بكل شجاعة، ونقر بان الله تعالى قد قدم إلينا برنامجاً علينا ان نطبقه، وانه قد استضافنا في دار ضيافته الكبرى وهي الجنة، وهذه الجنة بحاجة الى دليل نتمسك به، وهذا الدليل يتجسد في الرسول وأهل بيته عليهم السلام.
ونحن عندما نتمتع بروحية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فان العلم كله سوف لايستطيع ان يتغلب علينا، لان المدافع هو رب العزة، ولان هذه الفريضة لاتقدم اجلاً، ولاتقطع
رزقــاً.
ان على كل واحد منا ان يتحول الى منبر للدعوة الى الخير. كما جاء في الحديث الشريف عن الصادق، عن آبائه قال: كان النبي (صلى الله عليه وآله) يقف عند طلوع كل فجر على باب علي وفاطمة يقول:" الحمد لله المحسن المجمل المنعم المفضل الذي بنعمته تتم الصالحات سمع سامع بحمد الله ونعمته وحسن بلائه عندنا، نعوذ بالله من النار، نعوذ بالله من صباح النار، نعوذ بالله من مساء النار، الصلاة يا أهل البيت إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً " ([12])
وبالاضافة الى ذلك فان علينا ان نعمل - ما استطعنا الى ذلك سبيلا - من أجل المشاركة في انجاز المشاريع التي من شأنها ان تنشر الرسالة الاسلامية كأن نؤسس حسينية، او نشكل مكتبة يتعرف فيها الآخرون على الفكر الاسلامي، او كأن نعمل من اجل اصدار الكتب وتوزيعها... وبالتالي فان هناك مجالات كثيرة مفتوحة امامنا يتجسد من خلالها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لان هذه الفريضة ذات مفهوم واسع وشامل لايمكن ان ينحصر في مجالات ضيقة محدودة.
وبالطبع فان هناك اناساً يتفوقون على غيرهم في هذا المجال، فتراهم يخاطرون بحياتهم من أجل نشر الرسالة الالهية في ارجاء الارض، وهؤلاء هم الذين باعوا انفسهم لله لقاء الجنة مجسدين المفهوم الحقيقي للجهاد، وهؤلاء الاشخاص انما يصلون الى هذه المرتبة السامية من خلال التوفيق الالهي، لانهم تفرغوا للدعوة والعمل والتبليغ.
اما الآخرون فان عليهم ان يقوموا - على الاقل - بجزء من اعمال اولئك. فكما ان الصلاة والصوم لايسقطان عن الانسان في جميع الاحوال، فكذلك الحال بالنسبة الى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، شريطة ان تؤدى هذه الفريضة بما يتناسب مع طبيعة العصر الذي نعيشه. فبالتواضع، وسعة الصدر، والمجادلة بالتي هي أحسن يمكننا ان نقوم بعملية التبليغ والدعوة.
وعندما تظهر في الأمة مجموعة او طائفة هدفها الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر فان هذه الأمة ستصل الى قمة السعادة والفلاح، وستتحقق جميع اهدافها الدنيوية والاخروية.
ترى لماذا يخشى المستكبرون وحدة الأمة ويعتبرونها وبالاً فادحاً عليهم، ولمإذا يصيبهم الرعب من ان تجتمع شعوب الأمة الاسلامية وتتوحد في ظل قرآنها وعلى مائدته، وهل هناك ضرر لو انصهرت هذه القوى والطاقات المتناثرة والمتشتته في البلدان الاسلامية في بوتقة وقالب واحد لتصبح قوة هائلة تعمل من اجل خيرها وخير كل انسان على ظهر هذه البسيطة، وما الذي يخيف هؤلاء الذين يرسمون من وجودنا الموحد صورة للرعب يخيفون به البشرية، وما الذي يرعبهم في ان يكون الانسان المسلم حراً في حركته وتنقله في عالمه الطويل العريض بلا اوراق عبــور، وبـدون ما اصطلحنا على تسميته بـ (الحدود) التي ماهي إلاّ حواجـز وموانع اختلقت للحيلولـة بين اجزاء كياننا
الواحد ؟؟
في تلك العصور التي كانت فيها اوروبا متخلفة ومتمزقة وموزعة تحت الف راية، ويحكمها الف نظام ونظام، كان الرحالة العربي المسلم (ابن بطوطة) يشد راحلته ليجوب بها الشرق والغرب، والشمال والجنوب. من أقصى الارض الى أقصاها دون ان يعترضه احد، ودون ان يجرؤ على ان يسأله: من أنت، ومن اين جئت، والى اين تذهب ؟ علماً ان هذه الاسفار الحرة كانت سائدة في عصر يحتاج فيه الزائر لبيت الله -مثلاً- الى أشهر عديدة، بل ربما سنوات لكي يصل الى مكة قادماً من اقاصي الارض ليعود الى بلاده حاجاً.
بهذا الاسلوب استطاع الاسلام ان يجمع في احضانه تلك البلاد البعيدة الواسعة المترامية الاطراف. فما الضير في ان يعود هذا الاسلام ليعيد الى تلك البقاع وحدتها وتلاحمها وانسجامها وتراصها، لتذق الشعوب في ظله الراحة والطمأنينة والسعادة والرقي والازدهار ؟
ثم ما الضير في ان تكون هناك قوى عديدة أخرى في هذا العالم بدلاً من ان تكون اميركا هي المنفردة في السيطرة على العالم ؟
ان مثل هذه الظاهرة لتدل على الطبيعة الجشعة التي جُبل عليها الانسان الى درجة انه لوكان بمقدوره ان يمتلك الخزائن التي اودعها الله تعالى في هذا الكون، اذن لأمسك عن الأنفاق خشية الاقتار والفقر. فلماذا كانت مثل هذه الطبيعة عنده ؟
لو فتشنا عن السبب لوجدناه كامنا في الرؤية الضيقة لهذا الانسان، وفي حرج الصدر، والتقوقع في الذات؛ اي في الانانية، وحب الذات الذي يتولد عنه حب الدنيا الذي هو رأس كل خطيئة.
وقـد أشار القرآن الكريم الى الطبيعة الانسانية هذه في قوله : « قُل لَوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لاَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ وَكَانَ الإِنسَانُ قَتُوراً » (الاسراء/100(.
فالانسان بطبيعته المادية لايفكر إلاّ في ذاته، واستناداً الى هذا المنطق المرفوض تحكم الجشع والطمع والطبيعة الاحتكارية الاستغلالية، ولعل هناك آيات أخرى من الذكر الحكيم تؤكد على هذا المعنى، ومنها قوله عز من قائل:
« إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً » (المعارج/ 19-21(.
وهذه هي الطبيعة السلبية غير المهذبة التي تنشأ في الذات الانسانية وتنمو وتتأصل بمرور الزمن، واليها يرجع السبب في بقاء ما يزيد على ثلثي نفوس العالم يعانون الفقر، والتخلف حيث يدخل مجموع العالم الاسلامي في هذا الرقم.
وعلى هذا الاساس فإذا ما ساد الأمة التقدم والاتحاد والانسجام، وخصوصاً امتنا الاسلامية فان هذا التقدم والاتحاد سوف لا يكونان على حساب مصالح الغير ومنافعهم، إلاّ إذا كانت هذه المصالح عدوانية خارجة عن الحق. وحينئذ تكون تسميتها بالظلم والاستئثار والاستعمار اولى من ان تسمى بالمصلحة او المنفعة، لان الخير الذي يسود أمة من الأمم لابد ان يعم الأمم الأخرى. فالله سبحانه وتعالى خلق الناس شعوباً وقبائل ليتعارفوا، ويتبادلوا الخير، ويتعاونوا ويتكاتفوا في السير الحضاري نحو التكامل.. ليشتركوا باجمعهم في بناء الحضارة، واقامـة ركائزهـا كما أراد الله تبـارك وتعالــى. فلماذا لايدعوننا - إذن - ننطلق لتحقيق هذا الهدف الاسمى ؟
ان السيارات التي نستقلها اليوم ربما لم نكن نحن صانعيها، إلاّ اننا اشتريناها بنفطنا الذي استخرجناه من آبارنا، والذي اعتمدت عليه المصانع في سبيل انتاج تلك السيارات. وعلى هذا فان كل واحد منا لابد من ان يحتاج الى الآخر في ثرواته، او طاقاته، او خبراته وكفاءاته، فلماذا يريدون احتكار ذلك كله ومنعنا من ان ننال نصيباً منه، ولماذا يقاومون هذا الوجود الاسلامي الهادر ويحاولون دون تفاعله مع بعضه لتنتج عنه أمة واحدة هي خير أمة اخرجت للناس، وما الذي سيخسرونه عندما تزول عوامل التخلف عنا، ومإذا يضيرهم ان يرتفع المستوى المعاشي لشعوبنا المنهوكة الفقيرة وتزول منها اسباب الجهل والفقر والمرض والأمية ؟؟
تغيير النفس انطلاقة الوحدة:
وبالنسبة لنا؛ الى متى نبقى نعيش احلام وأماني التقدم التي نمني بها انفسنا في الازدهار، وبلوغ السعادة والرفاه ؟
ان هذه هي حالتنا اليوم، وهي اضحة بينة لكل ذي عينين؛ فالبلاد التي كانت واحدة تمزقت بالامس القريب وظلت تزداد تمزقاً وتشرذماً حتى يومنا هذا. فالى متى نبقى على هذه الحالة البائسة، وهل سيبقى هذا قدرنا المقدر الى الأبد ؟
حاشا لله تعالى ان يجعل قدر أمة من الأمم هكذا، إلاّ بما جنته يداها. وحاشا له ان يقدر هذه الاوضاع لامة كانت خير أمة اخرجت للناس. فربك ليس بظلام للعبيد، فالداء كامن في أنفسنا، وكل مانعانيه اليوم من فقر وجهل وتخلف وتجزئة وشقاء وتبعية ومطاحنات وحروب داخلية انما منشأه من ضعف نفوسنا، وانطوائنا على ذاتنا، وانانيتنا، وحبنا للدنيا، وتهافتنا المستميت على ملاذها....
ولكن هل من سبيل الى مخرج، وهل للمشكلة هذه من حل ؟
ان السبيل ممهد، وحل المشكلة يكمن في ان نتخذ قراراً لا رجوع عنه في ان نغير انفسنا كما قال تعالى: « إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِاَنفُسِهِمْ » (الرعد/11).
وهذه هي السنة الالهية التي لابـد منها لكي تتغير الاوضاع، ولكن ماهي نقطة الانطلاق في هذا السير ؟
للاجابة على هذا السؤال الهام لابد ان نقول: ان تحقيق هذا الهدف ليس عسيرا كما يتصور البعض لكي يثبط من حركتنا، ويهد عزيمتنا فنتردد في التقدم والتحرك باتجاهه. فكل ما في الأمر اننا يجب ان نتحرر من اسر اليأس والقنوط حتى لانبقى مكتوفي الايدي فاقدي الثفة بانفسنا. فلابد لنا من العمل والحركة والمثابرة واحياء الهمم. وإذا ما تحقق كل ذلك فلا مناص من ان يأتي ذلك اليوم المبارك الذي وعدنا الله سبحانه به، وحدثنا به منطق التأريخ، وهو اليوم الذي سترفرف فيه راية التوحيد على جميع ارجاء العالم الاسلامي، ويعيش فيه المسلمون تحت ظل العدالة، والوحدة، والسعادة، والرحمة.
الوحدة وطريق ذات الشوكة:
وهنا لابد من التذكير بنقطة هامة وهي ان حلول ذلك اليوم ليس معناه ان العالم الاسلامي سوف لن يواجه ماينغص عيشه، كما ان طريقه سوف لا يكون خالياً من كل أثر للويلات والمصائب والفتن. فمادامت الدنيا فلابد من المنغصات والفتن والمصائب.. ولكن الحقائق السامية، والقيم النبيلة تبقى رغم كل ذلك، لانها تمتل حقائق متصلة بصاحبها المطلق تعالى اسمه.
والذي اريد ان الفت الانتباه اليه هنا، هو اننا مادمنا نعيش هذه العشرات من السنين فلماذا نعيشها في دهاليز سوداء من الفقر والتخلف والهموم والمعاناة.. علماً ان الله تقدست اسماؤه يذم من لايتحرك، ولايستثمر مصادر الخير، ويستخرج كنوز الارض ليخلق السعادة والرفاه لنفسه ولغيره كما يشير الى ذلك قوله تعالى: « قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامة كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الاَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ » (الاعراف/32).
والسياق المبارك في هذه الآية الكريمة يؤكد على قدرة الانسان المؤمن على تطبيق التشريعات والقوانين والتعاليم التي تضمنها القرآن الكريم، وبذلك يمكن للمؤمن ان يبلغ الذي يحكم به ويتمناه.
ومع ذلك كله تبقى المنغصات التي لا مفرّ منها، وتبقى الدنيا مشوبة ببعض الأكدار. امّا تلك السعادة، واللذة الدائمة فليس لهما محل في هذه الدنيا التي كتب عليها الفناء منذ ان ظهرت الى الوجود، بل محلها في الآخرة التي هي للمؤمنين وحدهم.
والمطلوب منا ان نسعى وفق تعاليم الشريعة السمحاء، ودستور القرآن الكريم الذي وجه خطابه الى الناس جميعاً دون استثناء، ذلك لان الله سبحانه وتعالى ينظر الى هذا الانسان ويحمله المسؤولية كانسان بعيداً عن الموقع والمركز والمال والانتماء..